حياة انتهت تحت الأرض.. ماذا حدث في قرية ترسين المنكوبة بدارفور؟

عاين- 2 سبتمبر 2025  

غطى انزلاق أرضي قرية ترسين شرق جبل مرة في إقليم دارفور غربي السودان بالكامل ليل السبت، ولا يعرف على وجه الدقة عدد القتلى جراء الحادثة في هذه المنطقة النائية وسط سلسلة جبلية في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت، وبحسب ما أفاد به أحد أبناء القرية مقيم خارج البلدة (عاين) – فأن القرية تحوي نحو 30 منزلاً في العام في عام 2016، وزاد عدد سكانها بعدما وصلها نازحون بسبب الحرب الحالية في السودان.

وهذه هي الحادثة الثانية من نوعها في دارفور خلال السنوات القليلة الماضية، ففي العام 2018 تعرضت منطقة تُربا انزلاق أرضي مماثل راح ضحيته مئات القتلى والجرحى.

ونعت السلطة المدنية لحركة جيش تحرير السودان، قيادة عبد الواحد محمد نور التي تسيطر على المنطقة، سكان قرية ترسين التي قالت إنهم ماتوا جميعا باستثناء ناج واحد، وناشدت في بيان صحفي الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية لمساعدتهم على انتشال جثامين الموتى من تحت الأرض.

من جهته، ناشد المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في السودان، آدم رجال في بيان صحفي الثلاثاء، المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية بالتحرك الفوري لمساعدة أهالي منطقة ترسين المنكوبة، جراء الحادث الذي تعرضت له، معرباً عن تعازيه لذوي الضحايا.

كارثة ليلية

وحدث الانزلاق الأرضي على قرية ترسين ليل السبت 30 أغسطس الماضي، وغطت الأتربة والحجارة منازل المنطقة بالكامل، ووفاة جميع السكان، ونجاة شخص واحدة وهو في حالة صحية سيئة، وذلك وفق ما أفاد به فتح الرحمن علي محمد عبد النور، وهو أحد أبناء القرية، وتوفي والده بهذه الحادثة.

علمت بوفاة والدي بعد يومين، وأبلغوني أن الجميع ماتوا، ونجا خالي مقبول إبراهيم، لكن تعرض إلى إصابات بليغة حيث كسرت رجليه الاثنين، ولديه ضربة في الرأس وهو فاقد للوعي تماماً

نجل أحد ضحايا الحادثة

ويقول فتح الرحمن الذي يقيم خارج السودان في مقابلة مع (عاين): “نتيجة لانقطاع الاتصالات سمعت بوفاة والدي في حادثة الانزلاق بقريتنا ترسين بعد يومين، أبلغوني أن الجميع ماتوا، ونجا خالي مقبول إبراهيم، لكن تعرض إلى إصابات بليغة حيث كسرت رجليه الاثنين، ولديه ضربة في الرأس وهو فاقد للوعي تماماً”.

ويروي أن الانزلاق حدث على بعد واحد ونصف كيلومتر “فمن أعلى قمة الجبال، كأن الأرض قُطعت بسكين، وزحفت الحجارة والتربة نحو المنازل الموجودة في أماكن منخفضة قليلا، وغطت المنازل بالكامل وأهلها نيام”. حسب وصفه.

ويشير إلى أن والدته وبقية أفراد أسرته يقيمون في منطقة أخرى، وتمسك والده بالبقاء في القرية التي أسسها، حتى يكون قريباً من مزرعته والعمل بها، فتوفي مع سكانها، ولا يعرف حتى اللحظة عدد الضحايا.

ويرجح فتح الرحمن، حدوث هزة تسببت في الانزلاق بناء على تغييرات ملحوظة في بيئة المنطقة، ويقول “قبل سنوات كنت نرعى الأغنام، ونتسلق الجبال بصعوبة، لأن المنطقة كلها عبارة عن مياه منتشرة، ففي كل مكان تضع رجلك ستجد مياه راكدة ربما تسقطك، لكن خلال السنوات القليلة الماضية تحدثت مع أصدقائي هناك، وأبلغوني أنهم غير قادرين للوصول إلى العديد من الأماكن في المنطقة؛ لأن التربة أصبحت هشة وغير متماسكة كالسابق، ويتعرضون للسقوط باستمرار، مما يعكس حجم هذه التغييرات”.

ويقول: “تلك التغييرات تضع نحو 100 قرية صغيرة شرق جبل مرة وسط سهول ومرتفعات أمام خطر كبير، ونحن أبناء المنطقة نرتب لحملة تستهدف ترحيل القرى المعرضة للخطر إلى مناطق آمنة لتفادي تكرار ما حدث في ترسين”.

وسط الجبال

وتقع قرية ترسين وسط سلسلة جبلية شرق جبل مرة، وتوجد صعوبات في الوصول إليه بسبب طبيعتها، ويُتَحَرَّك فيها بواسطة الدواب “الحمير” وأن أقرب منطقة لها تصلها السيارات هي بلدة تريبات، ويستغرق الوصول إليها نحو 6 ساعات على ظهر الحمير، وسميت ترسين نظرا لطبيعتها، إذ تعني هذه المفردة بلغة الفور ضرورة أن يضع الشخص رجليه بإحكام عند التحرك حتى لا يسقط، حسب فتح الرحمن.

