الاتهام في مواجهة(كوشيب) أمل لضحايا دارفور في تحقيق العدالة
29 مايو, 2021
“لقد جاؤوا ليلاً إلى دليج وبدأوا في إطلاق النار على الناس واعتقالهم، وحرق المنازل بعشوائية – قُتل أكثر من 150 شخصًا في تلك الهجمات، بما في ذلك النساء والأطفال”. “قُتل بعضهم فوراً بينما تعرض آخرون للاختطاف والتعذيب والإعدام لاحقًا في مركز الشرطة الذي كان تحت سيطرة المهاجمين”.
هكذا يحاول آدم حسين تذكر ماضيه عن أحداث العنف التي عايشها بمنطقته عندما هاجمت المليشيات شبه العسكرية في عهد الرئيس السابق عمر البشير والمعروفة بالـ”الجنجويد” منطقتهم الواقعة بمحلية وادي صالح بولاية وسط دارفور قبل18 عامًا.
ويضيف أنه تمكن من النجاة لكنه يستطيع تذكر تلك الليلة والأيام التالية بوضوح وهو يركض لينجو بحياته بينما يلاحقه الجنجويد. يعيش حسين الآن بمخيم كلمة للنازحين الواقعة بولاية جنوب دارفور، مراقباً جميع التحديثات الإخبارية عن الجلسة الأخيرة التي عقدتها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يوم الأربعاء الماضي ضد علي محمد علي عبد الرحمن المعروف باسم “علي كوشيب” وهو الشخص الذي قاد تلك الهجمات .
قائلاً ” كوشيب قتل الكثير من الاهالي وقد كنا ننتظر هذه اللحظة لسنوات لرؤية العدالة تسير على الطريق الصحيح “.
تأكيد التهم
اختتمت يوم الأربعاء الماضي المحكمة الجنائية الدولية جلسة تأكيد التهم في مواجهة علي كوشيب، وهي الجلسة المعنية بتحديد ما إذا كانت هنالك أدلة كافية لمحاكمته من خلال التهم التي يواجهها بعد الاستماع إلى جميع الأدلة من المدعي العام والممثل القانوني للضحايا، بالاضافة إلى هيئة الدفاع، وسوف يتم اتخاذ القرار النهائي فيما يتعلق بتوجيه التهم في الـ 26 من يوليو القادم.
ومن خلال الجلسات التي بدأت في 24 مايو المنصرم، سيقيّم قضاة المحكمة الجنائية الدولية ما إذا كانت هناك أدلة كافية لإحالة القضية إلى المحاكمة في عملية تُعرف بإجراءات “إقرار التهم”.
كفاح لوقف الحرب
بدأت الجلسة بتوجيه المدعي العام فاتو بنسودة 31 تهمة ضد علي كوشيب بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، زُعمت أنها نفذت في أربع مناطق بولاية وسط دارفور بين عامي 2003 و 2004. وقالت بنسودة للمحكمة خلال كلمتها الافتتاحية: “إن ارتكاب هذه الجرائم تشير لوجود رغبة وحيوية في ارتكاب هذه الجرائم من قبل كوشيب”.
ولا يزال المواطنون في منطقة دارفور عقب مرور 14 عامًا من صدور أول مذكرة اعتقال بشأن الوضع في دارفور يكافحون لوضع حد للدمار الذي سببته هذه الأحداث لقرى بأكملها. كما لا يزال العديد من سكان هذه القرى المستهدفة يعيشون في مخيمات للنازحين واللاجئين “.
وعلى الرغم من أن السودان لم يوقع على ميثاق روما الأساسي للسماح للمحكمة الجنائية الدولية بالولاية القضائية داخل البلاد، تابعت المحكمة الجنائية قضية دارفور بعد أن تلقت إحالة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2005. بموجب قرار مجلس الامن رقم 1593 وقد أصدرت المحكمة أمرين بالقبض على عمر البشير بشأن خمس جرائم ضد الإنسانية (القتل العمد، الإبادة، النقل القسري، التعذيب والاغتصاب) وجريمتي حرب (تعمد الهجوم على السكان المدنيين والنهب) وثلاث جرائم إبادة جماعية ادعي ارتكابها بحق جماعات عرقية هي الفور والمساليت والزغاوة في الفترة بين عامي 2003 و2008.
والجدير بالذكر أن حملة القمع الوحشية التي شنها النظام السابق ضد حركات الكفاح المسلح في دارفور في العام 2003م أدت إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والتي تستمر في بعض المناطق حتى الآن. وكان الرئيس السابق عمر البشير قد طرد أعضاء من المحكمة الجنائية بإجراءات موجزة من السودان في أواخر عام 2007 بعد توجيه اتهامات ضده وأربعة آخرين ، مما حد من قدرة المحكمة على جمع الأدلة الكافية المتعلقة بالجرائم التي ارتكبها النظام السابق في دارفور.
