السودان: الإسلاميون في مواجهة ضغوط التسوية الدولية

عاين- 1 أكتوبر 2025

مع تصاعد الضغوط الدولية وبروز ملامح تسوية في السودان بعد أكثر من عامين على الحرب في البلاد، تتصدى تيارات إسلامية لهذه الضغوط بتصعيد خطابها الرافض الأمر الذي يضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي والإقليمي الذي يتبنى التسوية في السودان عبر الآلية الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والسعودية والإمارات.

ومنذ لقاء قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ومستشار الرئيس الأمريكي، مسعد بولس في زيورخ السويسرية، منتصف أغسطس الماضي، تصاعدت الضغوط الدولية على اطراف النزاع السوداني. ولقاء البرهان- مسعد “بحث خطوات صارمة لتحقيق السلام في السودان”.

وعلى ضوء ذلك طرحت مجموعة الرباعية في 12 سبتمبر الماضي، خارطة طريق لتسوية الصراع في السودان، تبدأ بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، ومعالجة الأوضاع الإنسانية، وتشكيل سلطة انتقالية لمدة 9 أشهر، مع إبعاد المكونات الإسلامية المتسببة في تأجيج النزاع.

تلك الجهود حظيت بدعم وتأييد دولي واسع، خلال اجتماع تشاوري رفيع على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، ضم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية، والهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا “إيقاد”، وعدد من البلدان الأوروبية، ودعت هذه التكتلات أطراف الصراع إلى الدخول في مفاوضات مباشرة لوقف إطلاق النار، وفق ما نادت به مجموعة الرباعية.

وفي مقابل ذلك، دعا الاتحاد الإفريقي إلى مشاورات سياسية بين الأطراف السودانية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الفترة الزمنية من 5 – 10 أكتوبر الجاري ضمن جهود يقودها لوقف الحرب في البلاد، لكن تلك الدعوة حظيت بالرفض من قبل التحالف المدني لقوى الثورة “صمود”، وتحالف السودان التأسيسي الذي يضم قوات الدعم السريع وقوى مسلحة ومدنية، الأمر الذي يهدد نجاحها.

دعم الرباعية

وقال المتحدث الرسمي للتحالف المدني لقوى الثورة “صمود” بكري الجاك لـ(عاين): “أرسلنا خطاب إلى محمد بن شمباس ردا على دعوة الاتحاد الإفريقي، أبدينا خلاله ملاحظات على طريقة عمل الاتحاد الإفريقي في الملف السوداني، والتي اتسمت بالموسمية بدلاً من الاستمرار في التعاطي مع المستجدات”.

 وأضاف: “أخطرنا الاتحاد الإفريقي برغبتنا الصادقة في قيام اجتماع ناجح، وهذا لن يأتي إلا بمشاورات واسعة وحقيقية مع الكتل الرئيسية، حيث تصبح العملية ملكا للسودانيين، وبقيادتهم، وأن المدخل الحالي لا يحقق الحد الأدنى لضمان نجاحها في إسكات أصوات البنادق، وطالبناه بالدعوة إلى هدنة إنسانية ودعم خارطة طريق الرباعية التي تعتبر الفرصة الأكبر لتحقيق السلام”.

خارطة طريق مجموعة الرباعية الدولية التي حظيت بتأييد محلي ودولي كبير، قابلتها الحركة الإسلامية برئاسة علي كرتي، بالرفض القاطع، إذ قالت في بيان صحفي في 13 سبتمبر الماضي، إن “بيان الرباعية امتداد إلى محاولات إضعاف الإرادة الوطنية وفرض وصاية خارجية على القرار السيادي السوداني”، لتضع بذلك عراقيل جديدة أمام جهود تحقيق السلام في البلاد.

ووسط تلك العراقيل، ثمة متفائلون في المشهد السوداني بأن تسفر الضغوط الدولية في وضع حد للصراع المتطاول في البلاد، وما خلفه من كارثة إنسانية.

جهود الرباعية الدولية هي الأقرب للنجاح في وقف حرب السودان، وهي بحاجة إلى آلية مصغرة لتسهيل التشاور مع الأطراف المختلفة

 فيصل محمد صالح- محلل سياسي

ويشير الصحفي والمحلل السياسي فيصل محمد صالح، إلى جهود اللجنة الرباعية الدولية هي من أكثر الجهود التي بها قابلة للنجاح، بخلاف التي يقودها الاتحاد الإفريقي، الذي اعتبره فاقداً للبوصلة، بجمع تيارات سياسية في لقاءات غير محددة الأهداف، فالرباعية أقرب للحل؛ لأنها ترتب لجمع الأطراف العسكرية لوقف الحرب كخطوة أولى على أن يأتي الملف السياسي لاحقاً.

