“إعلان جدة” … هل يكون أول خطوات وقف القتال في السودان؟

وضع “إعلان جدة” الذي وقع عليه الجيش والدعم السريع الخميس النزاع المسلح في السودان على طريق جديد قد ينتهي باتفاق سياسي يضم قوى مدنية في وقت لاحق وفق ما ذكر دبلوماسيون من الخارجية الأميركية وسعوديون رغم إقرارهم بتباعد المواقف .

جاء إعلان المبادئ الذي وقع عليه الطرفان تتويجا لتحركات دبلوماسية للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية برعاية مفاوضات غير  مباشرة انطلقت الاثنين حيث أبلغ وفد الجيش السوداني الوسطاء السعوديين والأمريكيين أن تفويضه لا يتجاوز نطاق مناقشة الوضع الانساني وايصال الاحتياجات الى المدنيين وانقاذ المسشفيات من الاغلاق.

ومن بين أبرز بنود “إعلان جدة” الموقع بين الجيش والدعم السريع السماح المدنيين في مناطق النزاع المسلح النشط بالمغادرة وتيسير عملية الإجلاء بشكل طوعي.

ويرى الباحث في الشؤون الأفريقية وفض النزاعات عادل إبراهيم في مقابلة مع (عاين) إن “إعلان جدة” خلا من أي التزام واضح بوقف النار ولو مجرد “هدنة ناجحة وقصيرة ” في ذات الوقت نص الاعلان على السماح المدنيين بالخروج من مناطق “النزاع النشط ” وهذا يثير المخاوف حول اشتداد المعارك العسكرية لاحقا. 

ويرى إبراهيم، أن الجيش “وافق على مضض” للتوقيع على إعلان المبادئ وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال مستوى خفض تمثيل الوفد الى رتبة لواء  إلى جانب نزول الجيش عند رغبة المملكة العربية السعودية التي تلعب دورا كبيرا لوقف القتال في السودان. 

ويقول عادل إبراهيم، إن هذا لا يعني أن الجيش غير متحمس لوقف اطلاق النار لكن هذا لن يكون في الوقت الراهن خاصة وأن القوات المسلحة منشغلة حاليا في “حملة عسكرية موسعة ” للسيطرة على العاصمة السودانية.

وأردف :”الموقف العام داخل الجيش السوداني هو أن مستقبل الجنرال حميدتي لن يكون كما كان قبل منتصف أبريل أي قبل القتال من الناحية السياسية والعسكرية لذلك عندما يدخل الجيش المفاوضات فإنه يضع هذه المعادلة في الاعتبار “.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قالت في بيانها الجمعة إن “إعلان المبادئ” بين الجيش والدعم السريع خطوة في الاتجاه الصحيح “رغم تباعد الموقف ” بين الجانبين.

وقالت الخارجية الأميركية إنها قد تلجأ الى مراقبة  عملية حماية المدنيين في السودان  أثناء نزاع  الجيش والدعم السريع عن طريق الطائرات المسيرة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي الى جانب الأقمار الاصطناعية.

 وأشارت الولايات المتحدة الأميركية الى أن تجربة الطائرات المسيرة نفذت في القتال الذي اندلع قبل عامين بين الجيش الإثيوبي وقوات التقراي وأيضا نفذتها الولايات المتحدة عندما قامت بإجلاء رعاياها وطاقمها الدبلوماسي من العاصمة السودانية منتصف أبريل الماضي.

بينما شدد وزير الخارجية السعودية على أن المملكة ستعمل حتى يعود الأمان الى الأراضي السودانية وإسكات البنادق تماما وهذه التصريحات في نظر المحلل السياسي والكاتب عبد الله رزق مراحل ابتدرتها الولايات المتحدة والسعودية بإعلان المبادئ بين الجيش والدعم السريع. 

