السودان بين التقاطعات الدولية وحماية الثورة
تقرير: عاين 5مايو 2019م
قطع السودانيون مشواراً يرونه متقدما نحو ثورتهم الشاملة، بعد أربعة أشهر من الانتفاض على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير. بعيدا عن أي سند دولي او اقليمي او حتى اعلامي كما يقول الكثير من قادة الثورة، فطاولات الحوار على أساس ما عرف بـ خطة “الهبوط الناعم” التي تستهدف إنجاز تغيير شكلي في البلاد يسعى لإحداث تغييرات محدودة في النظام دون سقوطه بالكامل على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتناقلت عواصم البلدان الأوروبية والاقليمية محاولات عديدة من اجل فرض “الهبوط الناعم”، لكن عزيمة السودانيين في الانتفاض العفوي، اولا: ضد حكم المعزول بمساندة تجمع المهنيين والقوى السياسية صحابة خيار الشارع. ومن ثم توحد الجميع على الخيار الاخير. كانت هى الغالبة وسط صمت إقليمي ودولي حتى قبل أيام من سقوط البشير.
لكن هذه القوى الدولية والإقليمية حركت اصابعها مجددا في أعقاب استلام المجلس العسكرى للسلطة واستقبلتها الخرطوم بكل تقاطعاتها التي تعمل (عاين) على تفكيكها خلال هذا التقرير عبر محاورها الدولية وإقليميا في محيطها العربي والإفريقي والتدخل الأبرز لدول الإمارات والسعودية ومصر. وفي السياق ذاته اشتعلت حالة تضارب المصالح بين جهات إقليمية ودولية عديدة لا سيما بالنظر إلى حالة ارتهان القرار السياسي خلال حقبة الرئيس المخلوع عمر البشير الي سياسات المحاور المختلفة مثل روسيا وايران وغيرهما.
السعودية والامارت..تدخل وترقب
على الصعيد العربي، يقول القيادي بقوى اعلان الحرية والتغيير محمد يوسف احمد المصطفى، رأيا شخصيا، “السعودية والإمارات لم تتواصل معنا كان في بالنا ان يتواصلوا معنا ونرى ماذا نقدم لهم، والممكن ان نقدمه لهم وهذا يأتي عبر الحوار والجلسات المباشرة بكل ندية ونفهم مصالحهم ويفهموا ايضا مصالحنا. وزاد “حاجة ما مستفيدين منها ما بنعملها”.
ويزيد يوسف في مقابلة مع (عاين)، “كان من الاصح للدولتين ، النظر الى مطالب الشعب السوداني والوقوف معها وليس كبحها، ويزيد بأن دعمهم للمجلس العسكري مضر بهم على المديين الطويل والقصير .. دعم المؤسسة العسكرية في انها تقبض على الامر وهى الاقوى هذا سنقاومه بالتاكيد والسودان ليس مصر .. الجيش هناك يسيطر على مفاصل الدولة والمتماسكة وينفذ رأي الحاكم اي كان. لكن هنا الجيش ليس مسيطرا على مقاليد الامور كافة هناك المناطق المحررة للحركة الشعبية ومناطق اخرى بدارفور، وان قبضة المؤسسة العسكرية ليست كبيرة ونظام الانقاذ عمل على خلخلتها في الأصل”.
وفي المحور السعودي الإماراتي، يرى خبير العلاقات الدولية، الرشيد ابوشامة، بأن البلدين أضحي لديهما يد عليا في الذي يجري بالسودان. ويقول لـ(عاين)، ” مفهوم هذا الصراع من واقع الصراعات العربية- العربية والتي تمثلها السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية، لكن هذا يأتي في ظل وضع ما سماه باليد على السودان والسيطرة على اي نظام جديد يتشكل في السودان لدعم مواقفهما في ظل صراعهما المذكور.
مصر دور مرفوض:
وفي تعليقه على التحركات المصرية، يقول القيادي في قوى اعلان الحرية والتغيير، محمد يوسف المصطفى، “إذا المصريين لاعبين على أن المجلس العسكري كرت يراهنون عليه، يكونوا قد وقعوا في خطأ كبير”، ويضيف “الافضل للحكومة المصرية التعامل مباشرة مع القوى التي لديها علاقة بالشأن السوداني، ونحن ملتزمين بالعلاقة الازلية بين مصر والسودان والتي تربطها مصالح مشتركة عديدة، ولذا نعتقد انه لابد ان تقوم علاقة متميزة على التفاهم و الندية والمصالح، وغير ذلك حتى ولو كنا في المعارضة نحن ضد أي محاولة للانتقاص من السيادة أو ضد مصالح شعبنا”.
