على أي بيِّنات يُحاكم المدنيون بالإعدام بمناطق سيطرة الجيش؟

عاين- 21 أغسطس 2024

مع استمرار أمد الحرب بين الجيش والدعم السريع، فإن هناك معركة أخرى يخوضها المواطنون والحقوقيون، بسبب ما يعتبر أنه اختلالات في النظام العدلي، لجهة إصدار أحكام بالإعدام ضد مواطنين، دون توفر العناصر القضائية اللازمة لإصدار مثل هذه الأحكام، بما في ذلك عدم وجود محكمة دستورية، إلى جانب مشكلات في القانون الجنائي.

واستمرارا لهذه الأحكام، أصدرت محكمة كسلا الجنائية، الاثنين الماضي، برئاسة مولانا إبراهيم عبد المعروف، حكما بإعدام المدانة (ك. أ.ع).

ووفقا لمنطوق الحكم، فإن المتهمة خالفت نص المواد، 50، 51 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991. بعد ثبوت تعاونها مع قوات الدعم السريع.

وفي 11 أغسطس الجاري، أصدر القاضي عماد العكد قاضي المحكمة العامة عطبرة، حكما بالإعدام شنقا على المواطنة الدر حمدون 24 عاما تحت المواد 50 و51 من قانون العقوبات للعام 1991.

وفي 11  يوليو الماضي، قالت هيئة محامي دارفور، إنها تعتزم الترافع عن أكثر من 150 من المحتجزين في مراكز بشمال وشرق السودان، يواجه بعضهم اتهامات بالتعاون مع قوات الدعم السريع، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

وأوضحت عبر بيان وقتها، أن السلطات في بورتسودان وعطبرة أوقفت أكثر من 150 شابًا من الطرقات العامة والمحال التجارية، حيث تم توجيه اتهامات لبعضهم بموجب المادة 51 من القانون الجنائي والمتعلقة بتقويض النظام الدستوري والمادة 51 الخاصة بإثارة الحرب ضد الدولة.

وفي 12 مايو قضت محكمة القضارف، على أحد المحامين بالإعدام بتهمة التخابر مع قوات الدعم السريع، وقضت ذات المحكمة في 18 مارس الماضي بالإعدام على شخص بتهمة التعاون مع ذات القوات، إلى جانب إصدار السلطات القضائية عدداً من أحكام الإعدام أخرى تركزت في مناطق سيطرة الجيش.

وقال المحامي والقانوني، عثمان البصري في مقابلة مع (عاين)، أن كل أحكام الإعدام التي صدرت مؤخراً في مواجهة مواطنين، كانت وفقاً للقانون الجنائي للعام 1991، تحت المادتين 50 تقويض النظام الدستوري والمادة 51 إثارة الحرب ضد الدولة.

شلل النظام العدلي

وتعرض النظام العدلي السوداني لشلل جزئي، في أعقاب تغيير النظام في العام 2019، وفقاً للقانوني والحقوقي، عبد الباسط الحاج.

ووفقاً للوثيقة الدستورية الموقع عليها بين العسكريين والمدنيين، في أغسطس 2019 عقب سقوط نظام البشير، كان المرجو تشكيل المحكمة الدستورية، وهو الأمر الذي لم يحدث.

وخلال الفترة الانتقالية، اصطدم تكوين، المحكمة الدستورية التي تعد أعلى سلطة قضائية بتأخير إكمال هياكل السلطة.

غياب المحكمة الدستورية في السودان.. من يريد إجهاض العدالة؟
المحكمة الدستورية- الخرطوم- ارشيفية

وأنشئت المحكمة الدستورية في السودان في العام 1989، وجدد إنشاؤها بموجب الدستور الانتقالي للعام 2005. وشهد يناير من العام 2013 آخر تعيين لقضاة المحكمة الدستورية، انتهت ولايتهم بحلول يناير من العام 2021.

وتعتبر المحكمة الدستورية جزءاً من نظام التقاضي السوداني، وإحدى مهامها النظر في الأحكام القضائية، وموافقتها للدستور، بما في ذلك أحكام الإعدام. بحسب عبد الباسط الحاج. ويشير إلى أن كل أحكام الإعدام لن تكون نهائية وقابلة للتنفيذ إلا عبر المحكمة الدستورية.

ولفت الحاج في مقابلة مع (عاين) إلى أن عدم وجود محكمة دستورية أضر بالنظام القضائي السوداني، وأدى إلى إيقاف تنفيذ أحكام عديدة بما في ذلك أحكام الإعدام.

