“قانون مكافحة تهريب البشر”.. أوروبا تدفع السودان إلى تعديلات جذرية

3 أغسطس 2022
أثناء الوضع المضطرب سياسيا وأمنيا في بعض المناطق في السودان انخرطت السلطات في وضع مشروع قانون الإتجار بالبشر للخروج من التصنيف الأمريكي الذي وضع السودان ضمن بلدان تطبق الحد الأدنى من المعايير المطلوبة لمكافحة تجارة البشر بينما يقول محللون إن “الفراغ الحكومي والدستوري يعرقلان هذه العملية التي تتطلب استقرارا سياسيا”.
وناقشت اللجنة الوطنية لمكافحة تهريب الإتجار بالبشر قبل أسبوع مشروع القانون الجديد لمكافحة الاتجار البشر وجاءت هذه التطورات على خلفية تقرير أمريكي صادر من مكتب مراقبة مكافحة الإتجار بالبشر بوزارة الخارجية الأميركية وضع السودان ضمن التصنيف الثاني البلدان حيث تبذل حكوماتها الحد الأدنى من المعايير وفي ذات الوقت تبذل جهودا كبيرة لتحقيق ذلك، وجاء فيها مصر، والعراق، وإسرائيل، والأردن، ولبنان، والمغرب، وسلطنة عمان، وقطر، والسعودية، والسودان، والإمارات، وتونس، وتركيا.

الإجراءات الأمنية غير كافية
لتسليط الضوء على قضية الاتجار بالبشر ينبغي أن تشير (عاين) إلى أن السودان يعد معبرا رئيسيا لعشرات الآلاف من المهاجرين القادمين من الصومال وإثيوبيا وارتريا وجنوب السودان للعبور إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
ورغم أن القوات العسكرية والتي تتبع للدعم السريع تنتشر في الصحراء شمال وغرب البلاد خفضت من أعداد المهاجرين إلى ليبيا ومصر إلا أن “طرق يسلكها المهاجرون تظهر بين الفينة والأخرى متحايلة على الإجراءات العسكرية”.
يرجح المحلل في قضايا الهجرة حذيفة كمال الدين في حديث لـ(عاين)، عدم قدرة القوانين على الحد من تدفقات المهاجرين أو عملية الاتجار بالبشر قائلا إن المجتمع الدولي نفسه هو الذي يشجع على التسلل إلى أوروبا أو طلبات اللجوء لدى مكتب الهجرة الأمريكي بسبب الاضطرابات الأمنية والأزمة الاقتصادية في غالبية الدول الأفريقية.
ويرى كمال الدين أن مشروع القانون الذي ابتدره السودان منذ العام الماضي فيما يتعلق بسن قانون جديد لمكافحة الاتجار بالبشر لن يؤدي إلى حل الأزمة دون هيكلة ملموسة للقوات الأمنية والعسكرية والتي تعد جزء من القضية لضعف التدريب وعدم كفاءة التحقيقات وفقدان مكاتب الشرطة للتطور المطلوب في التعامل مع الضحايا والمهربين.
ويرى كمال الدين أن تعامل السلطات الأمنية والشرطية مع قضايا الاتجار بالبشر تفتقر للاحترافية والكفاءة والشفافية ومنح الحقوق الكافية للضحايا والمهربين.
لم تمنع الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة السودانية منذ العام 2016 من تدفق المهاجرين نحو أوروبا عبر الصحراء وهم ينطلقون بالقوارب المطاطية من السواحل الليبية في المتوسط.

"قانون مكافحة تهريب البشر".. أوروبا تدفع السودان إلى تعديلات جذرية
العصا والجزرة
كما أن السودان بحسب محللين في قضايا الهجرة يتعامل بطريقة “العصا والجزرة” مع أوروبا خاصة وأن ملف مكافحة الهجرة والاتجار بالبشر يقع تحت سيطرة العسكريين والأمنيين في ظل فراغ حكومي طويل الأمد منذ ثلاثة سنوات.
ويعتقد المحلل في العلاقات الدولية أنور عبد الله في حديث لـ(عاين)، أن التصنيف الأمريكي كان مفاجئا للحكومة التي وضعت نفسها كـ”حليفة الغرب” لمكافحة الهجرات وعمليات الاتجار بالبشر.
وأضاف: “ربما إعتقدت الخرطوم أنها ستحصل على دعم أمريكي جراء إحراز تقدم في التقرير الذي يصدر في شهر يوليو من كل عام لكن التصنيف قلل من الإجراءات السودانية”.