وقالت بنسودا بقاعة المحكمة: “لقد شاركت في هذه القضية منذ بداية التحقيق عن الأوضاع في دارفور في يونيو من العام 2005”. واضافت “إنه لشرف عظيم لي أن أكون حاضرًا هنا اليوم اثناء وقوف أحد المشتبه بهم في جرائم الحرب بدارفورأخيراً أمام المحكمة ليواجه عدالة مستقلة ونزيهة. كما أعربت عن خالص احترامها وإعجابها بشجاعة وصبر وصمود ضحايا دارفور، الذين انتظروا طويلا حتى يأتي هذا اليوم “.
انتظار العدالة
يقول عثمان موسي والذي يقيم بمعسكر كلمة للنازحين لـ(عاين)أنه كان ينتظر على ما يبدو مدى الحياة لهذا اليوم ، بعد أن فقد الثقة في المحاكم التي تجري داخل السودان.
وقد فر موسى من قريته في ولاية وسط دارفور، أرغولا، في العام 2003 بعد أن هاجمت قوات كوشيب قريته وقتلت 11 شخصًا. والذي لا يزال باستطاعته تذكر أسمائهم – كان العديد منهم جيرانًا له. قائلاً ” أنه يجب محاكمة [كشيب] خارج السودان لأنه يشكك في نزاهة القضاء السوداني في تحقيق العدالة “.
ويمثل علي كوشيب القضية الأولى للمشتبه به من دارفور والمتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تلك التي تُعرض أمام المحكمة. وعلى الرغم من تولي حكومة انتقالية السلطة بعد الإطاحة بالبشير في عام 2019 ، لم تتمكن من محاكمة أي شخص على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في السودان.
ويقول فادي العبد الله، المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية “من وجهة نظرنا، هذه القضية مهمة لأنه تم ارتكاب جرائم خطيرة للغاية ويستحق الضحايا معرفة أن العدالة ستتحقق”. ويرى أن معرفة الحقيقة هو الحجر الأول في بناء سلام دائم “.
وبالنسبة للكثيرين في دارفور ، كانت الظروف الحالية أفضل لحداً ما منذ أن تولت الحكومة الجديدة السلطة – على الرغم من غياب العدالة و انعدام الأمن. وقد أفادت تقارير الأمم المتحدة أن في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 ، نزح ما يقرب 237 ألف شخص بسبب الصراع في دارفور – أي أكثر من أربعة أضعاف عدد النازحين البالغ 58 ألفًا بسبب الصراع في عام 2020.
الإجرام الجماعي
أحد التحديات الرئيسية التي تواجه رفع قضية ضد جرائم الحرب في دارفور هو التعرف على آراء عدد لا يحصى من الضحايا. ويقول فيليب أمباوش، رئيس قسم مشاركة الضحايا والتعويضات في المحكمة الجنائية الدولية، وهي وحدة مصممة خصيصاً لتزويد الضحايا بإمكانية الوصول إلى المحاكم للتمثيل: “إنها واحدة من أكبر القضايا التي نظرنا فيها، فيما يتعلق بحجم الصراع ، فهو شيء ضخم ، صراع يكون لديك فيه عناصر من الإبادة الجماعية”.
و تم تصميم قسم مشاركة الضحايا في المحكمة الجنائية الدولية لإظهار الآثار طويلة المدى للجرائم المرتكبة. ويقول أمباش لـ(عاين) “على سبيل المثال، ضحية اغتصاب في المحكمة، من المهم أن يقوم الادعاء بتوثيق وقوع الاغتصاب ومع ذلك، من الضرورة معرفة ماذا يعني هذا الاغتصاب بالنسبة للضحية وما الذي لا يزال يعنيه. هنا أنت تنظر إلى عالم مختلف تمامًا من الألم “.
روايات الضحايا
بينما كان يبلغ محمد حسين الأحمر من العمر 12 عامًا فقط ، يتذكر بوضوح الهجوم الذي نفذه علي كوشيب ومليشياته العسكرية على قريته بولاية وسط دارفور وأجبروا الناس على النزول بحفرة. ويقول “لقد جمعوا الكثير من الناس. رأيته [علي كوشيب] ، كان يتجول حول رؤوسهم حيث أُجبروا على الاستلقاء]- إذا تحركوا ، كان يضربهم ويطلق بعض الاوصاف و الإهانات العنصرية مثل أسود ، أو عبيد ، إلخ، مما أدى إلى مقتلهم جميعًا.. “
مثل العديد من النازحين الآخرين في دارفور ، نزحت حنان حسن بخيت مرارًا وتكراراً هرباً من هجمات الجنجويد والجماعات التابعة لها. وقالت حنان حسن لـ (عاين): “أريد أن أقول إن ما فعله كوشيب يؤثر علينا حتى اليوم”. لقد طردنا من أراضينا، ونحن الآن نعاني في المخيمات ، والناس نسوا أسماءنا وببساطة يسموننا “النازحين” – على الرغم من حقيقة أن هذه بلادنا وهذه هي دارفور “.
