السودان: أكثر من سبب وراء عدم دخول المساعدات الإنسانية
عاين- 18 فبراير 2024
مع استمرار تعسر وصول المساعدات الإنسانية بات الوضع في السودان يمضي نحو مزيد من الانهيار، بينما يهدد الجوع ملايين السودانيين المحاصرين في ولايات السودان المختلفة بسبب حرب الجيش والدعم السريع.
وأجبرت الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل العام الماضي، نحو 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، ووفقاً للأمم المتحدة. كما أدت إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص.
ويتبادل طرفا الحرب في السودان الإتهامات بشأن عرقلة المساعدات الإنسانية. وسط تحذيرات دولية متتابعة من خطر نقص الغذاء الذي يواجه السودانيين. وكان قائد الجيش قال في 11 فبراير الجاري، “أن المتمردين- في اشارة لقوات الدعم السريع- يقتلون وينهبون ويطلبون من المنظمات الدعم والإغاثة”، الأمر الذي فسر بانه منع وصول المساعدات لمناطق سيطرة قوات الدعم السريع، لكن وزارة الخارجية السودانية سارعت لنفي منع الحكومة إيصال المساعدة إلى بعض المناطق في البلاد.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في السابع من فبراير الجاري أن طرفي النزاع السوداني اتفقا على عقد اجتماع على الأرجح في سويسرا لبحث مسألة إيصال المساعدات الإنسانية، لكن موعده لم يحدد بعد.
أسباب رئيسية
وتقول مديرة العلاقات الخارجية بمنظمة الأغذية العالمية، ليني كينزلي لـ(عاين): “إن الأسباب الرئيسية التي تعيق وصول المساعدات الإنسانية للسودان، تتمثل في القتال المستمر وانعدام الأمن”.
وأكدت أن القيود المفروضة للوصول للمناطق الأكثر تضرراً جراء الحرب، مثل ولاية الخرطوم وكردفان وأجزاء من إقليم دارفور وخصوصاً شمال وجنوب دارفور، أعاقت وصول المساعدات الإنسانية إليها بانتظام منذ بدء النزاع.
وتسيطر قوات الدعم السريع على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور وهي جنوب وغرب ووسط وشرق دارفور، فيما ما تزال ولاية شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر غير خاضعة لسيطرتها بعد أن هددت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان بقتال الدعم السريع حال استهدافه لمدينة الفاشر.
وأوضحت كينزلي، أنهم لا يستطيعون دعم المجتمعات المحلية في ولايتي غرب ووسط دارفور إلا عن طريق الممر الإنساني بالحدود من دولة تشاد.
إلى جانب ذلك، لفتت كينزلي، إلى وجود العديد من العوائق وعمليات التخليص الطويلة التي يتعين على برنامج الأغذية العالمي المرور بها لنقل الأغذية من بورتسودان إلى أجزاء مختلفة من البلاد.
“حركة سير نقل شاحنات الغذاء من المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع أو العكس غير ممكنة”.
مسؤولة في برنامج الغذاء العالمي
وأوضحت أن حركة سير نقل شاحنات الغذاء من المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع أو العكس؛ لم تكن ممكنة بالفعل.
وفي الحادي عشر من مايو العام الماضي، وقع طرفي النزاع في السودان عن طريق واسطة سعودية أمريكية إعلان جدة لحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية والذي كان من المنتظر أن يفضي لوقف دائم لإطلاق النار إلا إنه انهار بسبب الخروقات المستمرة من طرفي النزاع الجيش وقوات الدعم السريع.
والجمعة الماضي، دعا برنامج الأغذية العالمي الأطراف المتحاربة في السودان إلى تقديم ضمانات فورية لإيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى المناطق المتضررة من النزاع.
ولفت إلى أن المواطنين المحاصرين عبر خطوط النزاع يعانون من الجوع دون أن تتمكن المنظمات الإغاثية من الوصول إليهم بالمساعدات المنقذة للحياة.
والأربعاء قبل الماضي الماضي، أطلقت الأمم المتحدة، أمس الأربعاء، نداءً إنسانياً لتوفير 4.1 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً للسكان المدنيين في السودان.
ويواجه السودان إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث ويحتاج الملايين من المواطنين إلى مياه صالحة للشرب والمواد الغذائية الأساسية ومستلزمات النظافة والإسكان.