يقول الحاج، أن “جزءاً كبيراً من ولايات السودان تفتقد لوجود منظومة قضائية لحفظ النظام وتطبيق الأحكام، بما في ذلك مركز النظام مركز النظام القضائي لاعتبار أن الحرب قد اندلعت في العاصمة الخرطوم”.

لكن بالمقابل، فإن الحاج يشير إلى أن هنالك أجزاء من السودان لا تزال تحافظ على النظام والأمن في بعض الولايات. ويعلق “هذا أمر جيد”. إلا أنه يرى أن النظام القضائي في الولايات الآمنة، تأثر أيضا ظروف الحرب وتوجهات السلطات الحكومية وهو الأمر الذي ربما يؤثر في مسارات العدالة ونزاهة القضاء.

ومن جهة أخرى، يعتبر الحاج أن السلطة القضائية لها حق النظر في القضايا وحفظ النظام وإصدار الأحكام بشكل مجرد ومراعاة لقيم العدالة. ويرى ضرورة أن يُمنح كل المتهمين الحق في الدفاع عن أنفسهم وتمثيلهم بواسطة محام.

وبالإشارة إلى أحكام الإعدام التي صدرت مؤخرا في حق مواطنين، يقول الحاج أن هذه الأحكام لم تنفذ منذ العام 2019، بسبب غياب المحكمة الدستورية.

ومع ذلك، فإن المحامي والقانوني، عبد الباسط الحاج، يرى في أحكام الإعدام التي صدرت ضد مواطنين يُشتبه في انتمائهم إلى الدعم السريع يعد أمرا خطيراً.

ويرى أن هذه الأحكام تتشكل ضمنيا وفق الظروف السياسية والأمنية، مما يجعل إجراءات التقاضي في هذه الحالة شكلية وليست عدلية.

وأوضح بأن النتيجة النهائية التي يجب أن يتوصل إليها القاضي يجب أن تكون نتيجة مستقلة مستقاة من البينات والأدلة التي تُقدم إلى جانب اطمئنان القاضي لهذه الأدلة دون تأثر أو شك.

من جانبه، يرى المحامي، عثمان البصري، أن المؤسسات العدلية في السودان تكاد تكون مشلولة تماماً.

قوانين الإنتقال في السودان.. حماية أم استهداف للناشطين؟
مقر وزارة العدل- الخرطوم

ويدلل على ذلك بقوله: “المؤسسات العدلية التي تنفذ أوامر النيابة غير قادرة على جلب أي مجرم من داخل مناطق الدعم السريع، لتحقيق العدالة”.

وأضاف في حديث لـ(عاين): “نستطيع القول إن المؤسسات العدلية تعمل على جزء من المواطنين وأجزاء محددة في البلاد”.

ولفت إلى أن المحاكم في المدن التي يسطر الجيش، لا تزال تعمل، إلا أنها تعمل بشكل متذبذب. وأوضح البصري أن أكثر الولايات استقرارا في ما يخص عمل الأجهزة العدلية، هي الولايات الشرقية والشمالية.

وفقاً للبصري، فإن هناك قرارين قضيا بالإعدام في ولاية القضارف إلى جانب حكمين بالإعدام أيضا في ولاية القضارف وحكمين آخرين بولاية نهر النيل، وحكم بالإعدام في ولاية البحر الأحمر، جاءت كلها تحت الاتهام بالتعاون مع قوات

الدعم السريع، وفقا للمادتين (50) و(51) تقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة.

ورأى البصري أن كل الذين صدرت في مواجهتهم أحكام بالإعدام في هذه القضايا المذكورة لا تنطبق عليهم هذه المادة في كل عناصرها.

محاكمات غير عادلة

وأوضح البصري، أن العناصر اللازمة للاتهام بتقويض النظام الدستوري، من بينها القيام بفعل أردت به تغيير النظام الدستوري في البلاد، عن طريق فعل مادي ملموس، وليس عن طريق منشورات تبدي دعماً لأحد أطراف الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكد البصري، أن هذه العناصر غير موجودة في كل أحكام الإعدام الصادرة مؤخرا.وينوه إلى انهيار النظام الدستوري في البلاد بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.

