مفاوضات جوبا …. صعوبات واستقطاب إقليمي
تقرير: عاين 17 اكتوبر 2019م
اتسمت المحادثات بين الحركات السودانية المسلحة ممثلة في الجبهة الثورية بفصائلها المختلفة والحركة الشعبية تحرير السودان جناح عبدالعزيز الحلو والحكومة السودانية التي انطلقت في عاصمة جنوب السودان، جوبا بالتسارع والخلافات التي احتدمت بين كافة الأطراف وأدت إلى تعليق المفاوضات بمساراتها المختلفة لأسباب عديدة. ووصلت الخلافات لدرجة عدم انطلاق المفاوضات المباشرة بين الاطراف من أساسه رغم حضور عدد من الرؤساء وقادة الدول المجاورة الجلسة الافتتاحية للمفاوضات يوم الاثنين الماضي.
وفيما أعلنت الحركة الشعبية-الحلو يوم الاربعاء انسحابها من المفاوضات اعتراضا علي هجمات حكومية وقعت ضد مناطق سيطرتها في جنوب كردفان، نشبت خلافات ذات طابع اخر بقيادة فصائل الجبهة الثورية التي طالب بعضها بنقل المفاوضات من جوبا إلى عاصمة أخرى، وانتهت بطلبها تأجيل التفاوض لفترة تتراوح بين 15 يوما إلى شهر. وتشهد شوارع جوبا كثافة أمنية غير مسبوقة اذ تستضيف المدينة عدد من أعضاء مجلس السيادة السوداني وقيادات الحركات المسلحة من دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق، بينما ضجت قاعات فندقي كراون وبيراميد بالتحركات السياسية التي تقودها الوساطة في سبيل اقناع الاطراف بالانخراط في المفاوضات.
خلافات شاملة
ورغم الزخم الإقليمي الذي حظيت به الجلسة الافتتاحية للتفاوض التي حضرها عدد من الرؤساء الافارقة وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية ومناديب الدول الخليجية الاثنين، الا ان الايام التي تلت الجلسة الافتتاحية شهدت تعثرا في الاتفاق على كيفية بدء التفاوض، بدءا من مقر التفاوض، وأجندته وجدوله الزمني إلى جانب استمرار ضعف الثقة بين الأطراف رغم اتفاق حسن النوايا الذي تم توقيعه في الجولة الماضية. وكشفت مصادر مقربة من التفاوض لـ((عاين)) عن بروز اتجاه لنقل مقر المحادثات من جوبا إلى عاصمة أخرى، وسط تجاذبات قطرية-اماراتية-مصرية بشأن التفويض باحتضان الملف الذي يعبد الطريق أمام السلام الشامل في السودان عقب الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع عمر البشير.
وقال رئيس المجلس التشريعي بالجبهة الثورية التوم هجو للصحفيين في جوبا، ان الجبهة والوساطة اتفقتا على افتراع خمسة مسارات للتفاوض تتضمن كل من دارفور، جنوب كردفان، النيل الازرق، شرق السودان الذي مثلته ثلاثة مجموعات، شمال السودان ممثلا في تنظيم كوش، اضافة لوسط السودان. وأوضح هجو ان تقسيم المسارات سيتيح فرصة أكبر لمناقشة قضايا ومطالب كل منطقة علي حدة حتي تتمكن الأطراف من النظر بعمق إلى قضايا المناطق المختلفة. وألمح هجو الى امكانية ان تعقد مفاوضات كل مسار في عاصمة مختلفة، مستدركا “حتى الآن نحن موجودون في جوبا وسننتظر كيف ستسير الامور ونحن نريد ان نحقق السلام سواءا عبر جوبا أو عبر أي مكان آخر”.
وانتظمت عدة اجتماعات جانبية ولقاءات غير رسمية قادتها الوساطة بقيادة توت قلواك مستشار رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت لاحتواء الموقف وتأكيد قدرة جوبا علي المضي بمسيرة المفاوضات إلى نهايات ايجابية. وكشفت المصادر ان لقاء التأم بمنزل رئيس لجنة الوساطة توت قلواك نجح في اقناع الاطراف المختلفة على الاستمرار في المحادثات في مدينة جوبا. وفي تطور لاحق أكدت الجبهة الثورية اتفاقها علي استمرار المفاوضات في جوبا بعد مهلة تتراوح بين 15 إلى شهر طلبتها من أجل اعادة ترتيب أجندة التفاوض ومتابعة تنفيذ الاتفاق السابق الذي تم توقيعه بين الحكومة والحركات المسلحة في جوبا الشهر الماضي.
وقال القيادي بالجبهة الثورية سيف الدين عيسى في مؤتمر صحفي في جوبا ان الجبهة الثورية سلمت طلبا رسميا للوساطة طلبت فيه تأجيل التفاوض بين 15 يوما إلى شهر، مشيرا الى ان مفاوضات دارفور ستفصل في منبر وحدها “اتفقنا يكون في تأجيل للمنبر ما بين 15 يوم لي شهر لان هناك قضايا اجرائية لم تحسم بعد ولجان لم يتم تشكيلها، إلى جانب قضية الأسرى، لذلك طلبنا التأجيل 15 يوما إلى شهر، وسلمنا الوساطة طلبنا وهي وافقت مبدئيا على هذا الرأي. وسيكون هناك مسار لدارفور لوحده، ولا يوجد مقترح لنقل المفاوضات لعاصمة أخرى”.
