“الشعبية” و”تحرير السودان”.. تقارب الأجندة السياسية والعسكرية
2 أغسطس 2021
وُصِف تقارب أكبر فصيلين عسكريين في المعارضة السودانية المسلحة وتوقيعهما إعلاناً سياسياً بـ”التاريخي” لجهة المتوقع من الذي يترتب عليه توقيع الإعلان السياسي الذي جرى الخميس الماضي بين الحركة الشعبية ـ شمال بقيادة عبد العزيز آدم الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.
واعقبت الحركة الشعبية التوقيع تأكيدها على أنها تدرك بأن تحقيق برنامجها الهادف لتأسيس سودان جديد يعدُ مهمة معقدة ومتداخلة الجوانب ولا تستطيع الحركة القيام به مُنفردة، كما ترى ضرورة التحالف مع القوى السياسية والإجتماعية السودانية التي لديها مصلحة في التغيير لإنجاز مشروعها الكبير، كما أوضحت أنها شرعت منذ وقت مبكر عقب إنتصار ثورة ديسمبر المجيدة، في التواصل سياسياً مع نحو (15) كياناً سياسياً.
وتضمن الإتفاق بين الحركتين المُطالبة بإصلاح القطاع الأمني قبل البدء في تنفيذ الترتيبات الأمنية وإعادة هيكلة جميع أجهزة ومؤسسات الدولة وكل المنظومة الأمنية وفق أسس جديدة وحل جميع الميليشيات والجيوش والأجهزة الأمنية الخاصة والحزبية والقبلية وإعادة بناء جيش وطني قومي بعقيدة عسكرية جديدة.
إصلاح القطاع الأمني
وأدى تمسك الحركة الشعبية ـ شمال، بضرورة إصلاح القطاع الأمني والعسكري، بالإضافة لمسائل تتعلق بتفويض السلطات، إلى عرقلة المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية. وفي الخامس عشر من يونيو الماضي رفعت الوساطة الجنوب سودانية أولى جولات التفاوض بين حكومة الإنتقالية والحركة الشعبية ـ شمال، في أعقاب تعثر وصول الطرفين إلى توافق حول القضايا التي وردت في الإتفاق الإطاري الموقع بينهما، دون تحديد سقف زمني جديد لاستئناف المفاوضات من جديد.
“صالح محمود: إنخراط حركة تحرير السودان في مفاوضات جوبا مرهون بحدوث مواقف جديدة للحكومة السودانية، من بينها إلغاء الوثيقة الدستورية واتفاقية سلام جوبا، مُعتبراً أن الوثيقتين يقفان عقبة تجاه الإنخراط في أي مفاوضات مقبلة.
وظلت الحركة الشعبية تطالب بإصلاح القطاع العسكري ودمج قوات الدعم السريع ومقاتلي تنظيمات الجبهة الثورية في الجيش السوداني قبل البدء في في دمج قوات الجيش الشعبي التابع للحركة في القوات النظامية السودانية. وقال البيان المشترك للحركتين إن وحدة الدولة السودانية يجب أن ترتكز على العلمانية والمواطنة المتساوية اللامركزية.
وفي سبتمبر من العام الماضي، وقع رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك مع رئيس الحركة الشعبية “شمال” عبد العزيز الحلو بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا “إعلان مبادئ” لمعالجة الخلافات القائمة بين الجانبين والتي من بينها العلاقة بين الدين والدولة وحق تقرير المصير، كما هدف الإعلان وقتها لكسر جمود التفاوض بين الجانبين. وفي الثالث من أكتوبر العام الماضي، وقعت الحكومة السودانية وممثلين عن الحركات المسلحة المنضوية تحت تحالف ” الجبهة الثورية” على إتفاق “سلام جوبا” في الوقت الذي لم تُشارك فيه الحركة الشعبية قيادة الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.
تطابق
بالإشارة إلى الإعلان السياسي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحركة جيش تحرير السودان يقول المحامي والمهتم بالشأن السياسي السوداني، عبد الباسط الحاج في حديث لـ(عاين):”إن مواقف الحركتين المتصلة بعملية التغيير وأجندة الإنتقال ظلت واضحة منذ البداية. مُشيراً إلى وجود تطابق كبير بين الحركتين في الرؤى والمواقف السياسية العامة تجاه قضايا البلاد، موضحاً أن الحركتين تحظيان بتأييد شعبي واسع بالإضافة إلى النفوذ الجغرافي.
