السودان: قطع إنترنت ومعلومات مُضللة.. لماذا؟
1 نوفمبر 2022
في الساعات الأولى لمجزرة فض اعتصام القيادة العامة 3 يونيو 2019م ، كانت كاميرات الهواتف توثق عمليات القتل والانتهاكات الجسيمة بحق المتظاهرين المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش.
لكنه ومع انتشار رقعة انتشار البث أقدم المجلس العسكري وقتها على قطع الإنترنت لمدة شهر كامل، لكن إصرار الشارع السوداني على تثبيت مبادئه أجبر السلطات على التراجع، وإعادة الإنترنت، والتفاوض مع المدنيين ما نتج عنه الوثيقة الدستورية في سبتمبر ٢٠١٩م قبل أن ينقلب عليها العسكريون مرة أخرى في الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١م.
وفي الذكرى الأولى للانقلاب العسكري تداعى الشارع مرة أخرى لإنهاء الانقلاب، وهو ما أعاد ذات المشهد، حيث قامت السلطة الحاكمة بقطع الإنترنت مرة أخرى، وهو ما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول ما تنوي القيام به قيادات الجيش السوداني والمليشيات الداعمة له، والداعمون لهم كذلك من أنصار نظام البشير الذي أسقطته الهبة الشعبية الكبيرة في الحادي عشر من شهر إبريل من سنة ٢٠١٩م.
أعدت العديد من المراكز المتخصصة دراسات مدعومة بالوثائق والمستندات للكشف عن دور قطع الإنترنت في عمليات التضليل التي مارسها النظام العسكري الحاكم، المرتكب للمجزرة بحسب تصريح الناطق الرسمي للمجلس العسكري آنذاك الفريق شمس الدين الكباشي، من خلال مقولته الشهيرة: “حدث ما حدث”.
وتمثلت مأساة قطع الجيش السوداني للإنترنت للتغطية على المجزرة في صعوبة مشاركة تلك الفظائع في وقتها عبر شبكة الإنترنت، كما يبين كيف استفاد المنتهكون للحق الإنساني من قطع الإنترنت، لتعميم حملات التضليل التي ترعاها الدولة المسَيطر عليها بواسطة المجلس العسكري بقيادة البرهان ونائبه حميدتي، لكن رغم ذلك تناولت الدراسة كيف تحدى المحتجون الحلول التقنية والمادية للتحايل على قطع الإنترنت.
قطع الإنترنت
في أعقاب الحملة على المتظاهرين أوقف مزودو خدمة الإنترنت الخدمة بأوامر من هيئة تنظيم الاتصالات والبريد في السودان، كما فرضوا على مزودي الخدمة في السودان ممثلين في شبكات الاتصالات: ( زين، إم تي إن، كنار، سوداني) إغلاقا كاملا لمدة 36 يوما، على الرغم من الإغلاق الكامل للشبكة ، كانت خدمات الإنترنت المتقطعة لا تزال متاحة من خلال خط المشترك الرقمي غير المتماثل (ADSL) واتصالات الخطوط الثابتة التي يستخدمها المحتجون للاتصال والتواصل والتعبئة.
واستخدم متخصصون في التقنية مصطلح (إغلاق الإنترنت) وليس قطع الإنترنت، وذلك لأنه يسلط الضوء على دور الدولة في تعطيل خدمات الإنترنت، وغالبًا ما يكون ذلك بمثابة أسلوب لحراسة البوابة ضد إنشاء المحتوى الرقمي (مجلس حقوق الإنسان ، 2016)، وبالتالي، فإن عمليات إغلاق الإنترنت هي إجراءات مقصودة ويتم تنفيذها للتحكم في إنشاء المحتوى وتداوله. في سياق السودان، أثار انقطاع خدمات الإنترنت بعد مذبحة 3 يونيو / حزيران هاجسين رئيسيين. أولاً، استخدام قطع الإنترنت كتكتيك للسيطرة أثناء الحركات الاحتجاجية يخفي دور الجهات الحكومية التي تستخدم أساليب عنيفة لقمع وتهديد المتظاهرين المناهضين للمؤسسة. تعتبر عمليات قطع الإنترنت التي ترعاها الدولة أثناء حركات الاحتجاج فعالة لأن مثل هذه الإجراءات تعطل قنوات وشبكات الاتصالات المطلوبة لتوثيق عنف الدولة ضد المتظاهرين، ويتمثل الهاجس الثاني في أنه يؤدي إلى زعزعة استقرار الشبكات الرقمية والموارد التي يستخدمها المجتمع المدني بانتظام للتعبئة والتنظيم، كما يعمل كإجراء تأديبي وعقابي لإضعاف الحركات الاحتجاجية وتهديد قادة المجتمع المدني. بدون أدلة موثقة على عنف الدولة والوعي والتضامن العالميين، قد لا تتمكن السلطات الدولية والدول الأخرى التي تدعم الحركات المؤيدة للديمقراطية من محاسبة الدولة على انتهاكها الجسيم لحقوق الإنسان.
