صحفي آخر قتيل.. الصحفيون السودانيون تحت القيود
عاين –7 مارس 2023
ترتفع وتيرة استهداف الصحفيين في السودان من قبل طرفي الحرب، لتسجل حصيلة مفزعة من الانتهاكات بما في ذلك التضيق والاعتقال، بينما صار 6 منهم في عداد القتلى منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي- وفق نقابة الصحفيين السودانيين، وسط دعوات لحملة دولية من أجل حماية الصحفيين والصحفيات في البلاد.
وتتصاعد مطالب الحماية مع تطاول آلة القتل التي أصبحت تحصد الصحفيين السودانيين واحد تلو الآخر، وكان الصحفي خالد بلل آخر الضحايا، حيث قتل بطريقة مروعة بواسطة مسلحين مجهولين داخل منزله في حي ديم سلك الذي يقع في نطاق سيطرة الجيش بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي البلاد الجمعة الماضي.
ويعمل بلل مديراً للإعلام في مفوضية الرعاة والرحل في إقليم دارفور، وكان قبلها ولفترة طويل محرراً في المجلس الأعلى للثقافة والاعلام ووزارة الرعاية الاجتماعية، وهو مساند للتغيير، وفق ما يرويه رئيس رابطة صحفيي دارفور محمد حسين خلال مقابلة مع (عاين).
ويقول حسين: “اقتيل خالد بواسطة مسلحين يرتدون زي الجيش وفق المعلومات التي وصلتنا من محيطه، لكن لم نتمكن من معرفة هويتهم حتى الآن، فهي حرب جبانة، فكل منطقة بها تعدد جيوش تكون خطرة على المواطنين والصحفيين على حد سواء، ويعتبر الفقيد ثاني صحفي يستشهد في إقليم دارفور بعد زميلتنا في إذاعة زالنجي سماهر الشافع، كما فقدنا التواصل مع عدد من الزملاء في أم كدادة وأبو حميرة في شمال دارفور”.
وحصد مقتل خالد بلل، إدانات واسعة من نقابة الصحفيين السودانيين وشبكة الصحفيين ورابطة صحفيي دارفور التي أصدرت بيانات منفصلة نددت فيها بالجريمة البشعة والاستهداف الممنهج للصحفيين والصحفيات من طرفي الصراع في البلاد، معتبرة ما تم يندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.
وبحسب الصحفي المقيم في إقليم دارفور، محمد صالح البشر الذي تحدث لـ(عاين) فإن “خالد بلل قتل داخل منزله في مدينة الفاشر حي ديم سلك وهي منطقة تقع تحت سيطرة الجيش السوداني بواسطة مسلحين يرتدون زي الجيش، ومن المرجح أن يكون تم استهدافه على أساس اثني فهو ينتمي لمكون قبلي عربي”.
ارقام
ويقول صالح: “من المؤسف يحدث انقسام اجتماعي كبير في الفاشر، فالجزء الشرقي من المدينة تتمركز فيه المكونات العربية، والجانب الغربي فيه القبائل غير العربية، واضطر السكان للنزوح المتبادل وهجر منازلهم والانضمام الى الجزء الذي تسكنه مكوناتهم القبلية، لكن خالد بلل رفض النزوح ومكث في بيته غرب المدينة، وكان يظن انه شخص اعلامي لن يتم استهدافه”.
ويضيف: “حادثة مقتل خالد ألقت بظلال سالبة على الصحفيين العاملين في إقليم دارفور، وأصبح الصحفيين في الفاشر يخفون هوياتهم خشية الاستهداف، ومن المؤكد لن يكونوا قادرين على نقل الحقائق من هناك”.
قُتل 6 صحفيين منذ اندلاع الحرب، وتوقفت صحف ومحطات إذاعية وتلفزيونية عن العمل، واضطر نحو 160 صحفيا لمغادرة البلاد
نقابة الصحفيين السودانيين
ورصدت نقابة الصحفيين السودانيين في تقرير لها صدر مؤخراً عشرات الحالات من الانتهاكات بحق الصحفيين في البلاد، بينها 6 حالات قتل، وهم خالد بلل، سماهر عبد الشافع – إذاعة زالنجي، حليمة سالم – تلفزيون سودان بكرة، عصام مرجان – مخرج تلفزيوني، عصام الحاج – مصور تلفزيوني، أحمد العربي وهو مذيع بقناة النيل الأزرق.