توحيد مواقف
وأوضح الحاج أنه وعقب وضوح إتجاهات الأطراف السياسية فيما يختص بقضايا الإنتقال، كان من المتوقع شروع الحركتين في تفاهمات مشتركة عن طريق توحيد المواقف السياسية في قضايا رئيسية مثل العلمانية وقضايا الحقوق التاريخية للمجموعات الثقافية المختلفة في السودان.
وأكد الحاج أن الفرصة سانحة للحركتين لتصحيح مسار الإنتقال السياسي في السودان، مشيراً إلى إرتباط آمال وتطلعات طيف واسع من المواطنين بمواقفهما خاصة ضحايا الحروب والإنتهاكات والمهمشين.
“قيادي بـ(الشعبية): الإعلان السياسي سيقود لظهور آليات للعمل والنضال والتحالف الإستراتيجي طويل المدى من أجل تنفيذ البرامج المشتركة للحركتين اللتين تكاد تتطابق برامجهما في الكثير من المفاصل.
ويرى الحاج بضرورة أن تتويج الإعلان السياسي بإئتلاف سياسي قوي عن طريق تكوين لجان عمل مُشتركة بين الحركتين، مع إحتمال إنضمام أجسام سياسية أخرى للإئتلاف المُقترح، خاصة مع ضعف الأداء السياسي للحكومة الإنتقالية وتفكك حاضنتها السياسية.
وفي البند الثاني للإعلان السياسي، أبدت الحركتان إحترامهما لأي وسائل وآليات يُمكن أن تفضي إلى الحل الجذري للأزمة السودانية التاريخية وإعادة هيكلة الدولة على أسس جديدة، وفي البند الرابع أكدت حركة جيش تحرير السودان تفهمها وتأييدها لإعلان المبادئ الذي تم توقيعه بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ـــ شمال، ودعمها لموقف الحركة الشعبية في مسودة الإتفاق الإطاري التي طرحتها بمنبر جوبا.
ويرى الحاج أن ذهاب الحركة نحو مسار التفاوض المباشر مع الحكومة لا يتعارض مع موقف حركة تحرير السودان الداعي لحوار سوداني/ سوداني، موضحاً أن الإعلان السياسي بين الحركتين يؤكد على سعيهما الحثيث والجاد من أجل تحقيق الأهداف المُتفق عليها بأي وسيلة سياسة ممكنة، لدعم الإنتقال نحو الديمقراطية والإستقرار.
تعقيدات الواقع
“يُلاقي الإعلان السياسي بين الحركتين ترحيباً كما ان أي خطوة سياسية يمُكن أن تفضي لتحقيق السلام الشامل والعادل في البلاد مرحب بها”، يقول مدير معهد السودان للديمقراطية، الصادق على حسين لـ(عاين)، ويضيف “الحركتين لديهما رؤى تتعلق بالكيفية التي يُحكم بها السودان”، مشيراً لإمكانية مُناقشة الحركتين من خلال “الإعلان السياسي” الموقع بينهما مؤخراً للوصول لحلول مستدامة لقضايا البلاد.
وأشار حسين، إلى أن تعقيدات الواقع الراهن تجاوزت ” إتفاق جوبا” الذي عجز عن مخاطبة القضايا السياسية المُلحة بما فيها قضايا إقليم دارفور. ودعا لضرورة إدراك أن الوصول لتأسيس دولة المواطنة المشتركة لن يتأتى من خلال السلطة وتولي المناصب الرفيعة ونيل الرتب والنياشين، بل من خلال التربية الوطنية.
إنسداد أفق
وحول ما إذا من المتوقع إنخراط حركة تحرير السودان في مفاوضات جوبا، يقول المحامي والمهتم بقضايا إقليم دارفور، صالح محمود في حديث لـ(عاين)، من الصعوبة الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب، خاصة مع إنسداد أفق المفاوضات بين الحركة الشعبية قيادة الحلو والحكومة السودانية بسبب الوصول لمناقشة قضايا من الصعوبة تجاوزها دون الوصول إلى إتفاق، خاصة أن الحركة الشعبية ” شمال” لا تعترف بالوثيقة الدستورية الحاكمة للبلاد، بحجة أنها لم تكن طرفاً في صياغتها ولم توقع عليها. مشيراً إلى أن منبر جوبا يعد نفس المنبر الذي شهد “إتفاق جوبا” بين الحكومة السودانية وبين الجبهة الثورية التي تضم حركات حركات دارفور المسلحة الأخرى.