فيصل محمد صالح: هناك ضرورة لمواصلة الضغوط السياسية على أطراف الحرب والدول الممولة لها

وقال صالح في مقابلة مع (عاين): “الولايات المتحدة الأمريكية، أعظم دولة في العالم، والدول الثلاث الأخرى مساهمة في الحرب بدعم أطرافها، فمشاركتها مع واشنطن في أي تصورات وجهود لوقف القتال سيكون لها تأثير كبير، من خلال الضغط على الأطراف في الميدان، مع توسعة إطار النقاش في المنطقة، ومن الأهمية ضم الاتحاد الأوروبي، بينما يتم إشراك الاتحاد الأفريقي، على أن تسند له مشاورات ما بعد وقف الحرب”.

ورأى ضرورة أن تشكل اللجنة الرباعية آلية مصغرة منها لتسهيل الحركة والتشاور والاتصال اليومي بالأطراف، مع مواصلة الضغوط السياسية على أطراف الحرب والدول الممولة لها، وإن حدث ذلك سيمكن من الوصول إلى وقف الحرب وإدارة حوار بين المجموعات السياسية المدنية حول مستقبل البلاد.

سلاح العقوبات

وبالتزامن مع الضغط الدبلوماسي والسياسي، جرى فرض عقوبات فردية على الفاعلين في الصراع السوداني. عقوبات أمريكية على قائدي الجيش عبد الفتاح البرهان والدعم السريع محمد حمدان حميدتي، ونائبه عبد الرحيم دقلو، وبعض القادة الميدانيين، كما فرضت واشنطن عقوبات مماثلة في سبتمبر الماضي، على وزير المالية في حكومة الجيش جبريل إبراهيم، وقائد كتائب البراء بن مالك الإسلامية المصباح أبوزيد طلحة.

وفي 22 سبتمبر الماضي، جدد الاتحاد الأوروبي عقوبات على 10 أفراد و8 كيانات من الجيش وقوات الدعم السريع لمدة عام آخر، فهم من جانب الجيش، الفريق ميرغني إدريس سليمان، مدير منظومة الصناعات الدفاعية.، الفريق الطاهر أحمد العوض، رئيس القوات الجوية السابق، علي كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية، صلاح قوش، مدير جهاز المخابرات الأسبق. الفريق محمد علي صبير، مدير الاستخبارات العسكرية في القوات المسلحة. وأبو عاقلة كيكل، قائد قوات درع السودان.

 ومن طرف قوات الدعم السريع: مصطفى محمد إبراهيم عبد النبي، المستشار المالي لقائد الدعم السريع، مسار عبد الرحمن عسيل، أحد القيادات الأهلية في غرب دارفور، تجاني كرشوم، رئيس الإدارة المدنية بولاية غرب دارفور، وحسين برشم.

ولا يعتقد المحلل السياسي فيصل محمد صالح، بوجود جدوى كبيرة للعقوبات المفروضة على الأفراد فهي بمثابة عصا، لذلك فرضت على الأفراد، لأن فرض العقوبات على الجسم كامل يصعب مسألة الجلوس معه لاحقاً ومفاوضته.

وقال: “لن تكون العقوبات ذات أثر كبيرة؛ لأن المعني بتنفيذها الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، فالأشخاص المفروض عليهم عقوبات يتحركون بشكل عادي في دول الإقليم”.

كيف رأيت الخرطوم بعد (3) أشهر من الحرب؟ مراسلة لـ(عاين) تعود للعاصمة وتتجول لوقت قصير في شوارع المدينة
عمليات حربية في مدينة أم درمان- مايو 2023

من جانبه، يرى المحلل السياسي عبد الواحد إبراهيم، أن الضغوط الدولية ليست جادة بالقدر الكافي لدفع طرفي الحرب نحو الحلول الدولية، بينما يسود التناقض المساعي الإقليمية لتسوية الأوضاع في السودان، فبعض الأطراف الإقليمية لديها تحالفات مع أحد أطراف القتال، وليس لهم الإرادة في الضغط على حلفائهم بالداخل تجاه الحل السلمي للنزاع.