وتضمن التقرير فقدان 500 صحفي لوظائفهم بعد توقف الصحف والمحطات التلفزيونية واذاعات أف أم، كما اضطر نحو 160 صحفي وصحفية الى مغادرة السودان الى دول الجوار بسبب تدهور الوضع الأمني.
ويقول سكرتير الشؤون الاجتماعية في نقابة الصحفيين السودانيين، وليد النور في مقابلة مع (عاين): إن “السودان يعيش في وضع غير طبيعي، ففي ظل حالة الطواري المفروضة في الولايات الآمنة، ويمكن أن تكون هناك حوادث واعتداءات على الصحفيين بشكل مستمر، فالنقابة لديها مكتب قانوني وآخر للحريات الصحفية يقومان برصد الانتهاكات والتواصل مع المنظمات الدولية الحقوقية المعنية بالصحافة من أجل توفير الحماية للصحفيين في البلاد”.
“تقوم نقابة الصحفيين السودانيين بالتواصل مع كافة الأطراف من أجل توفير الحماية اللازمة من خلال البيانات الصحفية التي تصدرها والوعي الذي تنشره في الوسائل المختلفة ووسط المجتمع، وأيضاً عبر الدورات التدريبية التي تقيمها للصحفيين وتختص بحمايتهم في مناطق النزاعات”. يضيف النور.
من جهته، يقول عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين، خالد أحمد، في مقابلة مع (عاين): “منذ اندلاع الحرب سُجلت انتهاكات بشكل ممنهج ضد الصحفيين من طرفي الصراع في السودان، بدأت بالاعتقال والمنع من الحركة في مناطق سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع، ووصلت الى الإخفاء القسري والقتل بشكل متعمد”.
تضييق واسع
ويضيف أحمد: “تدهور المناخ العام للحريات بعد نشوب القتال، وتقييد الاتصالات والانترنت من طرفي الحرب إثر بشكل كبير على عمل الصحفيين الذين تحول بعضهم للعمل في منصات رقمية عقب توقف كافة الصحف الورقية، بينما فقد آخرين عملهم بطبيعة الحال، كما أعاق غياب الانترنت حرية تبادل ونقل المعلومات وكشف الانتهاكات بحق المدنيين في مناطق النزاع من جانب الجيش والدعم السريع”.
وتابع: “نحن في شبكة الصحفيين السودانيين في حالة مراقبة دائمة لوضع الحريات ورصد الانتهاكات، ففي المناطق التي يسيطر عليها الجيش يواجه الصحفيين تضييق واسع إذ يتعين عليهم الحصول على اذونات للعمل والتصوير بالنسبة للقنوات الفضائية ويتم استدعائهم واعتقال، ويحدث لهم الشيء نفسه في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع حيث يعانون تضييق شديد وانتهاكات تصل الاعتقال والقتل”.
ويختم حديثه: “كل هذه الظروف تنذر بواقع صحفي صعب جداً واسوار عالية تحيط بالصحافة والصحفيين السودانيين وتمنعهم من نقل الحقيقة وطبيعة الصراع في بلادهم، لذلك دعينا المجتمع الدولية والمنظمات المعنية بحرية الصحافة لأن تطلق نداء عالمي بجانب شبكة الصحفيين وكل المؤسسات المحلية، لحماية الصحفيين في السودان”.
بدوره، يقول أبو ذر مسعود وهو صحفي سوداني أضطر لمغادرة بلاده بسبب الحرب، إن حادثة مقتل خالد بلل ليست الأولى فهناك العديد من الصحفيين في إقليم دارفور والسودان استهدفوا على نطاق واسع من قبل الجيش السوداني الذي تذهب البينات الى 90 بالمئة في تورطه في هذه الجريمة البشعة بحق صحفي مسالم لا يملك سوى قلمه لنقل الحقيقة.
ويشير مسعود في مقابلة مع (عاين) الى أن مقتل خالد بلل لن يكون الأخير طالما أصبح الصحفيين هدفاً عسكرياً في السودان، الأمر الذي يتطلب تحرك عاجل لتوفير آليات قوية لحماية الصحفيين في البلاد.