 

ويقول: إن “قرية ترسين تأسست على يد والده علي محمد نور في ثمانينيات القرن الماضي، وسكنها قليل من المزارعين وأصحاب حقول البرتقال، والفواكه الأخرى، وفي كل عام يزداد عدد سكانها وجميعهم مزارعين، وفي 2016 بلغت عدد 30 منزلاً، لكن بعد اندلاع الحرب الحالية، نزح إليها العديد من المواطنين، ولا ندري ما عددهم”.

وتُشيد جميع المنازل في قرية ترشين من الحجارة من تحت، والأعشاب أو الحديد من أعلى، على هيئة قطاطي، ولا توجد بها أي مرافق خدمية، سواء كانت مدارس أو مراكز طبية، كما لا توجد محطات للمياه، ويشرب الناس من المياه الراكدة والمنتشرة في المنطقة، وفق فتح الرحمن.

ما حدث مخيف

ويقول الخبير في علوم الأرض عبد الكريم الأمين لـ(عاين)، إن ما حدث في قرية ترسين مخيف وبه خطورة عالية، وسط منطقة تفتقر لتجهيزات الرصد والإسعاف والطوارئ، فمنطقة جبل مرة معروف بأنها منطقة صخور بركانية، والتي بعضها نشط وآخر خامل، كذلك توجد سحب بركانية غير مرصودة، مما يتطلب معالجات عاجلة، بالرصد الزلزالي والتبغرافي بالأقمار الصناعية في الجبل كله على مدار الساعة، وإجراء دراسات للقرى وفحص للتربة والمياه والهواء.

ما حدث في ترسين مقارب للأمطار البركانية، وهي تأتي كغازات سامة، معها غبار ورطوبة، وتصاحبها تصدعات، فما جرى ليس نتاجاً للأمطار، بل المطر كان نتاجاً للبركان

خبير في علوم الأرض

ويضيف “يرجح أن ما حدث في ترسين مقارب للأمطار البركانية، وهي تأتي كغازات سامة، معها غبار ورطوبة، وتصاحبها تصدعات، فما جرى ليس نتاجاً للأمطار، بل المطر كان نتاجاً للبركان، مما يتطلب وقفة كبيرة على مستوى وكالات دولية معنية بطبوغرافية الأرض والجيولوجيا في المنطقة، والإخلاء والطوارئ والإسعافات وطائرات مروحية للإنقاذ”.

ويوضح الأمين “جبل مرة يعرف بارتفاعه العالي 10 الف قدم فوق سطح البحر، ويمتد في منطقة طولها 240 كيلومتراً وعرضها 80 كيلومتراً، ويرقد على كتلة صخور بركانية تفور في باطن الأرض وتمور؛ مما يجعل حدوث مثل هذه الوارث أمراً وارداً، مما يستدعي الكثير من الترتيبات”.

وتابع “للمدى القريب شهدنا تصدعات أرضية وتشقق في التربة بالقرب من نواحي بانبوسة بولاية غرب كردفان، ورغم بعدها نسبياً عن جبل مرة، إلا أن المهتمين علميا بحركة طبقات الأرض في داخلها، يرون مؤشراً ودلالة على وجود تحركات في باطن الأرض في تلك النواحي بجبل مرة، وناقوس الخطر المدمر”.

من جهته، يقول الخبير الجيولوجي نورين الدين دودين لـ(عاين): “ربما تحدث الانزلاقات خاصة في منطقة جبل مرة نسبة لوجود طبقات الصخور الرسوبية الناتجة من عمليات تحول صخور البازلت وهي رسوبيات طينية في الغالب، وتعلوها صخور بازلتية ربما حديثة التكوين”.

وشدد “سبب النشاط البركاني لجبل مرة هذه الصخور تضغط على الرسوبيات الطينية خاصة في فترة هطول الأمطار، وتسبب انزلاقها فمن ملاحظتي من الآبار التي حُفِرَت تظهر طبقة صلبة جدا، الصخور البازلتية تصل أحيانا إلى 50 متراً، ثم بعدها تظهر طبقة متأثرة جدا بعامل التحول، وفي الغالب من الطين والحجر الطيني، وعند حواف الأودية طبقة طينية تحت الصغر”.

وتابع “معروف منطقة جبل مرة بشدة الأمطار، فعند تشبع الطبقات الرسوبية في موسم الأمطار تسبب انزلاقات، كما حدث في العام 2018 في منطقة تربا، ويوم السبت قرية ترسين الواقعة جنوب غرب سوني. وأيضاً من الملاحظ طريقة السكن حسب ظروف الطبيعة لتكون تحت الجبال وأحيانا فوقها، فعند حدوث الكارثة يكون عدد الضحايا كبيراً”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *