هل يحطم نفوذ الجيش آمال العدالة في السودان؟

24 نوفمبر 2022 

على وقع مطالب العدالة التي لا يكف عن رفعها المتظاهرون السودانيون المناوئون للانقلاب العسكري تنخرط مجموعات سياسية في محادثات سرية مع العسكريين للوصول إلى الاتفاق السياسي وتشكيل حكومة مدنية.

من بين عشرات الانتهاكات، ولوقعها الأليم تبقى قضية فض اعتصام القيادة العامة هي الذكرى الوحيدة التي يحيها المتظاهرون مرتين سنويًا الأولى في 29 من شهر رمضان، وفي الثالث من يونيو. فالقضية التي تبحث عن العدالة تشكل عقبة أمام تقارب العسكريين والمدنيين في السودان منذ ذلك الوقت.

الثالث من يونيو 2019، وفي الساعات الأولى من الصباح داهمت قوات عسكرية من تشكيلات مختلفة مقر اعتصام آلاف المدنيين قرب القيادة العامة للجيش السوداني.

بعد أن طفت جثث القتلى.. النيل يرفض الصمت على مجزرة فض الاعتصام

أدت هذه المداهمات التي سٌميت بـ”مجزرة القيادة العامة” إلى مقتل أكثر من (200) من المتظاهريين السلميين الذين كانوا ينتظرون اليوم الأول لعيد الفطر ويضغطون لخروج الجيش من السلطة كما وقعت أعمال عنف وانتهاكات جنسية بواسطة الجنود الذين داهموا ساحة الاعتصام علاوة على اختفاء قسري لعشرات المحتجين.

ضياع الفرص

وفي الاتفاق الذي وقعه المدنيون مع الجيش في أغسطس 2019 والذي أدى إلى تقاسم السلطة شكل مجلس الوزراء السوداني لجنة مستقلة للتحقيق في قضية فض الاعتصام القيادة وبينما انخرطت اللجنة برئاسة المحامي نبيل أديب في التحقيقات وجمع مقاطع الفيديو التي نشرت على الشبكات الإجتماعية عطل الانقلاب العسكري الذي وقع في 25 أكتوبر 2021 أعمال اللجنة.

وبينما قد يسفر اتفاق مزمع التوقيع عليه استناداً إلى مشروع دستوري صادر عن اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، تدعيم اللجنة الوطنية للتحقيق في فض الاعتصام بخبراء أجانب وتسريع التحقيقات والنتائج، فيما يقول قانونيون متابعون للعملية السياسية إن “أي اتفاق يضع المؤسسات العسكرية والأمنية تحت سيادة حكم القانون لن يحقق العدالة”.

انتهاكات مجزرة القيادة...ومأزق حكومة حمدوك

” العدالة الانتقالية والعدالة الجنائية لا تنفصلان من بعضهما”. يقول المدافع عن حقوق الإنسان والمحلل القانوني عمرو كمال لـ(عاين). ويشكك كمال، الذي عمل أيضا بقضايا انتهاكات وقعت على المتظاهرين “في الوصول إلى مرحلة العدالة الانتقالية بشأن قضية فض اعتصام القيادة العامة”. ويضيف: “الإرادة غير متوفرة”.

ويرى عمرو، أن طرح العدالة الانتقالية ضمن مشروع الإعلان الدستوري المطروح للنقاش بين “الحرية والتغيير” والجيش المقصود به تحقيق المصالحة السياسية وليس تطبيق العدالة من منطلق إنصاف الضحايا وعائلاتهم. وقال” المطلوب تقديم العدالة على المصالحة السياسية والحديث عن تجربة جنوب أفريقيا يعكس هنا دون دراية”.

إفلات الجنرالات

ويعتقد الأمين العام للجنة التسييرية لنقابة المحامين الطيب العباس، أن العدالة الانتقالية لا تعني الإفلات من المسؤولية مدافعاً عن وضع هذا البند في مشروع الإعلان الدستور – قيد النقاش بين العسكريين والمدنيين. وأشار العباس، إلى أن العدالة الانتقالية ستكون على مراحل التحري وتوجيه التهمة والاعتراف والحقيقة والمصالحة.

وأضاف العباس في مقابلة مع (عاين): “العدالة الانتقالية لا تعني الإعفاء من المسؤولية.. وإذا ثبت تورط العسكريين في فض الاعتصام تقتضي العدالة الانتقالية في مرحلة الحقيقة والمصالحة طردهم من الخدمة العسكرية والحكومية”.

وفي ظل تقاعس مؤسسات العدالة وتغلغل عناصر النظام البائد، يتساءل قادة “إئتلاف الحرية والتغيير” وهو التحالف المدني الذي يستعد لتوقيع الاتفاق مع الجيش “كيف يمكن تحقيق العدالة لضحايا فض اعتصام القيادة العامة؟”.

ويقول التحالف إن قضية “العدالة والعدالة الانتقالية تحتاج لمشاركة أصحاب المصلحة وأسر الشهداء على أن تشمل كافة الذين تضرروا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن”.

لم يُظهر عضو اللجنة التي صاغت الإعلان الدستوري لنقابة المحامين كمال الأمين يأسا من تحقيق العدالة وصولا إلى مرحلة توجيه التهم رسميا إلى العسكريين إذا توصلت نتائج التحقيقات إلى ذلك.

وبينما يضع الجيش ملاحظات للإشراف على مؤسسات مدنية من بينها المشاركة في مجلس عدلي يعين القضاء والمحكمة الدستورية فإن الحديث عن وضع الجنرالات تحت سيادة حكم القانون يتلاشى إلى حد كبير.

مسؤولية التقصير

ويوضح القاضي المتقاعد والمرشح الأسبق لرئاسة القضاء في العام 2019 عقب الاتفاق بين المدنيين والعسكريين – عبد القادر محمد أحمد، أن الحكم المدني يعني أولا أن يكون الجميع تحت سيادة حكم القانون.

ويشدد عبد القادر محمد أحمد الذي اعترض العسكريين على توليه المنصب عقب ترشيحه بواسطة “الحرية والتغيير” في حديث لـ(عاين)، على أنه ودون الوضع في الاعتبار تورط العسكريين في جريمة فض اعتصام القيادة فإن حماية المتظاهرين السلميين تقع على عاتقهم بعدم التدخل وحمايتهم أثناء فض الاعتصام جوار مقرات الجيش السوداني.

كمخرج من “مأزق فض الاعتصام” الذي يُتهم بإرتكابه عسكريون لديهم طموحات بتولي السلطة يلجأ سياسيون مساندون للاتفاق السياسي المزمع مع العسكريين إلى تشجيع خطاب يتبناه “الصادق سمل” وهو والد أحد الضحايا في الحراك السلمي في ديسمبر 2018 وقتله أفراد أمن في مركز احتجاز بالعاصمة السودانية وألقوا بجثته في مستشفى جنوب العاصمة.

ذكرى "المجزرة ".. هل تطال التسوية ملف شهداء الثورة السودانية؟

 ويردد سمل في خطابات لا يكف عن القائها في وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية بأنه على استعداد للصفح عن قاتل ابنه لكنه يشترط “إيقاف آلة القتل”. وكأن الرجل هنا يساوم على تسليم السلطة كاملة إلى المدنيين مقابل خروج الجيش من السلطة والانصراف إلى مهامه المعروفة ويطلق عليها البعض “مساومة تاريخية”.

ويشير المحامي والمحلل القانوني عمر كمال، إلى أن البعض يقتطعون حديث الصادق سمل، فهو يدعو إلى تحقيق مطالب الحكم المدني بالكامل وإيقاف الانتهاكات التي ينفذها الأمنيين والعسكريين تماما مقابل سيادة حكم القانون.

وأضاف: “الصادق سمل لا يعفي عن قاتل ابنه دون مقابل لكنه مقابل أعتقد أنه يمس مصالح جميع السودانيين بتحقيق الحكم المدني الكامل”.

ومع غياب الأمل بشأن تحقيق العدالة في قضية فض اعتصام القيادة تبرز أصوات عالية داخل منظمات المجتمع المدني وعائلات الضحايا باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية خاصة مع القصور الذي يلازم المحاكم الوطنية.

في العام الماضي، ارتفعت الأصوات داخل منظمة أسر الشهداء والتي تكونت عقب فض اعتصام القيادة وأغلب الأعضاء من عائلات ضحايا “مجزرة القيادة العامة” بمقاضاة العسكريين في المحكمة الجنائية.

إحالة إلى الجنائية

يرى المحامي وعضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري كمال الأمين في حديث لـ(عاين)، أن الإعلان الدستوري سيؤسس لعدالة وطنية تحقيق الإنصاف للضحايا ويقول أن : “أي طرف مهما كان في السلطة أو خارجها ثبتت عليه التهم سيحال إلى المحكمة حتى وإن كانوا الجنرالات أنفسهم”. ويشدد: على أن العملية السياسية بين “الحرية والتغيير” والعسكريين ترتكز على مبدأ سيادة القانون فوق جميع المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية.

ويرى الأمين، أن الحصانات التي ستمنح للمسؤوليين هي إجرائية وليست حصانات قضائية ويوضح بأن مشروع الإعلان الدستوري المطروح للنقاش في الوقت الراهن يسمح لرئيس الوزراء بإعادة تشكيل لجنة التحقيق في فض الاعتصام أو تدعيمه بعناصر جديدة ومراجعة أعمالها.

ويؤكد المحلل القانوني عمرو كمال قائلا: “لجوء عائلات الضحايا في مجزرة القيادة العامة للعدالة الدولية وارد طالما أن العدالة في بلدهم لن تتحقق حتى ولو على مستوى العدالة الانتقالية وانها لا تطرح بالطريقة المُثلى”.

ويضيف: “مجزرة القيادة العامة تصنف على أنه هجوم واسع على المدنيين ويصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية وهي ضمن الجرائم التي تحال إلى المحكمة الجنائية”.