محلل: المهربون ينقلون البشر والسلاح والمخدرات والآثار والأطفال في قافلة واحدة

ينوه عبد الله إلى أن مشروع قانون الجديد يحتوي على عقوبات رادعة بحق مهربي البشر وهي عمليات متكاملة فإلى جانب تهريب البشر تعمل “منظمات غير شرعية تمتد من الصومال حتى الصحراء الليبية على تهريب السلاح والمخدرات والأطفال والبشر والأعضاء البشرية”.
ويرى هذا المحلل في العلاقات الدولية أن الدول أصبحت تتخوف من هذه العمليات لذلك فإن القوانين التي تضعها البلدان المعنية بمكافحة تهريب البشر تجعلها شاملة لمكافحة تهريب المخدرات والسلاح والأطفال والأعضاء البشرية والآثار.

"قانون مكافحة تهريب البشر".. أوروبا تدفع السودان إلى تعديلات جذرية
عرض المسودة على الأوروبيين
ويقول مسؤولون من الاتحاد الأوروبي في البعثة التي تقيم بالعاصمة السودانية إن الخرطوم يجب أن تبدأ تحركات مكثفة للتضييق على المنظمات غير الشرعية التي لديها امتدادات إقليمية.
وخلال الشهر الماضي تبادل السودان ومسؤولون في بعثة الاتحاد الأوروبي بالخرطوم نقاشات بشأن مسودة القانون الجديد للاتجار بالبشر حيث عرض السودان المسودة على الاتحاد الأوروبي باعتباره مهتما بهذا الملف الذي يقلق بروكسل بشدة.

يتوقع محلل تزايد معدلات وتجارة البشر في دول السودان وارتريا وإثيوبيا نتيجة نقص الغذاء والبطالة والاضطرابات

ويقلل المحلل في قضايا الهجرة حذيفة كمال من الإجراءات القانونية رغم أنه يتوقع إدراج عقوبات رادعة تصل إلى الإعدام والسجن المؤبد بشأن مهربي البشر والشبكات الإجرامية الممتدة من الصومال وحتى الصحراء الليبية لكنه في ذات الوقت يعتقد أن هناك دوافع تزيد من معدلات تجارة البشر والهجرات نحو أوروبا أو طلبات اللجوء إلى الولايات المتحدة الأميركية أو إلى الدول العربية.
من الأسباب التي يضعها هذا المحلل ضمن عوامل تزايد معدلات الهجرة وتجارة البشر الاضطرابات الأمنية جنوب إثيوبيا قائلا إنها قد تدفع نحو ربع مليون إثيوبي من إقليم التقراي لطرق أبواب السودان شرقا ومن ثم التخطيط للهجرة للفرار من “جحيم الحرب ومخيمات اللجوء”.
وأردف: “السودانيون أيضا زادت رغبتهم في الهجرة لذلك فإن أي أرض خصبة للهجرة تجعل ممكنا ظهور تجارة البشر لأن العديد من المهاجرين تحولوا إلى ضحايا لمهربي وتجار البشر بسرقة الأعضاء أو الاستغلال أو القتل أو المساومة المالية”.
زيادة معدلات الهجرة
يتوقع كمال الدين أن تضطر أوروبا إلى تقديم مساعدات تنموية لإثيوبيا لوضع حد للاقتتال في إقليم التقراي حتى لا يؤدي إلى كثافة اللاجئين نحو السودان المعبر الى المتوسط.
وأضاف : “في إستطلاع لمنظمات عاملة في مخيمات اللاجئيين شرق السودان يخطط كل أربعة أشخاص للهجرة من بين خمسة أشخاص”.
أحصت السلطات السودانية نحو 40 ألف مهاجر عبر الصحراء الليبية خلال العامين الماضيين بحسب ما صرح مصدر حكومي من وزارة العدل السودانية لـ”….” مشترطا حجب اسمه لحساسية الأمر.
يقول هذا المسؤول في معرض رده على سؤال عما إذا مشروع القانون الجديد الخاص بتجارة البشر سيؤدي إلى تغييرات في العملية التي تثير قلق الأوروبيين والأمريكيين يقول إن القوانين عامل من عوامل مكافحة تجارة البشر ورغم أن السودان مؤهل للعب دور إيجابي مع بقية الدول لكن عدم الاستقرار السياسي يعرقل الجهود الحكومية.

يتضمن مشروع القانون الجديد عقوبات رادعة تصل الى الاعدام بحق المهربين

وقال هذا المسؤول إن “السودان يعد معبرا رئيسيا” لمهربي البشر إلى ليبيا حيث تبدأ عملياتهم من الصومال وإريتريا وإثيوبيا وتطورت الجريمة لتهريب السلاح والمخدرات والآثار والبشر “حزمة واحدة” لجني أموال طائلة.
وتابع: “لا يمكن دخول ليبيا عبر تشاد لأن جنوبها تتخذها المعارضة المسلحة إلى جانب القوات الفرنسية لذلك السودان معبر رئيسي في السنوات الأخيرة”.

"قانون مكافحة تهريب البشر".. أوروبا تدفع السودان إلى تعديلات جذرية
ويعتزم السودان بحسب هذا المسؤول طلب “حزمة مساعدات” من الاتحاد الأوروبي تتعلق بمكافحة تجارة البشر وضبط المهربين وخفض تسلل المهاجرين عبر الصحراء الليبية إلى المتوسط إلى 50% العامين القادمين.
وأقر هذا المسؤول أن المسودة تتضمن والتي ناقشتها اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر “هيئة حكومية من أمنيين وعسكريين ومسؤوليين” عقوبات رادعة بحق مهربي البشر تصل إلى الإعدام ومصادرة الأصول والسجن المؤبد وإعادة الضحايا إلى بلدانهم مع ضمان عدم تعريض الضحايا للمخاطر حينما يتم ضبط تسللهم أو تنقلهم.
وفي ظل غياب السلطة التشريعية والتنفيذية المعترف بها في السودان أو التي تحظى بتوافق كبير بين السودانيين منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي فإن المصادقة على القانون الجديد لمكافحة تهريب البشر قد يواجه بـ”نوع من التمييع” حسبما يقول المحلل في العلاقات الدولية أنور عبد الله.

يحذر محلل من “تمييع القانون” حال إجازته بلا سند دستوري

يرى عبد الله أن المسودة الجديدة الآن قيد التداول لكنها لن تجاز قبل تشكيل سلطة تنفيذية ووضع سلطة تشريعية بالتوافق السياسي أي كانت شكلها لذلك اتوقع “تمييع بنود هذا القانون” خاصة أحكام الإعدام حال وضعه دون سند دستوري بواسطة سلطة تحظى بالشرعية قائلا إن “السلطة الحاكمة” غير مؤهلة لوضع مسودة القانون الجديد إلا إذا كان الأوروبيون والغربيون يدفعون الخرطوم لصياغة قوانين “بأي ثمن” لمصالحهم فقط .
توقعات العام الماضي أشارت إلى أن نصف مليون مهاجر قد يطرقون أبواب أوروبا قبل الأزمة الاقتصادية العالمية في الشهور الأخيرة وفي ظل الاضطرابات التي تعاني منها دول السودان وإرتريا وإثيوبيا والصومال وتشاد فإن هذا العدد مرشح للارتفاع إلى مليون شخص بين عامي 2022 و2023 بحسب المحل في العلاقات الدولية أنور عبد الله ومع ذلك فالقوانين وحدها لن تنهي هذه الأزمة.