ويشير إلى أنه حسب السائد في الوسائط، فإن مصر تدعم الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، والإمارات تدعم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان حميدتي مع تفاوت في مستوى الدعم من كل طرف، وفي المنتصف تقف السعودية بقدر من الحياد، وهو ما خلق تناقضات واسعة في وسط الجهود الإقليمية ربما تعقد الأزمة السودانية أكثر من المساهمة في الحل.

لكن عبد الواحد، يعتقد أن مستوى التوافق الذي حدث وسط مجموعة الرباعية الدولية، كان بفضل الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية، فبالتالي فإن نجاح هذه الجهود في وقف إطلاق النار في السودان يتوقف على مدى جدية واشنطن واستمرار ضغطها على طرفي الحرب وداعميهم الإقليميين لتحقيق السلام في البلاد.

صراع تيارات الإسلاميين

لم يكن الأمر متوقفاً على أطراف الحرب الرئيسيين وداعميهم الإقليميين، بينما تقف التيارات الإسلامية السودانية في منتصف المعادلة، وهي تضع العراقيل أمام أي جهود تفاوضية لوقف القتال، وكانت الحركة الإسلامية أول من بادر إلى رفض بيان اللجنة الرباعية الدولية، في الوقت الذي التزم فيه الجيش الصمت تجاه هذه التحركات.

ويرجح مصدر مقرب من دوائر السلطة في بورتسودان تحدث مع (عاين)، أن يسعى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى استغلال خلافات داخل الحركة الإسلامية، بغرض ضرب تيار بالآخر، حتى يتسنى له المضي في خارطة طريق التسوية التي اتفق عليها مع مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس، والتي تبدأ بالتخلص من الإسلاميين الرافضين لوقف الحرب، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.

السودان: إحالة ملفات رموز نظام البشير للمحكمة خلال (20) يوماً
الرئيس المخلوع عمر البشير- الصورة: وكالات

وبحسب المصدر، فإن البرهان أكثر قرباً إلى تيار علي كرتي، لذلك أطاح خلال الأشهر القليلة الماضية بعناصر موالية إلى تيار الرئيس السابق عمر البشير من الجيش في محاولة لإضعافهم، كما أوعز بالتسريبات الأخيرة حول مكان وجود البشير وبقية المطلوبين للجنائية في خطوات، قصد بها تهيئة المشهد لخطوات تسليمهم.

لكن التسريبات الإعلامية الأخيرة كشفت أن تيار البشير ما زال قويا، وأن مصدر قوته هو سيطرته الكاملة على جهاز الأمن والمخابرات ومديره العام، الذي فشل البرهان في الإطاحة به طيلة الفترة الماضية، حيث أصدر جهاز الأمن بيان سحب بموجبه ترخيص مديرة قناة الحدث الفضائية التي أعدت التقرير المتعلق بمكان إقامة الرئيس المخلوع، دون علم وزارة الإعلام الجهة الحكومية المعنية، وفق ما أكده المصدر، كما ذكر وزير الإعلام خالد الأعيسر أنه لا يعلم بالبيان الذي صدر باسم وزارة الإعلام.

توازن قوة

ومع توازن القوة بين التيارات داخل النظام الإسلامي التي يجمع بينها هدف واحد وهو استمرار الحرب، سيربك خطة البرهان المضغوط دولياً لتحقيق السلام، وسيبقى خياره السعي للتخلص منهم جميعا، مما يضع الباب مفتوحاً أمام المواجهة.

ويرى المحلل السياسي عبد الواحد إبراهيم، أن البرهان قد يتخلص من الإسلاميين في أي لحظة، غير أن تغلغلهم في مراكز القوى بالدولة سيعرقل خطته للإطاحة بهم. ويقول “حتى اللحظة ليس للبرهان إرادة للتخلص من الإسلاميين، لكن إذا رُبط الأمر بشخصه وحفاظه على مركزه في السلطة، سيفض تحالفه معهم فوراً، خاصة وأنه اعتاد نقض العهود”.

وشدد في حديثه لـ(عاين) أن العلاقة بين البرهان والإسلاميين تسودها عدم الثقة، فهم لا يثقون به كشخص نهائي للاستمرار في مشروعهم، وربما يقبلون التفاوض مع قوات الدعم السريع منفردة؛ لأن ذلك يضمن لهم بقاءهم في السلطة، وقد صرحت قياداتهم في السابق بعدم ممانعتهم في الدخول في حوار مع الدعم السريع حال ابتعد عن القوى المدنية.

 

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *