شبح الجوع يطارد آلاف اللاجئين السودانيين في أوغندا
عاين- 15 مايو 2025
حين وطأت قدماه مخيما للاجئين شمالي أوغندا قادما من مدينة جوبا عبر الطريق البري لمدة 16 ساعة، لم يكن (اسحق إبراهيم 55 عاما) يعتقد أنه يتعين عليه انتظار فترة طويلة للحصول على أغطية بلاستيكية لتحويلها إلى مسكن عائلته التي فرت من حرب السودان.
في مقاطعة “كريان دانقو” شمالي أوغندا يعج المخيم بأكثر من 70 ألف لاجئ سوداني، بينما يتوافد الفارون من حرب السودان بشكل يومي عبر الطرق البرية والمطارات هربا من معارك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أغلبهم عبر جنوب السودان حيث الطرق البرية التي تتيح الوصول إلى أوغندا.
واعتبارا من الأول من مايو 2025 أخطرت مفوضية شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة عبر مكتبها بمخيم كريان دانقو شمالي أوغندا مسؤولي مجتمع اللاجئين بوقف المساعدات بما في ذلك القسائم المالية المخصصة لشراء الطعام.
ولجأ قرابة مائة ألف لاجئ فروا من حرب السودان إلى دولة أوغندا منذ العام 2023، وتستمر موجات النزوح حتى مايو 2025 سيما عبر جنوب السودان، وبينما يقيم الغالبية في مخيم اللجوء شمالي هذا البلد الأفريقي قبل أن تضعهم تطورات الأوضاع بشأن توقف المساعدات الدولية في مأزق العودة إلى بلادهم وفق إفادات اللاجئ السوداني اسحق إبراهيم لـ(عاين).
صفوف الطعام
جاءت مبادرة المطابخ الجماعية بمخيم كريان دانقو في أوغندا منتصف العام 2024 عندما لاحظ المتطوعون اتساع رقعة معاناة اللاجئين السودانيين إزاء نقص الغذاء والفرار من بلدهم بأياد فارغة من المال.
من بين هؤلاء اسحق الذي غادر العاصمة السودانية مطلع العام 2025، وعبر الطريق البري من ولاية النيل الأبيض إلى جوبا ثم إلى المقاطعة الشمالية بدولة أوغندا ليجد نفسه في انتظار أغطية بلاستيكية لأسبوعين إثر تسجيل بياناته في مركز اللجوء.
كان إسحق يحصل على 60 ألف شلن أوغندي لأي فرد من عائلته ما يعادل 18 دولارا أميركيا عندما وصل المخيم في فبراير 2025 يشتري بمجموع المبلغ المخصص لعائلته الحبوب الغذائية لإعداد (العصيدة) ومستلزمات الغذاء.
أخطر مقدمو الخدمة التابعون لمفوضية شؤون اللاجئين اسحق، أن المبلغ سيتوقف نهائيا وهذا التخفيض ناتج عن إلغاء برامج مساعدات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية منذ يناير 2025.
يضيف اسحق لـ(عاين): “نعتمد على حصص قليلة من الطعام خلال اليوم ليس بالإمكان شراء الغذاء بشكل مباشر من المتجر في بعض الأحيان نحصل على وجبة واحدة في بعض الأيام فقط من المطابخ التي يشرف عليها متطوعون سودانيون”. بالنسبة للخيارات التي أمام إسحق اللاجئ السوداني في أوغندا إما الانخراط في العمل إذا وفر له مكتب الأمم المتحدة بالمخيم أرضا زراعية قرب المخيم أو العودة إلى السودان.
توقف الموارد المالية
مخيم “كريان دانقو” بالمقاطعة الشمالية بدولة أوغندا يقع في بلدة غزيرة الأمطار خصصتها السلطات الأوغندية موقعا للاجئين السودانيين الذين تتوافد حافلات نقلهم عبر جنوب السودان وأغلبهم من إقليم كردفان والنيل الأبيض وإقليم دارفور. يشرح موظف بمفوضية شؤون اللاجئين التابعة إلى الأمم المتحدة لـ(عاين) مع عدم نشر اسمه لأسباب إدارية، الأزمات الكبيرة التي تواجه المساعدات المقدمة إلى المخيم، والتي تأثرت لأن جميع البرامج المصممة للعام 2025 فوجئت بقرار وكالة المعونة الأميركية، ولم تكن هناك بدائل أو خطط طارئة.
إلغاء 750 برنامجاً في مجال المساعدات
موظف بالأمم المتحدة
وتابع: “جرى إلغاء 750 برنامجاً في قطاع المساعدات والتمويل الإنساني في عدد من البلدان والتأثير الأكبر وقع على المتضررين من حرب السودان لأنهم بلا خيارات وحلول ولا يمكنهم مع استمرار القتال العودة إلى المنازل”. وقال الموظف: “إزاء هذه التدابير المفاجئة اعتبارا من مطلع 2025 جرى خفض القسائم المالية التي كانت توزع اللاجئين السودانيين بواسطة برنامج الغذاء العالمي إلى مبالغ تتراوح بين 3 إلى 6 دولارات أميركية للفرد شهريا من 20 دولارا قبل خفض المساعدات”.
وأضاف في حديث لـ(عاين): “توقفت 60% من المساعدات لهذا المخيم على خلفية الإجراءات الأميركية، ويشمل هذا الإجراء جميع اللاجئين من الدول الأفريقية بالمخيم، لكن التأثير الأكبر على السودانيين باعتبار أن الفرار من الحرب الأهلية في بلادهم ما زال مستمرا”.
المساعدات انخفضت إلى 10% بالتدرج من 100% منذ مطلع 2025 وإزاء هذه الكارثة، يتعين علينا الاستمرار في إشعال النار لطهي الطعام بالمطابخ الجماعية لمنع الجوع وسط اللاجئين السودانيين
مسؤول بالمخيم
يقول سكرتير المكتب التنفيذي لمجتمع اللاجئين في دولة أوغندا بمخيم كريان دانقو عثمان آدم عثمان لـ(عاين): إن “مساعدات برنامج الغذاء العالمي انخفضت إلى 10% بالتدرج من 100% منذ مطلع 2025 وإزاء هذه الكارثة يتعين علينا الاستمرار في إشعال النار لطهي الطعام بالمطابخ الجماعية لمنع الجوع وسط اللاجئين السودانيين”.
وأشار آدم عثمان، إلى أن مصير 70 ألف لاجئ سوداني بالمخيم أصبح على المحك بسبب انتقالهم إلى مرحلة العدم بالتالي الحرمان من الطعام اليومي مشيرا إلى أن خفض المساعدات بنسبة 60% من الوكالات الأممية بالمخيم أدى إلى تزايد الضغط على 13 مطبخاً جماعياً بالمخيم.
ويعتقد آدم عثمان، أن وكالتي الأمم المتحدة وهما برنامج الغذاء العالمي ومفوضية شؤون اللاجئين تخليتا عن التزاماتهما تجاه اللاجئين السودانيين دون الوضع في الاعتبار أن المنظمات الأممية لا يمكنها أن ترهن المساعدات بتمويل دول محددة. وأضاف آدم: “على الأمم المتحدة أن تعمل على إيجاد حلول جذرية إما بإنشاء مشاريع كسب المال عن طريق الزراعة وتحويل مجتمع اللاجئين بمخيم كريان دنقو إلى منتجين أو البحث عن دولة ثالثة للاستضافة”.
وتابع بالقول: “خصص للفرد في العائلة 10 آلاف شلن أوغندي ما يعادل حوالي 3 دولارات أميركية شهريا”. ويضيف: أن: “شركة اتصال محلية تلاعب موظفيها بالدعومات التي قدمت لـ 13 عائلة سودانية لاجئة بالمخيم، ولم تقدم مفوضية شؤون اللاجئين حتى الآن أجوبة لهذه القضية المثارة من جانبنا”.
ويتابع السكرتير التنفيذي لمجتمع اللاجئين السودانيين بمخيم كريان دنقو بأوغندا عثمان آدم عثمان: إن: “توقف المساعدات لم يمنع تدفق اللاجئين السودانيين إلى المنطقة”. مشيرا إلى أن حافلتين تصلان يوميا، وهي تحمل أعدادا من الفارين من حرب السودان عبر الطرق البرية من عاصمة جنوب السودان.
