جهاز الأمن السوداني يبحث عن إعادة صلاحياته.. ماذا يعني ذلك؟
عاين- 14 مارس 2024
منذ بداية الحرب بين الجيش والدعم السريع تمارس “أصوات داخلية” في جهاز المخابرات الضغوط على مجلس السيادة السوداني لإعادة صلاحيات اُنتزعت عقب الاطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير بموجب الوثيقة الدستورية التي وقعت بين المدنيين والعسكريين.
وأبرز الصلاحيات التي أُلغيت في العام 2019 حل هيئة العمليات وهي قوة عسكرية ضاربة تضم حوالي 12 ألف عنصر يتبعون لجهاز الأمن في عهد النظام البائد أغلبهم ذات انتماء إلى التنظيم الإسلامي وفق ما ذكر المدنيون الذين وصلوا إلى السلطة الانتقالية في ذلك الوقت مناصفة مع الجنرالات.
في مطلع أبريل الجاري نقلت مواقع موالية للتنظيم الاسلامي أنباء عن اعتزام رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان صلاحيات جهاز المخابرات قالت هذه المواقع الإخبارية إن القوى المدنية نزعت هذه الصلاحيات لـ”أغراض خبيثة”.
سابقة قضائية
من بين القضايا الشهيرة في السودان في عهد حكم الرئيس المعزول عمر البشير القضية الخاصة بإيقاف صحيفة التيار المملوكة للكاتب الصحفي عثمان ميرغني حيث تمكن المحامي البارز نبيل أديب كسب قضية في هذا الصدد حينما أبطل مادة في صلاحيات جهاز الأمن السوداني في العام 2015 أمام المحكمة الدستورية بالعاصمة السودانية العبارة التي طالما استخدمها ضمن الصلاحيات مبررا بها تدخلاته في قمع أنشطة قمع المدنيين ووسائل الإعلام وهي “صلاحيات أخرى”.
خلال الحرب قاد ضباط ينصفون على أنهم “متطرفون” في جهاز المخابرات حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لإعادة صلاحيات جهاز المخابرات وهي حق الاعتقال والتحفظ والمداهمة لأي موقع أو ناشط سياسي أو مدني يثير الشبهات بما في ذلك الأنشطة المدنية والسياسية.
بينما يقول وزير سابق في الحكومة الانتقالية على إطلاع بقضية صلاحيات جهاز المخابرات إن مجلس السيادة أعاد فعليا صلاحيات جهاز المخابرات التي تتيح الاعتقال والتحفظ والمداهمة والتفتيش والمصادرة و”صلاحيات أخرى”.
وأضاف في حديث لـ(عاين) : “الصلاحيات لا تشكل مخاوف ضد الأنشطة بقدر من أن الاستخدام الفضفاض للعبارات مثل صلاحيات أخرى حسب توجيهات رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس السيادة بمعنى أن جهاز المخابرات سيمنح الحق لنفسه في التدخل ضد الأنشطة المدنية”.
وأردف المسؤول السابق الذي فضل حجب هويته قائلا: “قد تشمل الصلاحيات تنفيذ حملة اعتقالات ضد عناصر لجان المقاومة وغرف الطوارئ تحت ذريعة الخلايا النائمة وهي من أخطر الاتهامات التي تواجه المدنيين في مناطق سيطرة الجيش”.
في الوقت الخطأ
بينما تقول نهلة حسن الناشطة في المجتمع المدني بالسودان لـ(عاين): إن “صلاحيات جهاز المخابرات لا تشكل مخاوف في الوقت الراهن لأن اسوأ شيء قد حدث وهو الحرب وبالتالي مهما حاول الاسلاميون تصفية الحسابات ضد الحراك السلمي وقادة الاحتجاجات السلمية خلال الثورة الشعبية لن تتغير المعادلة”.
وتقول حسن:”هذه التحركات تفتقر للصلاحية السياسية وحتى التكييف القانوني وهو تعويض نفسي يتشبث به الإسلاميون المتغلغلون في المؤسسة العسكرية ليقولوا ها نحن عدنا رغم أنف الثورة”.