بينما يرى الدبلوماسي السابق والخبير في العلاقات الخارجية، الرشيد أبو شامة، أن الحكومة المصرية تدخلاتها الأخيرة في الشأن السوداني واستغلال الرئيسي المصري منصبه في الاتحاد الافريقي ودعوته لاجتماع دعا للتمديد الى المجلس العسكري في السودان لثلاثة أشهر تمهيدا لخلق اضطرابات متعمدة من قبل الجانب المصري في السودان. ويقول الرشيد ” فترة ثلاثة أشهر كافية لترتيب الاسلاميين المخلوعين لأنفسهم والعودة بأي آلية للمشهد السياسي في السودان.. ولا استبعد فتح جبهات قتال جديدة في المناطق المضطربة او خلق تحالفات مع حركات موجودة وتقاتل الحكومة في وقت سابق”.
ويضيف أبو شامة ” يبدو للأسف الشديد أن مصر تريد تدمير السودان وتريده مضطربا دائما. مصر لا تنسى ان السودان كان جزءا منها من قبل والإعلام المصري ظل يردد ذلك على الدوام”. وزاد السيسي ظهر على وجهه الحقيقي وعبر عن الفهم المصري القديم بأن يكون السودان تابعا ولا تريد له ان يطور تجربته الديمقراطية”. ومع ذلك يستبعد ابوشامة دعم الحكومة المصرية للإخوان الذين تحاربهم في مصر وليبيا، لكن الرئيس السيسي خاضع للقيم المصرية القديمة بأن مصر هي التي يجب أن تتحكم في السودان ولا تسمح له بالتطور. وكان الرئيس السيسي قال في كلمته أمام الاجتماع الطارئ للرؤساء الافارقة بالقاهرة الثلاثاء الفائت إن الاجتماع يهدف إلى بحث التطورات المتلاحقة في السودان ومساندة جهود الشعب السوداني لتحقيق ما يصبو إليه من آمال وطموحات في سعيه نحو بناء مستقبل أفضل، آخذين في الاعتبار الجهود التي يبذلها المجلس العسكري الانتقالي والقوى السياسية والمدنية السودانية للتوصل إلى وفاق وطني يمكّنه من تجاوز تلك الفترة الحرجة وتحدياتها لتحقيق الانتقال السلمي والسلس للسلطة، دون الانزلاق إلى الفوضى وما يترتب عليها من آثار مدمرة على السودان وشعبه وعلى المنطقة برمتها.وقابل مئات المتظاهرين في السودان تصريحات السيسي بمظاهرات حاشدة أمام السفارة المصرية وسط الخرطوم، ورفعوا شعارات تطالب الحكومة المصرية بعدم التدخل في الشأن السوداني.
رقابة دولية
بينما يرى القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير، محمد يوسف احمد المصطفى، ان هناك تفهما مقبولا بالنسبة لهم من القوى الاوربية والغربية حول تحقيق تطلعات الشعب السوداني وانتقال السلطة للمدنيين. ويقول لـ(عاين)، “الاتحاد الأوروبي والترويكا متفهمين للموقف و مطالباتنا التي شرحناها وبينها أن الفترة الانتقالية يجب أن تكون أربعة أعوام ونتاكد من حل كل المشاكل”. واضاف “هم متفهمين ونحن كذلك وهذه ليست المشكلة” ويزيد هناك قوى أخرى يمكن أن تكون في الشرق الاوسط وغيره تتمسك بالخطة القديمة المرتبطة ب”الهبوط الناعم” وتحاول دعمها.
إرتريا واثيوبا..صمت وحذر
الخبير في القرن الأفريقي، خالد طه، يرى أن موقف دول الجوار المحيطة بالسودان شرقا ما يزال يميل للتريث ينبني حتى الآن على قراءة ميزان القوة وتتبع مرجحاته دون الخوض في إعلان أي موقف. ويقول لـ(عاين)، “تأني كل من اثيوبيا وارتريا في اطلاق تصريح حول ما يدور في السودان منذ سقوط حكم الجنرال البشير الذي تجاوز الأسبوع الثالث ، وعدم إرسال أية إشارة تأييد للمجلس العسكري او قوى الحرية والتغيير جاء بسبب موقف البلدين المعلن تجاه نظام البشير. من جانبها كانت إثيوبيا قد ألغت اتفاقية الدفاع المشترك مع السودان بعيد توقيع اتفاقية السلام مع ارتريا ، وأعلنت لاحقا عن ضبط مبالغ مالية واسلحة قادمة من السودان لتزكية نار الحرب الاهلية في اثيوبيا ، كما أعلنت ارتريا ايضا في اخر تصريح لها بخصوص السودان قبل أسبوعين فقط من انهيار حكم البشير عن مواصلة السودان في دعم وتدريب وتسيير متطرفي الحركة الإسلامية بغرض إعاقة مسيرة السلام في المنطقة ، واشارت الى ان دولة قطر وراء ذلك المخطط ، حسب بيان رسمي صادر عن وزارة الإعلام الارترية .
