هل تنجح السلطات السودانية في وأد عنف الإسلاميين المتصاعد؟

عاين:10 يونيو 2021

تواجه الحكومة الانتقالية جملة من الانتقادات بسبب التقاعس عن محاكمة رموز النظام البائد ومحاصرة بقاياه. إلى جانب ارتفاع وتيرة القلق من إحتمال نجاح منسوبي الحركة الإسلامية في تنفيذ عمليات تخريبية بالبلاد خلال الفترة الانتقالية والتي من المؤكد أن تضر بعملية الإنتقال.

ونظراً لذلك تتجدد الدعوات مرة أخرى من أجل الإسراع في محاكمة رموز النظام المباد، خاصة المتهمين بالفساد وأعمال القتل والتعذيب. مع ضرورة تجفيف الموارد المالية لحزب المؤتمر الوطني المحلول. وقد بدء يوم الأحد الماضي الموافق الـ4 من يوليو إحالة “الخلية الإرهابية” المنسوبة للأمن الشعبي وإدارة المعلومات التابعين للنظام البائد لمحكمة الإرهاب لمباشرة إجراءات محاكمتهم.

هل تنجح السلطات السودانية في وأد عنف الإسلاميين المتصاعد؟

المنظمات الإرهابية

تنظر محكمة الإرهاب جنايات الخرطوم شمال في البلاغ الذي قدمته نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة ضد (24) من منسوبي الأمن الشعبي التابع للنظام البائد. ويعتبر الأمن الشعبي هو أحد الأجهزة الأمنية الموازية لجهاز الأمن والمخابرات الوطني إبان نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ويضم كوادر تابعة للتيار الإسلامي.

وكانت اللجنة المختصة بإزالة التمكين، أعلنت الشهر الماضي عن استرداد عقارات تابعة لنائب الرئيس على عثمان محمد طه، المتهم بعدة قضايا بينها المشاركة في انقلاب الثلاثين من يونيو 1989. كما أعلنت اللجنة أيضاً إسترداد شركة ” تأهيل” للإستثمار وهي إحدى الشركات التي أسستها الحركة الإسلامية، وأغلب أسهمها مملوكة لشركة ” هولبورن” التابعة للأمن الشعبي.

وقامت النيابة العامة بتوجيه اتهامات ضد المتهمين المذكورين تحت مواد تتعلق بتقويض النظام الدستوري ومعارضة السلطة بالعنف ومخالفة قانون القوات المسلحة وإدارة المنظمات الإرهابية وقانون الأسلحة والذخائر. وتعود حيثيات البلاغ المدون بالرقم 44/2019 إلى السادس من مايو 2019، عندما وردت معلومات تفيد عزم الأجهزة الأمنية وعدد من منسوبي الأمن الشعبي وإدارة العمليات بحزب المؤتمر الوطني المحلول، محاولة القيام بأعمال إرهابية .

وقد قامت النيابة العامة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية ذات الصلة، في ذلك التوقيت بمداهمة وكر الخلية الإرهابية بمنطقة الطائف شرق الخرطوم. وكشفت السلطات الأمنية العثور على أزياء عسكرية وأسلحة ومتفجرات وحزام ناسف بالإضافة إلى عدد من معدات الإتصالات وأجهزة الحواسيب، كما أظهرت التحريات الأولية أن الخلية الإرهابية  كانت تعتزم استهداف مقار حكومية بينها وزارة الدفاع.

كما أثبتت التحقيقات ضلوع مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني في عهد النظام السابق صلاح عبد الله قوش في التخطيط لهذه الهجمات الإرهابية، حيث تم فصل الاتهام في مواجهته والإعلان عن ملاحقته عبر الانتربول. وفي يوم الأحد الماضي عقدت محكمة الإرهاب أولى جلساتها، بعد إحالة البلاغ بواسطة النيابة العامة لمحكمة الإرهاب، أمام القاضي أنس عبد القادر فضل المولى.

وكشفت الجلسة الأولى عن تورط المتهم الثامن عشر ووزير المعادن الأسبق، كمال عبد اللطيف الذي تغيب نسبةً لعدم احضر السلطات له من سجن كوبر. كما قررت المحكمة تأجيل السير في الإجراءات، وحددت الأحد من كل أسبوع، موعداً  لانعقاد جلسات المُحاكمة. وأكد المستشار والخبير القانوني، المعز حضرة في حديث لـ(عاين) أن الخلية الإرهابية التي تجري  محاكمتها بتهمة الإرهاب ومُحاولة تقويض النظام الدستوري ممولة بواسطة مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق صلاح عبد الله الملقب “بقوش”.

وأشار حضرة إلى أن محاولة تنفيذ الهجمة الإرهابية التي وقعت في العام 2019، عقب سقوط النظام تلتها محاولات تخريبية أخرى، في إطار محاولات النظام البائد لإستعادة السلطة، مُعتبراً أن محاولات النظام البائد التخريبية موجودة ومُستمرة.

هل تنجح السلطات السودانية في وأد عنف الإسلاميين المتصاعد؟

جرائم الحق العام

وأوضح حضرة أنه ووفقاً للجرائم الموجهة لمدير جهاز الأمن والمخابرات السابق صلاح قوش والمتعلقة بالإرهاب وتقويض النظام الدستوري، يعطي الحق للسلطات المُختصة محاكمته غيابياً. وفي الخامس عشر من أغسطس 2019 أعلن وزير الخارجية الأمريكية السابق مايك بومبيو أن واشنطن قررت حرمان مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق صلاح قوش دخول الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ارتكابه انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان.