ويقول رزق في حديث مع (عاين) إن إعلان مبادئ حماية المدنيين الموقع بين الجيش والدعم السريع لن يكون حاكما مالم يلحق باتفاقات أخرى مثل وقف اطلاق نار على المدى القصير لمساعدة المدنيين ووقف اطلاق نار دائم ونقل القوى العسكرية خارج العاصمة وتفكيك المليشيات وإعادة دمجها والمرحلة الثالثة الختامية تتمثل في المشاورات السياسية لتكوين حكومة مدنية.

 وأضاف رزق:”دون الوصول الى هذه المرحلة عبر جدول مفاوضات واضحة لا يمكن أن يكون إعلان جدة الذي صدر ليل الخميس ذات قيمة “.

وحول عرقلة إعلان المبادئ أو أي عملية التفاوض بين الجيش والدعم السريع يعتقد المحلل السياسي والكاتب الصحفي عبد الله رزق أن مجرد انخراط الجيش في مفاوضات يعد خسارة للنظام البائد الذي  يرفض الاعتراف بالدعم السريع ويصنفها “مليشيا متمردة”.

ويوضح رزق، أن تيارا قد يكون مواليا للاسلاميين كان رافضا لمبدأ التفاوض بين الجيش والدعم السريع لأنه مع خيار القضاء على الدعم السريع بالوسائل العسكرية بحجة أنها “مليشيا متمردة”.

ويرى رزق، أن التيار المؤيد لاستمرار القتال فقد قدرته على دعم هذا التوجه  كما إن الاسلاميين خسروا كثيرا من “قتال منتصف أبريل 2023” وفي المنظور القريب لا يملك الاسلاميين  فرص مناورة واسعة خاصة مع فقدان شعبيتهم وفقدان الكثير من مكاسبهم وامتيازاتهم.

وفي أول تعليق على إعلان جدة أكد  رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس أكد في تصريح صحفي اليوم الجمعة أن ممثلي الجيش والدعم السريع قرروا البقاء في جدة لبدء المفاوضات اليوم أو غدا حول وقف اطلاق النار. وقال بيرتس إن الطرفين توصلا الى أن “النصر العسكري غير ممكن “.

ويقول الخبير السياسي عبده مختار في حديث مع (عاين ) إن إعلان المبادئ لحماية المدنيين الموقع بين الجيش والدعم السريع ليل الخميس في مدينة جدة بالسعودية الغرض الأساسي ضمان حماية المدنيين من العنف المسلح وأضرار القتال في الشوارع والمناطق المأهولة بالسكان. 

ويرى مختار، أن الولايات المتحدة والسعودية تحاولان تهيئة الوضع للانتقال الى مرحلة وقف اطلاق النار على فترات قصيرة الى جانب تقريب المواقف المتباعدة بين الجانبين من خلال المفاوضات المرتقبة خلال هذا الأسبوع.

ويوضح مختار،  أن النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع لن يطول حسب المعادلات على الأرض لعدم قدرة الجانبين على ذلك. وأضاف :”الجيش ربما كان رافضا التفاوض الأسبوع الماضي أملا في إحراز تقدم على الأرض وتمكن من تحقيق تقدم اليومين الماضيين لذلك أصبح أكثر قبولا للتفاوض من منطلق معطيات انتشاره ميدانيا في العاصمة السودانية”.

وخلف النزاع المسلح الذي اندلع بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل الماضي بعد 27 يوما من القتال أضرار بالغة على المدنيين بمقتل 604 شخصا وإصابة نحو خمسة آلاف وتقول الأمم المتحدة من بين 604 قتيلا هناك أكثر من 400 فتيل بمدينة الجنينة بولاية غرب دارفور تزامن الصراع المسلح هناك مع النزاع بين الجيش والدعم السريع في العاصمة السودانية وبعض الولايات 

كما أدى النزاع المسلح في السودان إلى نزوح 730 ألف شخص داخليا وخارجيا الى دول الجوار .