وتضيف حنان حسن إنها انتقلت من كونها مالكة أرض تعيش حياة هادئة نسبيًا إلى فقيرة في مخيم كلمة للنازحين، حيث أصبح أملها الوحيد هو رؤية مستقبل أفضل لأطفالها. “لقد تركنا أراضينا ورائنا ، ولم نحمل سوى أبنائنا وبناتنا على ظهورنا. فعلنا الكثير من أجلهم لتسجيلهم في الجامعات لكنهم قتلوهم أيضًا بينما يواصلون الدراسة – يقتلونهم ويلقوا بهم على مجرى النيل “.
وتقول باولينا مسيدا ممثلة الضحايا في المحكمة بصفتها المحامي الرئيسي في هذا الشأن ” استمعت إلى عدد لا يحصى من شهادات الضحايا المرتبطة بقضية علي كوشيب. ” أن اهتمامهم الرئيسي هو الاستماع لسرد القصة”. وقالت: “بدأوا جميعاً بوصف قوات الجنجويد القادمة من بعيد والخوف”. مضيفة ” أن أول شيء يفعله [الجنجويد] هو نهب القرية وفصل الرجال عن النساء – حيث يتعرض الرجال للتعذيب أو القتل بينما يتم أغتصاب النساء غالبًا .
وتقول مسيدا ” إن إعادة سرد قصص الضحايا خارج قضية المدعي العام أمر بالغ الأهمية لإحساس الضحايا بالعدالة وللتأكيد على عدم استمرار معاناة هؤلاء الضحايا من جرائم الماضي.
الخطوات التالية
في حين أن جلسات المحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع شجعت العديد من المتضررين من هجمات علي كوشيب المزعومة ، هناك سؤال واحد حائر يشترك فيه العديد من النازحين بسبب النزاع في دارفور: ماهو مصير المشتبه بهم الأربعة الآخرين في المحكمة الجنائية الدولية – على وجه الخصوص، الرئيس السابق عمر البشير.
“نعم محاكمة [كشيب] أمر جيد ، لكن ماذا عن الآخرين؟” تتسأل انتصار الحاج، وهي أم نازحة بسبب النزاع وتقيم في مخيم كلمة. وتقول ” نعم كانت هناك الكثير من التعهدات بأن هؤلاء الناس سيواجهون العدالة ، لكنها مجرد كلمات – إلى متى يجب أن ننتظر بالكلمات فقط.” وكانت الحكومة الانتقالية قد تعهدت في وقت سابق بتسليم البشير والمشتبه بهم الثلاثة الآخرين إلى المحكمة الجنائية الدولية ، لكن لم يتم التوصل إلى شيء حتى الآن.
إلى جانب هذه التساؤلات أقرا الناطق باسم المحكمة الجنائية الدولية العبد الله بأن العمل مع الحكومة الحالية كان أسهل بكثير من العمل مع النظام السابق قائلاً “إنه ليس نفس الموقف، موضحاً أن موضوع العدالة دائمًا على أجندة [الحكومة الانتقالية] – لكننا نأمل في المزيد من الإجراءات الملموسة.”
كما أن هناك دلائل تشير على أن هذه القضية الحالية ربما تكون قد أثرت على المحاكم الوطنية لاتخاذ إجراءات معينة لدعم العدالة الانتقالية. وقد قامت محكمة سودانية ، يوم الاثنين الماضي، بمحاسبة ضابط يتبع لقوات الدعم السريع، عن مقتل أحد المتظاهرين. وقضت المحكمة بإعدام الضابط محي الدين الفكي الذى صدم أحد المتظاهرين بسيارته أثناء تفريق قوات الأمن اعتصاما خارج المقر العسكري في العام 2019. بامدرمان وكان المتظاهر حنفي عبد الشكور من بين أكثر من 120 شخصًا قُتل خلال حملة القمع الوحشية التي جرت عقب سقوط نظام البشير المخلوع والذي تزامن من فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو 2019 م.
كما فتح القضاء السوداني محكمة خاصة يوم الاثنين الماضي للنظر في قضايا ضحايا ثورة ديسمبر. وبحسب ما ورد تلقت المحكمة المنشأة حديثًا ثماني قضايا من النائب العام تتعلق بقضايا قتل متظاهرين أثناء الثورة. ويقول محمد حسين “بينما لا أثق بالمجتمع العالمي، أنا سعيد بقضية “كوشيب” ونأمل أن يواجه كل هؤلاء المجرمين أحكامًا في القريب العاجل لأنه لا يوجد أحد أكبر من العدالة”.