الآثار السياسية والاجتماعية
تؤكد دراسات أن الآثار الاجتماعية والسياسية لإغلاق الإنترنت في السودان كبيرة، لا سيما أثناء الانتقال المستمر لتشكيل حكومة بقيادة مدنية، وبعد مجزرة 3 يونيو / حزيران ، لم تقدم السلطات السودانية أي مبررات لاستمرار انقطاع جميع خدمات الاتصال عبر الإنترنت كما ذكرت(هيومن رايتس ووتش ، 2019). ويؤدي غياب المساءلة نيابة عن TMC والعسكرة المتزايدة في ظل حكم المجلس العسكري إلى تضخيم التأثير العنيف لإغلاق الإنترنت في السودان، وعلى الرغم من أن الاتحاد الدولي للاتصالات يحدد أن الحكومات لديها سلطة مراقبة وتنظيم البنية التحتية للمعلومات والاتصالات الخاصة بها للأمن القومي والسيادة، فقد جادل العديد من العلماء والمنظمات الدولية بأن إغلاق الإنترنت في ظل الأنظمة الاستبدادية والعسكرية يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان.
ويؤكد العديد من الصحفيين العاملين في سياقات الاضطرابات السياسية في جميع أنحاء العالم أيضًا أن عمليات إغلاق الإنترنت التي ترعاها الدولة غالبًا ما تؤدي إلى قمع حرية الصحافة وإضفاء الشرعية على سلطة الدولة ومن هم في السلطة للحفاظ على المعلومات المتداولة حول حركة الاحتجاج المناهضة للمؤسسة.
يرى الصحفي والمحلل السياسي والمدافع عن حقوق الإنسان حسين سعد، أن ثمة ارتباط وثيق بين إغلاق الإنترنت وظهور المعلومات المضللة، حيث يقول سعد إن الدول الاستبدادية في العصر تعمل السيطرة على الاتصالات وبالتالي السيطرة على الرأي العام، لكن في الحالة السودانية وصمود الثورة في وجه حملات التضليل استطاعت أن تحافظ على زخمها وجذوتها مشتعلة، وهذا بالضرورة بمساندة شبابها.
إن تركيز تجارب المتظاهرين وكيف استطاعوا الحفاظ على حركتهم المؤيدة للديمقراطية أثناء إغلاق الإنترنت أمر مهم لتحديد الاستراتيجيات التي استخدمها المتظاهرون خلال إغلاق الإنترنت لمدة 36 يومًا لتنظيم ودعم حركتهم. هناك بحث محدود يستكشف الهياكل غير المتصلة بالإنترنت واستراتيجيات الاحتجاج المصممة للتحايل على قطع الإنترنت في الأنظمة الاستبدادية والعسكرية. ستؤدي النتائج المستخلصة من هذه المقالة إلى تعقيد العلاقة الثنائية بين إجراءات التنظيم الذاتي التي يتم تمكينها من خلال الشبكات الرقمية والأساليب التقليدية للعمل المجتمعي التي تم تطويرها من خلال المجتمع المدني.
تضليل
ويرى مراقبون ومراكز متخصصة في كشف الحملات التضليلية ونشر المعلومات الزائفة أن عملية قطع الإنترنت في السودان تصب في جانب واحد وهو الحملات المضللة، وذلك للانقضاض على التحول المدني الديمقراطي، وإخماد جذوة الثورة السودانية المستمرة على مدى أكثر من ثلاث سنوات.
يقول الصحفي عبد القادر محمد: عند الحديث عن التضليل في سياق بيئة المعلومات، يجب علينا أن نضع حدوداً منهجية للتفريق والفرز بين مفهومي (المعلومات المضللة) و(المعلومات الخاطئة)… وهذا الخط الفاصل ضروري ومهم عند النظر لهذه القضية التي باتت تؤرق مضاجع المهتمين بحرية الإعلام والمعلومات، أو المهتمين بحرية الفضاء المدني والمشاركة السياسية، وغيرهما الكثير من المجالات، إذ لا يخفى على أحد في عالم اليوم مدى أهمية المعلومات في أي من مجالات الحياة عموماً.
