مقتل عامل يكشف أزمة كامنة في أكبر منشأة نفطية بالسودان

عاين- 18 سبتمبر 2024  

ألقى مقتل عامل في مصفاة الجيلي شمال العاصمة السودانية على خلفية اشتباكات مسلحة في المنطقة التي تشهد عمليات عسكرية نشطة الضوء على مأساة عشرات العمال الذين اضطروا للبقاء عقب ربط الإدارة الحكومية صرف الأجور بالحضور إلى مواقع العمل الذي يقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع ويشهد صراعا مسلحا منذ 17 شهرا.

مصفاة الخرطوم أو “الجيلي” هي من ضمن المواقع الاستراتيجية التي استحوذت عليها سيطرت قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول للقتال منتصف أبريل 2023 فيما عجز الجيش السوداني عن استردادها.

تطور الأحداث

وفي تطور متسارع للأحداث العسكرية في محيط مصفاة الجيلي نعى العاملون عبد الله أحمد خلف الله أحد عمال المنشأة النفطية في منطقة الجيلي شمال العاصمة السودانية الذي قتل الأحد الماضي أثر اشتباكات مسلحة في محيط المصفاة- حسب بيان العاملين.

واتهم بيان اصدره العاملون إدارة مصفاة الجيلي بالتعنت وممارسة أساليب القهر وإجبار العاملين بالتواجد في منطقة حرب تحت النيران والعمليات العسكرية نظير صرف المستحقات المالية الأمر الذي يشكل خطورة بالغة على حياة عشرات العمال.

أجبرتنا الإدارة على العمل في المصفاة مقابل صرف الأجور

بيان العمال

وأوضح البيان أن العاملين في مصفاة الجيلي من أبرز الكوادر النفطية ولديها خبرات تتجاوز العشرون عاما وظلوا يعملون تحت دوي المدافع في المنطقة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ 17 شهرا.

إجراءات قهرية

في هذا الصدد يقول عضو في تجمع العاملين بقطاع النفط، إن مديرة مصفاة الجيلي منيرة محمود شددت على ربط الإجراءات المالية للعاملين بالبقاء في مواقع العمل ويعد هذا الإجراء “صادما في مثل هذه الظروف”.

ويؤكد عضو تجمع العاملين قطاع النفط أن مديرة المصفاة معروفة بعدم الإنحياز إلى قضايا العمال في المصفاة وتصرفها الأخير يدل على أن حياة الناس آخر اهتماماتها.

تعمدت وزارة الطاقة عدم إجلاء العاملين من المصفاة لتحقيق مكسب سياسي

خبير سلامة

فيما يقول الخبير في مجال السلامة والأمن محمد بشير عبد الرحمن، إن إجبار العمال على البقاء في منشأة نفطية تحولت إلى منطقة عمليات عسكرية نشطة يخالف القانون الدولي الإنساني الذي يشدد على حماية المدنيين وتنفيذ عمليات الإجلاء بواسطة الجهات المسؤولية عن طريق طرف ثالث مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأضاف بشيرلـ(عاين): “الطبيعي أن تهتم وزارة النفط وإدارة المصفاة بإجلاء العاملين من المنطقة إلى الولايات الآمنة مع استمرار صرف المستحقات المالية لا إجبارهم على البقاء في موقع يتعرض للقصف المدفعي والجوي والاشتباكات المسلحة”.

بينما يقول عضو تجمع قطاع العاملين في النفط إن رهن صرف الأجور المالية بالحضور إلى موقع يشهد عمليات عسكرية بمثابة “احتجاز قسري” لعشرات المدنيين بواسطة وزارة الطاقة والنفط وهذا كفيل بتنحي وزير النفط ومديرة مصفاة الجيلي خلال الساعات القادمة أو إقالتهم بواسطة مجلس السيادة إذا كان يكترث لحياة العاملين.

وزارة النفط استغلت حاجة العمال للأجور

تجمع نقابي

وأضاف عضو التجمع الذي فضل حجب اسمه لـ(عاين): “غادر بعض العاملين في المصفاة المنطقة منذ بداية الحرب بينما بقي آخرين لأنهم مجبرون لانعدام خيارات النزوح وعندما وصل عشرات العمال إلى ولايات آمنة وطالبوا بصرف الأجور المالية ردت عليهم إدارة المصفاة أن الحصول على الراتب مرتبط بالحضور إلى العمل يوميا في المنشأة النفطية”.

الإجراء جريمة إنسانية

فيما وصف الباحث في مجال النفط  محمد عيسى، ما يحدث في مصفاة الجيلي بمثابة “جريمة إنسانية ” بواسطة وزارة الطاقة وإدارة المصفاة وقوات الدعم السريع بحق عشرات العمال المدنيين.

الغامل القتيل، عبد الله أحمد خلف الله

وأضاف: “وزارة النفط تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال السيطرة على المصفاة عن طريق العمال رغم مغادرة مدير المصفاة والمسؤولين في المستويات العليا إلى بورتسودان ودول الجوار”.

وتابع في مقابلة مع (عاين): “يحصل مسؤولو وزارة النفط وإدارة المصفاة على آلاف الدولارات شهريا ويجبرون العمال على الذهاب إلى المصفاة الواقعة بين نيران الحرب مقابل الحصول على الأجر الشهري الذي لا يتجاوز 300 دولار أميركي”.

وأردف: “إذا وقعت قذيفة في المصفاة يمكن أن تنفجر المنطقة بأكملها ناهيك عن مساكن العمال التي تقع في محيط المصفاة”.

وزاد عيسى قائلا: “وزارة الطاقة تشعر بالاحراج من الاتهامات الصادرة من العمال وأتوقع أن تصدر بيانا خلال الساعات القادمة لكنها متورطة في وضع حياة ما لا يقل عن 150 عامل على المحك”.

ونشأت مصفاة الجيلي في العام 2000 وتبلغ طاقتها القصوى 100 ألف برميل يوميا والتكلفة السوقية لهذه المنشأة نحو خمس مليارات دولار ويقول تجمع العاملين في قطاع النفط إن الحرب أدت إلى أضرار نحو 30% من المنشآت الملحقة.

ورغم شن معارك عسكرية منذ مارس الماضي فشل الجيش في استرداد المصفاة من قوات الدعم السريع التي سيطرت عليها منذ اليوم الأول للقتال منتصف أبريل 2023 وتراجعت القوات المسلحة عن محاولات استرداد مكتفية بالقصف الجوي على محيط المصفاة.