وأوضح محمود، أن الحركة الشعبية ـــ شمال لا تعترف بإتفاق جوبا أيضاَ والذي أصبح عقب التوقيع عليه جزءاً من الوثيقة الدستورية، مشيراً إلى أن من المستبعد أن تكون مواقف عبد الواحد محمد نور مختلفة عن مواقف الحركة الشعبية في ما يختص بالوثيقة الدستورية و إتفاق سلام جوبا، لأن رئيس حركة تحرير السودان، لم يكن طرفاً في التوقيع عليهما مثله مثل الحلو.
صالح محمود: إنخراط حركة تحرير السودان في مفاوضات جوبا مرهون بحدوث مواقف جديدة للحكومة السودانية، من بينها إلغاء الوثيقة الدستورية واتفاقية سلام جوبا، مُعتبراً أن الوثيقتين يقفان عقبة تجاه الإنخراط في أي مفاوضات مقبلة.
وأوضح محمود أن الحكومة السودانية بإرتضائها وجود أكثر من مسار للتفاوض عملت على تعقيد المشهد السياسي أكثر، وبات من الصعوبة الإلتقاء بين الأطراف المتفاوضة أو التي يجب أن تتفاوض معها لوجود خطوط متوازية بين أطراف العملية التفاوضية الكُلية. ويرى أن الإعلان السياسي يعد إطاراً عاماً لطبيعة العلاقة بين الحركتين، ويُعبر عن وجود مشتركات سياسية، الأمر الذي يمكن أن يفضي لتطويرها في المستقبل.
وقال محمود: “الذي يجمع بين الحركة الشعبية وحلفائها من جانب وبين حركة تحرير السودان من جانب ثانٍ هي وحدة القضايا وجديتها مثل الدعوة للعمل على وحدة السودان و المواطنة كأساس للحقوق والواجبات وضرورة الإعتراف بتنوع السودان وتعدده، بالإضافة للإعتراف بالتظلمات التاريخية الذي وقع على بعض الشعوب السودانية مع الدعوة لتحقيق العدالة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من أي عملية سلام مقبلة.
ويرى محمود أنه بواقع هذه القضايا المشتركة فمن المرجح أن يكون أغلب حلفاء الحركة الشعبية شمال داعمين لحركة تحرير السودان، وإن كان ليس بالضرورة أن يكونوا حلفاء سياسيين لها.
وتدعو حركة جيش تحرير السودان بشكل مستمر لضرورة قيام حوار سوداني/سوداني بدون إيراد تفاصيل حول الآليات التي تحقق ذلك. وبهذا الخصوص فإن محمود يرى أن المُقترح يجد القبول نظرياً، لأن المطلوب من السودانيين هو النفاذ لمخاطبة القضايا المصيرية بواسطة السودانيين وهذا يتطلب الإتفاق على المبادئ الدستورية العامة المعروفة الواردة في المواثيق الإقليمية والدولية، مثل الإعتراف بالتنوع وحرية الانتماء والاعتقاد وغيرها من القضايا الأخرى.
ويشير إلى أن فكرة رئيس حركة تحرير السودان حول الحوار السوداني/السوداني ذات طابع نظري لأن الحركة لم تقترح آليات أو تصورات لكيفية تنفيذها، كما لم تتم مشاورات مع القوى السياسية الفاعلة أو منظمات المجتمع المدني للمشاركة في محاور مشروع الحوار السوداني السوداني مشيراً إلى أن هذه الدعوة لا يزال يكتنفها الغموض.
تحالف الحركتين
قيادي بـ(الشعبية): الإعلان السياسي سيقود لظهور آليات للعمل والنضال والتحالف الإستراتيجي طويل المدى من أجل تنفيذ البرامج المشتركة للحركتين اللتين تكاد تتطابق برامجهما في الكثير من المفاصل.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان من المتوقع تطوير الإعلان السياسي بين الحركتين إلى تحالف سياسي يوضح القيادي بالحركة الشعبية ” شمال” محمد يوسف أحمد المصطفى بأن أى إعلان سياسي مشترك بين فصيلين سياسيين يعد مُقدمة للتنسيق بينهما. ويصف المصطفى في حديث مع (عاين) العلاقة بين الحركة الشعبية وحركة تحرير السودان “بالقديمة” مشيراً إلى وجود عمل مستمر بينهما لبناء شكل من أشكال التحالف السياسي. مؤكداً على أن الإعلان السياسي ، سيقود لظهور آليات للعمل والنضال والتحالف الإستراتيجي طويل المدى من أجل تنفيذ البرامج المشتركة للحركتين اللتين تكاد تتطابق برامجهما في الكثير من المفاصل.