ويضيف عبد القادر أن المعلومات المضللة -Disinformation – أو التضليل كمصطلح في حقل الدراسات الإعلامية، المقصود به: عملية النشر المتعمد أو المقصود لمعلومات كاذبة بهدف محدد، مثل الترويج لموضوع سياسي، أو نشر بسوء نية بغرض التلاعب بالرأي العام في قضية ما، أو حتى بهدف تشويه بيئة المعلومات، أما المعلومات الخاطئة – Misinformation– فهي المعلومات التي يتم تداولها عن طريق الخطأ (غير المتعمد).
ويرى أن التمييز أو التفريق النظري والمفاهيمي بين المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة مهم، لأنه في السياق العملي يصعب التفريق بين العمليتين، خصوصاً في بيئة وسائل التواصل الاجتماعي، التي أتاحت إمكانيات عالية للتفاعل والتداول والنشر وإعادة النشر على نطاق واسع بين المعارف والأصدقاء.
ويردف أنه في السنوات القليلة الماضية، ومع تزايد أعداد مستخدمي الإنترنت أصبح اعتماد الملايين من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر مهم للأخبار والمعلومات، باتت هذه البيئة مسرحا جديدا وخصبا لعمليات التضليل والتلاعب بالرأي العام لكسب النفوذ السياسي والاقتصادي، ليس في السودان فحسب، بل في معظم بلدان العالم لا سيما في أفريقيا، التي أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث بأن روسيا كانت هي اللاعب الأساسي فيها، ولها في ذلك العديد من الأغراض سواء دعم حلفائها في السلطة، أو الساعين نحو السلطة.
وأوضحت العديد من الدراسات والأبحاث ضلوع روسيا في أكثر من 16 عملية تضليل على مستوى القارة الأفريقية، ويتوقع أن تكون هذه الحملات الستة عشر المكتشفة جزءا يسيرا من عمليات أوسع لم يتم اكتشافها بعد.
ويشير عبد القادر إلى أن الحملات المكتشفة في السودان، بين عامي 2019 و 2021 أسست روسيا شبكة تضليل اكتسبت ما يزيد عن ال 440 ألف متابع بوسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما فيسبوك، وكانت الجهات الفاعلة الخارجية في هذه الشبكة هي وكالة أبحاث الإنترنت الروسية ومجموعة فاغنر، وكانت تهدف إلى الترويج لروسيا وبريغوزين كأصدقاء للسودان، بجانب دعم قوات الدعم السريع، علاوة على تصوير القادة المدنيين في السودان على أنهم عملاء للولايات المتحدة الأمريكية.
واستخدمت هذه الحملة جملة من التكتيكات مثل تزييف الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد وظفت هذه الحملة العديد من السودانيين لإدارة بعض الصفحات.
كذلك كانت هنالك شبكة تضليل تنشط في موقع تويتر وتدار من دولة الإمارات العربية المتحدة وتستهدف السودان، تم اكتشاف هذه الشبكة في مطلع العام الحالي.
هذه الحملات والشبكات التي تديرها كانت تستهدف بوضوح الحكومة الانتقالية في السودان، وتسعى لتقوية نفوذ العسكر من خلال عمليات ما يعرف ب /غسيل السمعة/ من خلال تضخيم أدوار متوهمة أو خلق أدوار بطولية مزيفة للجيش أو الدعم السريع وتضخيمها إعلاميا من خلال شبكات التضليل والتلاعب بالرأي العام، ويمكن للمراقب أن يلاحظ ذلك مثلا في الأخبار المتصلة بأدوار الدعم السريع في مكافحة الهجرة غير الشرعية – على سبيل المثال.
هذه الأخبار يرى عبد القادر أنها تتم صناعتها بعناية لتخدم أغراض الحملات والشبكات التي تقف خلفها، بدءاً من غسل سمعة الدعم السريع مرورا بتصوير الدعم السريع كحامي ودرع أمام موجات الهجرة نحو أوروبا.. ومن المعروف طبعا أن مسألة الهجرة من المسائل المقلقة لأوروبا في الآونة الأخيرة ، ومن صمم حملات غسل السمعة المرتبطة بالدعم السريع يفهم مخاوف أوروبا ويخاطبها.