جوبا هي الأقرب
وفي هذا الصدد قال وزير الدفاع السوداني جمال عمر في تصريح لـ(عاين) ان الحكومة السودانية متمسكة بأهمية التفاوض في جوبا لتفهمها الشامل للملف السوداني وعلاقاتها المتميزه مع كافة الاطراف السودانية لاسيما حركات التمرد.“نحن نعتقد ان جوبا هي الاقدر على ادارة ملف المفاوضات نسبة لعلاقات التاريخ والتشابك الاستراتيجي بين البلدين، اضافة لفهمها العميق لملف السلام في السودان، وكذلك لا ننسى ان السلام في السودان مهم بالنسبة لحكومة الجنوب كذلك الخرطوم هي التي رعت السلام في جنوب السودان وكذلك رياك مشار زعيم المعارضة الجنوبية ما يزال مقيما في الخرطوم كما يعلم الجميع”.
فيما يقول رئيس المجلس الاعلى للسلام سليمان ادم دبليو لـ(عاين) ان العلاقات الأزلية بين البلدين تعزز من قدرات جوبا علي تحقيق السلام، لكنه أشار إلى رغبة الحكومة في تحقيق السلام عبر رعاية التفاوض عبر أي وسيط إقليمي.ويقول المحلل السياسي الجنوب سوداني أتم سايمون ان جوبا هي الأقرب لاستلام ملف التفاوض والاستمرارية في رعايته رغم محاولات بعض العواصم نقل المحادثات اليها، مبينا ان جوبا ورغم ضعف قدراتها المالية في رعاية التفاوض، إلا أنها الاقرب تاريخيا وحاليا لكافة أطراف النزاع في السودان.
انسحاب وأسف
وعلى المسار الاخر للمفاوضات ، أعلنت الحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو انسحابها من جلسة التفاوض الأولى مع الحكومة والتي كان مقرر لها صباح الأربعاء، وشددت علي تعليق المفاوضات، متهمة الحكومة بالهجوم علي مناطقها في جنوب كردفان. وقال الأمين العام للحركة الشعبية ورئيس وفدها المفاوض عمار آمون في مؤتمر صحفي الاربعاء ان الحركة علقت المفاوضات احتجاجا على هجوم شنته القوات الحكومية بما في ذلك قوات الدعم السريع علي منطقة خور الورل ومناطق في الولاية. وأفاد امون بأن الهجوم أدي لمقتل شخصين أحدهما جندي في الجيش الشعبي، بالاضافة لأسر 16 شخص
واشترط أمون تحقيق عدد من المطلوبات من أجل استمرار التفاوض تمثلت في إعلان الحكومة وقف إطلاق النار في كافة جبهات القتال في السودان، انسحاب القوات الحكومية من المناطق التي سيطرت عليها في الولاية أثناء الهجوم، إطلاق سراح المواطنين الذين احتجزتهم. وأضاف امون “هذه الاستفزازات والاعتداءات مستمرة منذ حوالي عشرة أيام لكنها تصاعدت بشكل غير مقبول في اليومين الأخيرين، الأمر الذي قادنا إلى اتخاذ هذا الموقف بتعليق المفاوضات”.
من جانبه أبدي وفد الحكومة السودانية استجابته التامة لكافة المطلوبات التي تمسكت بها الحركة الشعبية جناح الحلو. وأكد عضو وفد التفاوض الحكومي محمد حسن التعايشي في تصريح ل (عاين) صدور قرار من مجلس السيادة بوقف إطلاق النار في كافة جبهات القتال في البلاد، مبديا أسفه للحادثة متعهدا بالتحقيق فيها وتقديم المتورطين للمحاسبة.“نحن نأسف لما حدث، وندينها بأشد العبارات ونعد بالتحقيق في الحادثة وتقديم الجناة للمحاسبة ومعاقبتهم”.
تقسيم جغرافي
من جانبه يقول المحلل السياسي الجنوب سوداني مثيانق سيريللو ان الجولة لم تحقق نجاحات كبيرة كما كان متوقعا. وحذر سيريللو من تبني منهج التقسيم الجغرافي لمنابر التفاوض الأمر الذي سيقود التي تفتيت الجهود وعزل المفاوضات عن الحراك الثوري في السودان. “منهج التقسيم الجغرافي للمفاوضات منهج لن يقود الي سلام شامل ولن يجد دعم شعبي، الحلو، مثلا سيخسر عندما يناقش الامر على اساس النوبة، مثلا. وهذا الامر يمكن ان يتمدد للمطالبة بحق تقرير المصير، التحولات الحادثة في السودان بعد الثورة، خلق واقع لا يمكن ان يقبل تقسيم السودان الي كتل جغرافية، لان هذا الامر يتعارض مع شعارات الثورة”.ولفت سيريللو الي ضعف الحضور والرعاية الدولية لمفاوضات جوبا الأمر الذي يشير إلى ضعف اهتمام المجتمع الدولي والصعوبات التي تواجه المفاوضات الحالية.“الحضور الاقليمي والدولي ضعيف، ولم نشهد أي بيان ترحيبي سوي من الاتحاد الأفريقي، وحتى لجنة الوساطة الافريقية السابقة غير ممثلة”.