“ فشلت محاولات التقدم عسكرياً في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان، لذا فإن أعداء السلام عملوا على حث تلفون كوكو على فعله أملاً في تعويض الهزيمة”
وفي نهاية يوليو من العام الماضي وقعت الحركة الشعبية شمال قيادة “الحلو” على إتفاق تحالف سياسي مع تجمع السودانيين المهنيين في مدينة جوبا يدعو لدولة تقوم على فصل الدين من الدولة. كما وقعت في سبتمبر من نفس العام على إعلان سياسي بمدينة أديس أبابا يرفض إقحام الدين في السياسة.
وحول اتجاه الحركة الشعبية لتوسيع دائرة تحالفاتها السياسية يقول القيادي بالحركة الشعبية محمد يوسف أحمد المصطفى: “إن الحركة الشعبية مُدركة بأن تحقيق برنامجها الهادف لتأسيس سودان جديد يعدُ مهمة معقدة ومتداخلة ومتعددة الجوانب ولا تستطيع الحركة القيام به مُنفردة، لذا فهي ترى بضرورة التحالف مع القوى السياسية والإجتماعية السودانية التي لديها مصلحة في التغيير لإنجاز مشروعها الكبير”.
مشيراً إلى أن الحركة شرعت منذ وقت مبكر عقب إنتصار ثورة ديسمبر المجيدة، في التواصل سياسياً مع نحو (15) كياناً سياسياً ومدنياً وفئوياً بالإضافة لبعض الكيانات الأهلية، بهدف الوصول لإتفاق بخصوص قضايا البلاد المُلحة، وبناء جبهة واسعة مسترشدة بوعي سياسي مُشترك. مشيراً إلى أن الحركة لا تزال تسعى للتوافق مع كل القوى السياسية والمدنية للتوافق على إعلان سياسي يقوم على المؤشرات التي تقود إلى تجديد السودان.
وأشار يوسف، إلى أن مشروع الحركة يُقابل بالكثير من العقبات نتيجة لاعتبارات أيديولوجية من بعض الأطراف أو نتيجة استفادة البعض من الترتيبات السياسية الحالية التي يعتقدون أنها مستدامة، على عكس الحركة الشعبية التي ترى غير ذلك. مؤكداً أن الحركة ستستمر في عقد التحالفات مع كل الأحزاب السياسية والمنظمات الرافضة للترتيبات السياسية الراهنة.
أعداء السلام
“ فشلت محاولات التقدم عسكرياً في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان، لذا فإن أعداء السلام عملوا على حث تلفون كوكو على فعله أملاً في تعويض الهزيمة” وتعليقاً على تنصيب تلفون كوكو نفسه خلفاً للقائد عبد العزيز آدم الحلو، يرى المصطفى أن قوة حجة وتماسك بيانات الحركة الشعبية شمال هزمت ممثلي السودان القديم في المفاوضات والصراع السياسي المباشر.
كما فشلت محاولات التقدم عسكرياً في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان، لذا فإن أعداء السلام عملوا على حث تلفون كوكو للقيام بهذه الخطوة أملاً في تعويض الهزيمة، وأوضح المصطفى أن كوكو إنقطعت علاقته مع الحركة الشعبية منذ العام 2005 عقب توقيع إتفاق السلام الشامل، بسبب رغباته الشخصية المتمثلة في الحصول على منصب سياسي، في حكومة الوحدة الوطنية في الفترة الإنتقالية، ذلك الوقت، الأمر الذي لم يحدث لأسباب منها ضعف عطاءه في الميدانين العسكري والسياسي إضافة لضعف قدراته. ويشير المصطفى إلى أن كوكو إنزوى إلى أن ظهر مدفوعاً بالمؤتمر الوطني المحلول للمنافسة في انتخابات جنوب كردفان في العام 2010، كمرشح لمنصب الوالي في جنوب كردفان ضد “الحلو”، لشق الأصوات المناصرة للحركة الشعبية، وتشير الوقائع إلى أن الحلو تحصل على مئات الآلاف من الأصوات بفارق بسيط عن الأصوات التي نالها مرشح النظام البائد بالرغم من التزوير. بالمقابل تحصل تلفون كوكو على حفنة بسيطة من الأصوات، وكانت الأصوات التالفة للحلو تفوق الأصوات التي حصل عليها كوكو ثلاثة مرات.