ويشير طه في مقابلة مع (عاين)، إلى أنه وبالنظرة العامة للمشهد نجد أن حلفاء ارتريا واثيوبيا قد بادروا بدعم المجلس العسكري السوداني الجديد ، واصبح واضح ان السعودية والامارات ومصر شكلوا مؤازرة قوية للمجلس العسكري برئاسة الفريق أول / عبد الفتاح البرهان ، لكن هذه المؤازرة نظر إليها بوصفها مستعجلة وليست في صالح التحول الحقيقي ولا تفكيك دولة الإسلام السياسي وفق منظور كتلة مهمة اخرى تتمثل في دول الجوار القريب مثل ارتريا وإثيوبيا ودول المحيط مثل كينيا وأوغندا وجيبوتي وربما الصومال أيضا بوصفه جزء من كتلة شرق افريقيا الجديدة ، والقاسم المشترك حتى الآن هو ركون تلك الدول الى خيار الصمت المراقب .
ويضيف “هنالك رأي ارتري قديم بضرورة تصحيح الأداء داخل الاتحاد الأفريقي وتحريرها من التبعية لجهات داخل القارة وخارجها ، وتقاطعات المصالح الإقليمية بين دول حوض النيل يجعل إستمرار محاولات الرئيس المصري للتدخل المنحاز في الشأن السوداني نذيرا بخلافات تجتاح الاتحاد الافريقي الذي يترأس السيسي دورته الحالية. هذا بالاضافة الى ان موقف كتلة شرق إفريقيا لن يكون بعيدا عن الموقف الغربي عموما خصوصا فيما يتعلق بالإبقاء على كل الاتفاقيات الخارجية والداخلية التي أبرمها السودان في حقبة حكم البشير ، وذلك يعني استمرار الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والأمنية مع دول المحيط والغرب ( روسيا . تركيا . قطر . ايران . سوريا ) ، وايضا ستطل مسألة أمن البحر الأحمر للسطح ، وبالتأكيد لن يتم التنازل عن كل هذه الملفات الهامة فقط ليشعر عبد الفتاح السيسي انه ليس الوحيد الذي جاء عبر انقلاب عسكري” .
وينوه طه، إلى انه ومع كل ذلك تظل الدعوة الارترية القديمة بضرورة عقد مؤتمر سوداني جامع هي رؤيتهم لحل ازمة الحكم في السودان، وسيكون الحلفاء القدامى الممثلين في مختلف القوى والأحزاب السياسية السودانية جزء من التدعيم المطالب بالتحول الآمن والسلمي نحو الديمقراطية في السودان ، وذلك طبعا في مواجهة مخطط ” الهبوط الآمن ” الذي يحاول المجلس العسكري توفيرعناصره ومؤسسات ومكاسب النظام السابق الذي لم يحدث فيه أي تغيير حقيقي حتى الآن ، فالبعض يتحدث عن حراك الدولة العميقة لكن الواقع أن الدولة المرئية نفسها موجودة حتى الآن، وبذات توجهاتها المقلقة لدول الجوار ، بنفس الشخوص والكوادر الممسكة لم تزل بالمواقع المفصلية و الحيوية والهامة في كل مرافق الدولة .
مصالح متداخلة
ويضيف خالد طه ، “إذن ليس أمام المجلس العسكري الا خيارين ، الاول إزاحة مرحلة ” الهبوط الآمن ” واتاحة فرصة تحقيق تغيير حقيقي بكل ما في ذلك من خطوات ونتائج ، او اعتماد الخيار الثاني وهو المماحكة وإعادة حكم الحركة الاسلامية واتباعها من الأحزاب الموالية بواجهات جديدة، ولو تم اعتماد النهج الثاني ستصبح المواجهة مع كتلة الشرق الافريقي وشيكة جدا ، وحينها لن يكون للحليف العربي المشترك القدرة على إبقاء الأمور متزن بالحد الذي يوفر ويضمن استمرار المصالح العربية والخليجية في المنطقة وأهمها وأكبرها الموقف من حرب اليمن .”
فيما يقول خبير العلاقات الخارجية الرشيد أبو شامة، أنه وعلى الرغم من أن هذه الدول يعبر عنها الاتحاد الافريقي والذي قال كلمته عبر بيان مجلس السلم الأفريقي الذي أمهل المجلس العسكري 14 يوما بنقل السلطة للمدنيين وما تلا ذلك من تطوارات الاجتماع المصري يعيد الأمور الى ارتباك ما داخل المنظومة الافريقية المحكومة بميثاق الاتحاد الافريقي المادة 7 المتعلقة بمحاربة الانقلابات العسكرية.
ويضيف ابوشامة ” على العموم افريقيا ليست لديها مشاكل مع السودان، كانت حكوماتها في السابق تعتقد ان هناك مشكلة قائمة بين المسيحيين والمسلمين إبان حرب الجنوب لكنه بعد توقيع اتفاقية السلام 2005 وانفصال الجنوب في 2011 انتهت هذه الأسباب تماما بالنسبة للافارقة وان كان هذا خاطئا في تقديري ووقوعها في فخ الحرب بين الإسلام والمسيحية”.