تسريح موظفين
ويضم مخيم كريان ندقو 17 مربعا سكنيا يستحوذ اللاجئون السودانيون على 11 مربعاً سكنياً، وبينما حصل اللاجئون السودانيون الذين وصلوا العام الماضي على مشمعات بلاستيكية لتحويلها إلى مسكن إيواء، ولم يحصل الأفراد الجدد الفارون من حرب السودان على هذه المساعدات العينية هذا العام؛ بسبب تقليص الأمم المتحدة أعمالها وتسريح 200 من موظفيها بالمخيم.
13 مطبخا جماعيا تعمل بالعون الذاتي
مسؤول بالمخيم
ويقول سكرتير اللجنة العليا للمطابخ الجماعية بمخيم كريان دانقو معاوية الحسن لـ(عاين): إن “مراكز طهي الطعام المجاني للاجئين تعمل بالدعم الذاتي عبر الاعتماد على تبرعات السودانيين في الغالب من داخل وخارج أوغندا”.
وتابع معاوية الحسن: “برنامج الغذاء العالمي أوقف المساعدات بنسبة 0% للاجئين السودانيين ونتيجة هذه الإجراءات نتخوف من ظهور حالات سوء التغذية وسط الأطفال بالمخيم”.
ويقول معاوية: إن “وقف التمويل يتزامن مع انعدام الحلول أمام اللاجئين السودانيين؛ لأن عشرات الآلاف من العائلات بما في ذلك الأطفال والنساء الحوامل يعتمدون على المساعدات الدولية التي انعدمت في الوقت الراهن”.
ويحذر معاوية من تدهور الوضع الإنساني؛ لأن العاملين بالمراكز الطوعية رصدوا مؤشرات على الأرض حول تأثير توقف المساعدات بالنسبة للأطفال والنساء الحوامل.
ويقول:: “العاملون في المجال الإنساني بمخيم كريان دانقو شمالي أوغندا إن الأمم المتحدة تعمل على تخفيف الضغط عن مخيم “نيو مانزي” بإرسال اللاجئين السودانيين إلى المخيم على الرغم من أن توقف المساعدات لا يمنح مبررا لاستقبال مجموعات جديدة من الفارين من حرب السودان”.
موجة نزوح جديدة
توضح العاملة في المجال الإنساني نهلة حسن لـ(عاين) الأسباب التي أدت إلى تقليص المساعدات الأممية في شرق أفريقيا بواسطة مفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي بالأمم المتحدة، وتشير إلى توقف حوالي 120 مليون دولار كانت تضخ من والوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى مجتمعات اللاجئين في شرق أفريقيا سنويا. وترى نهلة حسن، إن الأضرار ستلاحق اللاجئين السودانيين الذين لا يعتمدون على المساعدات الإنسانية والذين يقيمون بالمدن خارج المخيمات بوضع سياسات جديدة من الدول المستضيفة.
توقعات بموجة نزوح جديدة من دارفور وكردفان إلى دول الجوار
عاملة إنسانية
وتابعت: “قلصت الأمم المتحدة فترة اللجوء من خمس إلى ثلاث سنوات بالنسبة لمقدمي اللجوء الجدد القادمين من السودان في مخيم كريان دنقو بدولة أوغندا وهذه السياسات الجديدة وضعت لخفض تقدم اللاجئين في الغالب.
وترى العاملة في المجال الإنساني والمستشارة السابقة في منظمة دولية نهلة حسن، أن انتقال النزاع المسلح إلى إقليم كردفان وإقليم دارفور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سيسفر عن موجة نزوح خارجية إلى دول الجوار التي تشمل جنوب السودان وأوغندا وتشاد.
وأردفت: “هناك توقعات بموجة نزوح جديدة في السودان خلال العام 2025 بنسبة لا تقل عن مليوني شخص من المتوقع أن يلجأ ما لا يقل عن 200 ألف لاجئ سوداني إلى جنوب السودان وأوغندا”.