وكان وزير الاتصالات والتحول الرقمي السابق هاشم حسب الرسول قد نشر تغريدة في تويتر في نهاية الثلث الأول من شهر أكتوبر من هذا العام يكشف فيها عن شركات روسية متخصصة في الإعلام تعمل كإعلام مضاد للثورة، حيث تقول تغريدته:
” الإعلام المضاد للثورة وحرب الشائعات كان إعلاما منظما لعب دورا محوريا في تشويه صورة حكومتي الفترة الانتقالية منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة المدنية، وانطلق من ٤ منصات خارجية، وظفت فيه شركات روسية متخصصة في الإعلام والتسويق الإلكتروني بشبكات التواصل الاجتماعي”.
هذه التغريدة تكشف أن المكون المدني كان على علم بحملات التضليل والتشويه ضد الانتقال المدني الديمقراطي، وبالرغم من ذلك لم يواجهوا الشارع السوداني بتلك الحقائق، حتى يقوم الثوار بدورهم أو على الأقل تنظيم حملات داعمة للانتقال تعمل على فضح وكشف عمليات التضليل، حتى انقلب العسكريون على التحول المدني برمته وأعادوا الثورة لمربعها الأول.
ونشر (مرصد بيم) وهو موقع متخصص في رصد التحركات المشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي والتحقق من الأخبار الزائفة تقريرين خلال أسبوع واحد عن شبكات الدعم السريع على مواقع التواصل الاجتماعي والتقنيات التي تستخدمها للتلاعب بـ ” خوارزميات” موقعي تويتر وفيسبوك، حيث يتجه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو أو الجنرال حميدتي ألى تجهيز جيش آخر من “الذباب الالكتروني” لغزو مواقع التواصل.
وفي فضيحة جديدة استخدم فيها الرجل نفوذه في الدولة لابتعاث ما لا يقل عن 110 من الشباب الآ دولة الإمارات العربية المتحدة لتدريبهم على استخدام مواقع التواصل والتأثير عليها.
وبحسب مصادر رفيعة أن طائرة مستأجرة من شركة بدر للطيران غادرت الخرطوم في يوم 13 اكتوبر الجاري عبر تارمك جهاز المخابرات العامة حملت على متنها 110 شابا وشابة من مختلف محليات ولاية الخرطوم وطبقا لمواقع تتبع الرحلات الجوية ان الطائرة حطت بمطار رأس الخيمة في دولة الإمارات.
ووفقا للمعلومات التي تحصلنا عليها أن الهدف من الرحلة الغامضة التي لم تتبع فيها الإجراءات الرسمية للمسافرين ولم يعبر ركابها عبر الإجراءات المتبعة للمسافرين هو إخضاع المجموعة الى دورات تدريبية مكثفة لإنشاء شبكات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي على أيدي مدربين تم التعاقد معهم من روسيا ولبنان.
وكان (مرصد بيم) قد نشر الأسبوع الماضي أيضا تقريرًا عن شبكة من الحسابات المزيفة التي تروج لأنشطة (الدعم السريع) في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، وتنشط الشبكة المذكورة في التفاعل مع منشورات حساب قوات الدعم السريع في تويتر، فيما يبدو وكأنه محاولة لتلميعها.
وأردفه بتقرير آخر نشره كشف فيه الموقع المذكور شبكة أخرى من الحسابات المزيفة، تنشط في التلاعب بخوارزمية (فيسبوك)، عبر التفاعل بطريقة ممنهجة مع المحتوى الذي تنشره صفحة (قوات الدعم السريع – Rapid Support Forces)، وصفحات ومنشورات أخرى متعلقة بأنشطة الدعم السريع. تستخدم هذه الحسابات رمز التفاعل (أحببته)، كتفاعل موحد على جميع المنشورات التي تنشرها الصفحة..
وبحسب مرصد بيم فان أبرز ملامح هذه حسابات الشبكة أنها:
تستخدم في معظمها اسماء سيدات، وتذكر جميع الحسابات أمكنة عمل وهمية، وأماكن الدراسة الجامعية، كما تذكر أماكن وجودها، بالإضافة إلى أماكن ولادتها، تعرِّف جميع الحسابات نفسها بأن حالتها الاجتماعية (عزباء)
بصورة مجملة نجد أننا نعيش في عالم لا يستطيع فيه المرء مهما بلغ المكر والدهاء أن يخفي جريمة ما إلى الأبد.. وفي حالة جريمة فض الاعتصام فإنّ قضية العدالة لهي مسألة وقت ليس أكثر أو أقل.
عمل موثق يحفظ حقوق المواطن و إيصال المعلومة الحقيقية وكشف أعمال الطغاة الجبابرة.
موفق فريق العمل وقداام