ورغم الصلاحيات التي أصبحت متاحة بالنسبة لجهاز المخابرات السوداني إلا أن ثمة نزاع خفي يدور بينها وبين جهاز الاستخبارات العسكرية التابعة إلى الجيش السوداني ويفرض ضباط في القوات المسلحة على جهاز المخابرات التنسيق مع الاستخبارات العسكرية.
يقول نادر وهو متطوع في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية لـ(عاين): إن “صلاحيات جهاز المخابرات جرت استعادتها في الوقت الخطأ ولم تعد ذات الجدوى لأن الممارسات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية تتخطى الصلاحيات نفسها بالتصفية الجسدية للخصوم السياسيين وحتى المواطنين بحجة التعاون مع الدعم السريع دون وجود أدلة مثبتة”.
بينما يشير الحقوقي أحمد عثمان لـ(عاين) إلى إن صلاحيات جهاز المخابرات لا تشكل فرقا فيما يتعلق بالتضييق على المدنيين في مناطق سيطرة الجيش لأن هناك قوات مشتركة من الأجهزة الأمنية والعسكرية تسمى “الخلية” تمارس انتهاكات قد تكون متجاوزة للصلاحيات التي يبحث عنها “ضباط المخابرات” لإعادة نفوذهم المتبدد.
ويقول عثمان، إن “تعطل المؤسسات الدستورية والفراغ الحكومي لن يتيح لمجلس السيادة إعادة صلاحيات جهاز المخابرات لكن يمكنه التغاضي عن استخدامها بواسطة المخابرات خلال هذه الفترة بحجة مكافحة الخلايا النائمة”.
ويعتقد عثمان، أن شخصية رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان “براغماتية” في سعيه نحو السلطة بالتالي قد يسمح بفعل كل الإجراءات التي تمكنه من توطيد سلطته بما في ذلك الانتهاكات بحق المدنيين.
ضغوط الإسلاميين
يكشف الوزير السابق في الحكومة الانتقالية مشترطا حجب اسمه عن خطط الإسلاميين لفرض صلاحيات جهاز المخابرات على أعضاء مجلس السيادة العسكريين على الرغم من عدم وجود رغبة لدى الجنرالات بإعادة استخدامها كونها لم تعد تشكل فرقا إلى جانب حالة الحرب التي تجاوزت كل السقوفات الأمنية.
واستدرك الوزير السابق في الحكومة الانتقالية: “ربما لم يتم إعلان إعادة صلاحيات جهاز المخابرات رسميا تجنبا لإثارة التوترات مع الدول الجوار والإقليم خاصة وإن نظام المخلوع استخدام المخابرات السودانية للتدخل في شؤون دول الجوار السنوات الماضية”.
ومع ذلك فإن هذه الصلاحيات من شأنها أن تستخدم في ولايات واقعة تحت سيطرة الجيش السوداني بمعزل عن الأجهزة النظامية وسلطات إنفاذ القانون وتصفية الحسابات السياسية وفق ما يقول عمار الأمين الناشط الحقوقي الذي يرى أن النزاع حول صلاحيات جهاز المخابرات هو في الحقيقة الأمر نزاع بين الإسلاميين وجنرالات مجلس السيادة لم تعد العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين خاصة وأن المخابرات لا تزال تضج بالعناصر الموالية للتنظيم الاسلامي وأعاد خلال الحرب مئات الضباط والجنود في هذا الجهاز إلى الخدمة.
ووفقا لمصادر مقربة من جهاز الأمن، فأن نائب مدير جهاز المخابرات محمد عباس لبيب ينتمي إلى تيار معروف بالتشدد ضد الأنشطة المدنية والسياسية أجرى جولة ميدانية في أم درمان وسنار وزار جبهات القتال وحظي باستقبال كبير من جنود هيئة العمليات الذين يشاركون في القتال مع الجيش ما يعني أن هناك صعودا ملحوظا لجهاز المخابرات إلى المشهد الأمني والسياسي وهو صعود قد يقود إلى توتر مع الجنرالات خاصة أولئك الذين لا ينتمون تنظيميا إلى الإسلاميين.