ووقتها ذكرت الخارجية الأمريكية أن لديها معلومات تتسم بالمصداقية تفيد بأن صلاح قوش متورط في أعمال تعذيب خلال إدارته لجهاز الأمن والمخابرات السوداني. وقال عضو اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير حاتم خورشيد في مقابلة مع (عاين) أن تهمتي تقويض النظام الدستوري والإرهاب يُعدان ضمن جرائم الحق العام التي عادةً ما تُمثلها النيابة.

وأوضح خورشيد أن النيابة العامة هي التي قامت بفتح بلاغات ضد مدير جهاز الأمن والمخابرات والمتهم فيها بالشروع في تنفيذ عملية إرهابية، تحت مواد الإرهاب وتقويض النظام الدستوري الحالي. وكشف النائب العام السوداني مولانا تاج السر الحبر عن تدوين 4 بلاغات في مواجهة قوش، واضاف انهم بدوا في التحقيق حول ما أشار اليهم الرئيس السابق عمر البشير  خلال محاكمته عن استلام أموال ضمنهم الداعية الاسلامي عبدالحي يوسف

وأضاف خورشيد أن المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، مُطارد بواسطة منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الأنتربول” وإسمه موضوع على رأس القائمة “الحمراء”. موضحاً أن الحكومة السودانية لديها إتفاق “تسليم مجرمين” مع بعض الدول العربية. وأشار عضو اللجنة القانونية إلى أنه عند إكتمال بلاغ ” الخلية الإرهابية” سيمثل وكيل النيابة أمام المحكمة لتقديم الإتهام.

كما أكد أن تسليم المتهمين، مسألة إجرائية معقدة تتم بواسطة ” الانتربول” الذي سيقوم بتنفيذ عملية القبض على المتهمين إذا وطئت أقدامهم واحدة من الدول، ذات الاتفاقيات المشتركة فيما يتعلق بتسليم المجرمين، الأمر الذي ينطبق على ” قوش” .

وأشار خورشيد إلى عدم وجود اتفاقيات مع الدول الأوربية لتسليم مجرمين أو مُتهمين، لكن من الممكن وضعهم على ” اللائحة الحمراء” لدى الإنتربول للقبض عليهم إذا وضعوا أقدامهم على أرض دولة يشملها الاتفاق، كما سيحدث في حالة مدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق والمتهم بجرائم مُوجهة ضد الدولة.

هل تنجح السلطات السودانية في وأد عنف الإسلاميين المتصاعد؟

سقوط دولة الاسلاميين

امتدت فترة حكم الجبهة الإسلامية للسودان، لمدة ثلاثة عقود، وُصفت بأنها الأسوأ في تاريخ السودان الحديث. وفي المقابلة التي أجراها فريق(عاين) مع المفكر والمتخصص في علم الاجتماع الديني، حيدر إبراهيم على:”أن الحركة الاسلامية في السودان بدأت في فقدان الأمل بالعودة إلى السلطة مرة أخرى. وأوضح أن حالة اليأس والإحباط التي تعتري الحركة الإسلامية في السودان قد تؤدي لإستخدام العنف والأساليب الإرهابية. كما لا يستبعد “إبراهيم” لجوء فلول النظام المباد لأعمال إرهابية، عقب فشل مخططهم في الإطاحة بالحكومة الانتقالية تزامناً مع مواكب الثلاثون من يونيو الماضي.

وأشار إبراهيم إلى أن ترويع الناس وتخويفهم هي إحدى الوسائل التي يتبعها فلول النظام البائد. وأضاف أن الحركة الإسلامية العالمية السلمية منها والإرهابية، يعولون على نجاح التجربة السودانية، ويتم النظر إليها كنموذج لحركة إسلامية استطاعت صنع دولة. ويشير حيدر إبراهيم علي، إلى أن الإسلامويين مطاردين ومشردين ومعتقلين في معظم أنحاء العالم وأن التجربة السودانية شكلت لهم قلعة أخيرة لممارسة الحكم، على رأس سلطتها إسلاميين. 

وأوضح إبراهيم أن الحركة الاسلامية الدولية تعتبر أن سقوط دولة الإسلامويين بهذه الصورة أمر غير مقبول. كما أشار أن جنوح إسلامي السودان للعنف أمر يؤكده العنف الذي لازم تجربتهم في الحكم خلال الثلاثين عاماََ الماضية.


هل تنجح السلطات السودانية في وأد عنف الإسلاميين المتصاعد؟
وأوضح إبراهيم أن لجؤ الإسلاميين للعنف  في السودان قد لا يكون بذات نهجي “إبن لادن” و “داعش”، لكن من الممكن تسميته “بالإرهاب السوداني” وأشار إبراهيم إلى أن علاقات الإسلاميين الاجتماعية في السودان واستمرار أملهم في حكم البلاد مرة أخرى سوف يؤثران بشكل كبير في استمرار استخدام أدوات الإرهاب. ويضيف قائلاً :” أنني متأكد من أن فلول النظام المباد سوف يمارسون شكلاً من أشكال الإرهاب، الأمر الذي يمكن حدوثه عبر الإغتيالات أو عن طريق نسف مقار مؤسسات مناوئة لهم.

ولإستباق حدوث أعمال ذات طابع إرهابي، ومُحاصرة خطر الأرهاب المتوقع ومواجهته قبل وقوعه، يسارع حيدر إبراهيم علي، بدعوة سلطات الحكومة الإنتقالية للعمل من أجل اجتثاث فلول النظام المباد وكل رموزه وكوادره، خاصة المتهمين بجرائم التعذيب والفساد، عن طريق تقديمهم لمحاكمات عاجلة، مشيراً إلى أن ذلك سيشكل ردعاً للذين ينوون القيام بعمليات إرهابية في المُستقبل.