في يومها العالمي .. الصحافة تقود إلى موت في السودان

عاين – 3 مايو 2024  

يحل اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام، ويجد الصحافة السودانية تمر بأكثر عهودها ظلاماً بعد انتكاسة واسعة في الحريات؛ بسبب الحرب المتواصلة بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي صاحبتها انتهاكات كبيرة بحق الصحفيين، شملت القتل والتضييق والاعتقال والبلاغات الكيدية.

خلال عام مضى قتل 6 صحفيين سودانيين برصاص القوات العسكرية المتقاتلة، مقابل صحفي واحد وهو هيثم دفع الله، مدير تحرير صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي، معتقلاً برفقة شقيقه لدى قوات الدعم السريع، بينما وجهت النيابة العامة التي تقع ضمن سلطات الجيش بلاغات كيدية في مواجهة عدد من الصحفيين.

والصحفيون الذين قتلوا بحسب نقابة الصحفيين السودانيين هم، خالد بلل، الذي اغتاله مسلحون مجهولون تهجموا عليه ليلاً في منزله بمدينة الفاشر مطلع شهر مارس الماضي، بجانب سماهر عبد الشافع، تعمل في إذاعة زالنجي، حليمة سالم – تلفاز سودان بكرة، عصام مرجان وهو مخرج تلفازي، عصام الحاج، مخرج تلفازي، بجانب أحمد العربي، المذيع بقناة النيل الأزرق.

ويحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لتحيي عبره ذكرى اعتماد إعلان، ويندهوك التاريخي الذي اوضعه الصحفيين الأفارقة في 3 مايو 1991م.

وكشفت سكرتير الحريات في نقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد عن وقوع 393 حالة انتهاك مباشر على الصحفيين ووسائل الإعلام خلال فترة الحرب، وشملت القتل، والاحتجاز والضرب، واطلاق نار مباشر، والتضييق الأمني والاستهداف المستمر؛ مما يضطر الصحفيون لإخفاء وإنكار هوياتهم الصحفية عند التجوال، إذ أصبحت مهنة الصحافة جريمة عند طرفي الحرب، وهو ما أدى إلى فرار الصحفيين من مناطق الصراع إلى داخل وخارج البلاد وبعضهم غادر بطرق غير قانونية، الشي الذي أدى إلى حالة من الظلام الإعلامي.

اختفاء قسري

بحسب فضل السيد التي تحدثت إلى (عاين) فإنه ما يزال 3 صحفيين مختفيين قسرياً، كما أصدرت النيابة العامة أوامر بالقبض على 20 صحفياً لم تكشف عن أسمائهم، بتهمة الانتماء إلى قوات الدعم السريع، وتم استهداف واستباحة 29 مكتباً إعلامياً في العاصمة الخرطوم خلال عام من الحرب المدمرة.

جانب من احتفال الصحفيين باعلان نتائج انتخابات نقابة الصحفيين 29 أغسطس 2022

وتقول: “يعيش الإعلام في السودان ظروف هي الأسوأ إطلاقا في تاريخه المستمر لأكثر من قرن، إذ تعرض الصحفيون والإعلاميون إلى الاستهداف، وعانت المؤسسات الإعلامية من التدمير الممنهج من طرفي الصراع الذين جعلوها هدفاً للوهلة الأولى؛ مما أدى إلى تدمير ونهب 90 بالمئة منها؛ ومن ثم توقفها عن العمل، وقاد ذلك إلى قتل الحقيقة وغياب الإعلام المهني عن المشهد”.

ووفق إيمان، فإن أكثر من 1000 صحفي وصحفية صاروا عاطلين عن العمل بعد تدمير وإغلاق مؤسساتهم، وهي نسبة تفوق الـ50 بالمئة من جملة الصحفيين في السودان، واضطر البعض إلى مهن أخرى لأجل العيش، إلى جانب توقف 26 صحيفة ورقية، و10 محطات إذاعية، و6 محطات تلفزة في الخرطوم، و8 إذاعات ولائية، مما أدى إلى تراجع الإعلام المهني وصعود الإعلام الحربي، وانتشر خطاب الكراهية.

وحثت فضل السيد، طرفي الصراع على التوقف عن استهداف الصحفيين وعدم التعامل معهم على أساس أنهم مجرمون، وتوفير الحماية اللازمة لهم لممارسة عملهم، فهذا ليس منحة، وإنما هو حق بموجب القوانين والأعراف المحلية والدولية.

من جانبه، قال عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين خالد أحمد، إن السودان يعيش في أسوأ أزمة منذ تكونه على المستوى الأمني والسياسي والإنساني، فالصحافة والصحفيون في البلاد لا ينفصلون عن هذا الواقع الأليم، وقد واجه الصحفيون التشريد وأغلقت الصحف، وتبقت فقط الصحافة الإلكترونية والتي بعضها يعاني مشكلات اقتصادية.

وأضاف أحمد في مقابلة مع (عاين): إن “الصحفيين السودانيين يواجهون استهدافاً مباشراً وشتى الانتهاكات وصلت حد القتل، وتعدي خاصة من قبل قوات الدعم السريع، بينما تفرض استخبارات الجيش رقابة وتضييق على العمل الصحفي، والقنوات الفضائية، فقد أُغْلِق مكاتب العربية والحدث وسكاي نيوز عربية، حيث أعيدت الاثنين الأوائل، وما تزال الأخيرة قيد الإيقاف”.

عام كارثي

وتابع: “عام كارثي على الصحافة السودانية، فقد حدث تجريف، وانتقل صحفيون ومصورون محترفون إلى بائعي أطعمة وخضار مع احترامي الشديد لهذه المهن، لكن كان ينبغي أن يقوموا بدور أكبر كنقل الحقيقة، فقد أجبرتهم الظروف المعيشية على ذلك، وفي المقابل ما زال هناك صحفيون يكافحون في المهنة تحت ظروف سيئة، من أجل الكلمة”.

حجب المواقع الإلكترونية ردة عن شعارات ثورة ديسمبر
احتجاج صحفيون سودانيون على حجب عدد من المواقع الإلكترونية 12 يوليو 2021م

بدوره قال شوقي عبد العظيم الصحفي الذي يواجه بلاغاً كيديا من النيابة العامة في السودان إن “الحرب دفعت بالعمل الصحفي نحو الخطر حيث نشهد إغلاقاً شاملاً للمؤسسات الصحفية، فالعمل الصحفي تحول إلى خطر يؤدي إلى فقدان الحياة”.

“تعرضنا إلى خطاب تحريض وكراهية واسعة ودمغ بالعمالة والخيانة للوطن من جهات ومصادر مجهولة، ومن المؤسف أن السلطات الرسمية كانت متماهية مع هذا الخطاب، فقد اُعْتُقِلْت أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب ومصادرة وثائقي ومقتنياتي الخاصة، وفي آخر مرة في عطبرة طالبت الجيش بأن يوجه لي تهمة حتى ندافع عن نفسي، فأُطْلِق سراحي” يضف شوقي لـ(عاين).

وتابع “الحرب تهدف للقضاء على الفضاء المدني والحريات، وعسكرة الأجواء وبالضبط هذه ما يحدث، فهي لم تراع أي أخلاق ولا القوانين الدولية الخاصة بحماية المدنيين والصحفيين، بل قتلوا وهذه أسوأ أحوال للحريات نعيشها الآن”.