البصري، أيضا يشير إلى وجود خلل في القانون الجنائي السوداني للعام 1991. خاصة في مواد الجرائم الموجهة ضد الدولة، فبالنظر إلى المادة 51 من القانون الجنائي لسنة 1991 هي جريمة إثارة الحرب ضد الدولة، من خلال نص المادة يتضح أن عناصرها هي جمع الأفراد وتدريبهم، جمع السلاح أو العتاد، الشروع في جمع الأفراد أو العتاد، التحريض علي ما سلف، تأييد ما سلف بأي وجه. ويعود ليؤكد من جديد، أن هذه العناصر لا تنطبق على أي من الذين صدرت ضدهم أحكام بالإعدام.

وهنا، فإن البصري يرى أن أحد عيوب القانون الجنائي، إنه يضع مواد فضفاضة، فعلى الرغم من أحكام المادة 51 وذكر عناصرها، إلا أنه أضاف في آخر المادة.. “من عاونهم بأي وجه”.. وهذا يعطي مساحة لأي قاض للحكم وفقا لذلك.

ولفت إلى أنه وخلال الفترة الانتقالية كانت هناك مطالبات حقوقية بإلغاء القانون الجنائي للعام 1991 بإصدار قانون جديد أو العودة إلى قانون العقوبات للعام 1974، وهو الأمر الذي لم يحدث، حيث ظلت هذه المواد بمشكلاتها، موجودة بشكلها الحالي.

المحاكم التي أصدرت أحكام الإعدام غير مختصة، لأنها اعتمدت على النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه التهمة لديها محكمة مختصة وهي محكمة جرائم المعلوماتية

محامي

وبالعودة إلى أحكام الإعدام الصادرة مؤخرا من جهة أخرى، يرى البصري، أن المحاكم التي أصدرتها غير مختصة، لأنها اعتمدت على النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه التهمة لديها محكمة مختصة وهي محكمة جرائم المعلوماتية.

وبناء على ذلك، يخلص البصري بقوله “إذن من ناحية الفعل المجرم، فليس هناك فعل مجرم قام به هؤلاء الأشخاص يضعهم تحت طائلة هذه المواد، كما أن الاختصاص لا يجعل هذه المحاكم التي أصدرت عقوبة الإعدام مختصة بإصدار هذه الأحكام.

المحاكمة العادلة

ومن جهة أخرى، “وفي سياق النزاع الداخلي وفقاً للمادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة للعام 1949 والبرتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، ففي عمليات إصدار الأحكام، يجب التقيد بجميع معايير المحاكمة العادلة المعترف بها دوليا”. يقول المحامي والقانوني، سمير مكين، في مقابلة مع (عاين)، ويشير إلى أن هذه المعايير تبدأ من مرحلة القبض والتحري والمحاكمة حتى مرحلة إصدار الحكم.

وأضاف:”حتى في ظل إعلان حالة الطوارئ، وفقا للوثيقة الدستورية 2019, فإن معايير المحاكم العادلة لا تخضع للتقيد”.

أحكام الإعدام الصادرة مؤخراً لم تراع إجراءات القبض السليمة التي هي من صميم عمل الشرطة والنيابة، وبدلاً عنهما تقوم بها الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش.

قانوني

ويلاحظ مكين، أن أحكام الإعدام الصادرة مؤخراً لم تراع إجراءات القبض السليمة التي هي من صميم عمل الشرطة والنيابة، وبدلاً عنهما تقوم بها الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش، إلى جانب ظهور مستشاريين في هذه المحاكمات، وهو الأمر الذي يعتبر تعديا سافرا على عمل الأجهزة العدلية، وهو أمر يخل بمعايير المحاكمة العادلة.

كما يشير مكين إلى أن بعض القضايا جرت بواسطة محاكم الإرهاب خصوصا في محاكم بورتسودان بشرق السودان، وهو الأمر الذي يتعارض مع حق المتهم في النظر إلى قضيته أمام محكمة عادية.

وإلى جانب هذه التعديات، فإن مكين يرى أيضاً أن عدم تمكين المحكومين الحق في الوصول إلى محام خاصة في مرحلة التحري التي تعد أهم مراحل التقاضي على الإطلاق ، ينتهك كذلك، الحق في المحاكمة العادلة.

ويشدد مكين، على أن توقيع عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية، تقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة يعد انتهاكاً للحظر الوارد في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على عدم توقيع عقوبة الإعدام إلا في الجرائم الأشد خطورة. لافتا إلى أن هذا التعريف يستبعد الجرائم السياسية.