نازح سوداني يحول سيارته لسكن دائم
عاين- 18 أغسطس 2024
دفعت الحرب في السودان بعض النازحين للعيش داخل سياراتهم في مدينة كسلا شرقي البلاد. ومن بينهم “عبد الرحيم” 50 عاما، والذي نزح من مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة إلى مدينة كسلا، ويقيم في مركبته منذ وقت.
يقضي عبد الرحيم، في سيارته أغلب الوقت عندما يحولها إلى تاكسي أجرة نقل بين الأحياء والسوق الرئيسي ليجني المال بدلا من البقاء في مركز النزوح عاطلا عن العمل، وعندما ينتهي من عمله اليومي يتوقف قرب مرفق مدني عام وسط المدينة والنوم بداخلها.
من بين الأسباب التي اضطرت الرجل الخمسيني إلى اتخاذ السيارة مسكنا له ارتفاع إيجار المنازل في الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش شرق البلاد، ويصل الإيجار الشهري إلى نحو مليون جنيه ما يعادل أربعمئة وخمسين دولاراً.
“الشعور بعدم بقاء المدن التي يسيطر عليها الجيش آمنة منذ سيطرة الدعم السريع على ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة نهاية العام الماضي جعل بعض المواطنين يحتفظون بالسيارات حتى يتمكنوا من النزوح دون الحاجة إلى البحث عن وسيلة نقل” يقول عبد الرحيم لـ(عاين).
في الأمطار التي هطلت بغزارة على مدينة كسلا هذا الشهر احتمى مئات النازحين أولئك الذين من هم في حالة تشرد جزئي بالأشجار أو المرافق العامة أو حتى جدران المنازل في الأحياء السكنية.
شاهدني مواطن يقطن في منزل وسط مدينة كسلا عندما كنت أجلس في سيارتي في أثناء الأمطار دعاني إلى منزله، وقدم لي الطعام، وطلب مني القدوم في أي وقت لاستخدام المرحاض
يضيف عبد الرحيم “شاهدني مواطن يقطن في منزل وسط مدينة كسلا عندما كنت أجلس في سيارتي في أثناء الأمطار دعاني إلى منزله، وقدم لي الطعام، وطلب مني القدوم في أي وقت لاستخدام المرحاض أو الحصول على المساعدة”.
سياج أمني في كسلا
تضرب القوات النظامية داخل مدينة كسلا طوقا أمنيا بدعم من الحكومة المحلية التي تشجع تنفيذ الحملات على الأحياء والأسواق بحجة البحث عن “الخلايا النائمة” التي تتعاون مع قوات الدعم السريع.
في بعض الأحيان يتعرض عبد الرحيم في أثناء الحملات الأمنية إلى الاستفسار عن منطقته أو البحث في هاتفه عن الصور أو التدقيق في وجهه. ويقول عبد الرحيم إن “كسلا تحولت إلى ثكنة عسكرية وأمنية، وليس بالإمكان الحياة بسهولة”.
بعد توسع رقعة الحرب إلى ولاية الجزيرة وسيطرة الدعم السريع على أجزاء واسعة من ولايتي سنار والجزيرة وسط البلاد وصل عشرات الآلاف من النازحين إلى ولاية كسلا أغلبهم في المدينة الرئيسية الواقعة قرب الحدود مع إريتريا شرق البلاد.
وبين الحين والآخر تطوف القوات العسكرية والأمنية في شوارع المدينة وهي مدججة بالسلاح، وتلوح به أمام المارة، ويقول الناشطون السياسيون إن هذه العروض العسكرية تستهدف نشر الرعب بين المواطنين زادت هذه الإجراءات منذ سيطرة الدعم السريع على ولايات واقعة وسط البلاد.
وتخضع الأحياء والأسواق إلى رقابة أمنية طوال الوقت، وعندما تبدأ ساعات حظر التجول يفضل بعض المواطنين البقاء في أماكنهم لتجنب الاحتجاز بواسطة قوى الأمن.
عدم الشعور بالأمان
وتقول العاملة الإنسانية امتثال محمد عبد الرحمن إن مئات النازحين يضطرون للتشرد الجزئي، ويفضلون البقاء في الشوارع أو الأسواق والأحياء وليلا يعودون إلى المبيت في مراكز الإيواء وبعضهم يحتفظ بسيارته حتى يضع فيها مقتنياته وملابسه.
وتقول امتثال عبد الرحمن لـ(عاين): إن “الشعور بعدم الأمان في المدن الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني جعل النازحين يضعون الخطط للمغادرة في أي وقت خاصة إذا حاولت الدعم السريع التقدم من مدينة إلى أخرى”.
وأردفت “مع شح الوقود وعدم توفر وسائل النقل خاصة في المدن التي تتعرض إلى هجوم من الدعم السريع يتمكن هؤلاء الذين لديهم سيارات من الفرار إلى مدينة أو منطقة أخرى”.
وترى امتثال عبد الرحمن، أن الدعم الذي يحصل عليه النازحون شحيح للغاية من المنظمات الدولية والمحلية ولولا المطابخ الجماعية لقضى الجوع عليهم في مراكز الإيواء بالمدن الواقعة تحت سيطرة الجيش.
وتضيف “ولاية كسلا تتوفر بها أكبر المشاريع الزراعية كان يمكن تحويل مأساة النازحين إلى أمل بإنعاش حكومي لخطط الإنتاج الزراعي، لكن هذا لم يحدث ولن يحدث؛ لأن التفكير الحكومي يقدم المخاوف الأمنية على كل شيء بما في ذلك حياة النازحين”.
ووصل إلى ولاية كسلا أكثر من مليون نازح توزعوا على القرى ومدن الولاية التي تعاني هي الأخرى من انعدام البنية التحتية وخلال الفيضانات الأخيرة خاصة مع المياه المندفعة من نهر القاش وسط المدينة تعرضت مئات المنازل إلى الانهيار.