أوضاع غير آمنة
ويشير مسؤول في المنظمة الدولية للهجرة، إلى إن الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها لا تستطيع أن تتدخل في أوضاع غير آمنة للقيام بمهامها المنوط بها والتي تتمثل في تقديم الدعم الإنساني للمواطنين.
وقال المسؤول في المنظمة الدولية الذي فضل حجب أسمه لـ(عاين): إن “هذا الأمر ينطبق على السودان في الوقت الراهن، خاصة مع استمرار عدم وجود اتفاقية لوقف العدائيات أو تأمين مسارات خاصة لوصول المساعدات الإنسانية بين طرفي النزاع، الجيش وقوات الدعم السريع”.
وأكد على أنه حال عدم وجود مسارات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية فإن الأمم المتحدة تقوم بإنشاء شراكات مع المنظمات الوطنية والمحلية، وهو الأمر الذي قد يكون غير مستوفٍ لطرق وشروط كيفية وصول وتوزيع المساعدات الإنسانية بسبب عدم النزاهة في بعض الأحيان. مع التأكيد على وجود منظمات وطنية أخرى تتمتع بقدر كبير من الأمانة والنزاهة.
“في حال وجود مسارات إنسانية آمنة متفق عليها فإن عملية تسرب المساعدات الإنسانية، أمر متوقع أيضاً”.
مسؤول في منظمة دولية
وأضاف: “علينا أن نعرف أنه في حالة وجود مسارات إنسانية آمنة متفق عليها فإن عملية تسرب المساعدات الإنسانية، أمر متوقع أيضاً”.
وحول النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل توفير 4.1 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً للسكان المدنيين في السودان.
فإن المسؤول بمنظمة الدولية للهجرة يقول: “حال توفير هذا المبلغ أو جزء منه سيكون هناك تسرب للمواد الغذائية والصحية، بالاضافة للمعضلات الأمنية المتمثلة في عدم تأمين الطرق والمسارات التي تتحرك عبرها شاحنات النقل للوصول للموزعين”.
وتابع: “اذا وصلت مواد المساعدات الإنسانية للموزعين فإنه سيكون من الصعب توزيعها بسبب المخاطر المتوقعة في الطرقات”. ولفت إلى أن هناك معضلات أخرى تتمثل في عدم توفر مخازن لحفظ المواد الغذائية مما يجعلها قابلة للتلف السريع.
كما أشار إلى أن انعدام أو شح الوقود المستخدم في تشغيل شاحنات النقل يمثل معضلة أخرى أمام توزيع المساعدات الإنسانية للمواطنين الموجودين في مناطق متفرقة في السودان.
وأكد المسؤول في المنظمة الدولية، أن حل كل هذه المعضلات لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية هو الوصول لتوقيع اتفاق سلام بين طرفي النزاع وفتح مسارات آمنة محمية بواسطة الطرفين حتى تتمكن المنظمات العاملة في الشأن الإنساني توصيل المساعدات الإنسانية لملايين المواطنين.
وبحسب آخر تحديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان “أوتشا” الخميس، فقد جرى تمويل نداء خطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة للسودان لعام 2024 بنسبة (3.5)% وذلك حتى 12 فبراير 2024.
والثلاثاء، قال القائم بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان، بيتر غراف إن الوضع في السودان بمثابة “عاصفة كاملة” حيث النظام الصحي لا يعمل بشكل جيد، وبرنامج تحصين الأطفال ينهار، والأمراض المعدية تنتشر.
وأعلن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن جريفيث، الثلاثاء، تخصيص 15 مليون دولار من صندوق الأمم المتحدة المركزي للطوارئ لمواجهة أزمة الغذاء في السودان.
وقال جريفيث عبر منصة “إكس” إن ما يقرب من 5 ملايين شخص بالسودان يواجهون الجوع، محذّراً من أن الأمور ستتدهور مع استمرار الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وعمق انقطاع خدمة الاتصالات والإنترنيت في ولايات السودان من مشكلات ملايين السودانيين في ولايات السودان المختلفة، خاصة في المناطق التي تشهد معارك عسكرية مثل ولاية الخرطوم وإقليم دارفور.
توقف أعمال لجان الطوارئ
وكانت الأداة الرئيسية التي تعتمد عليها غرف الطوارئ- وهي مجموعات مدنية تشكلت بعد الحرب لتقدم العون الإنساني- هي تطبيقات التحويلات المالية البنكية- بحسب عضو دعم غرفة طوارئ ولاية الخرطوم، محمد عادل.
الذي قال لـ(عاين):” بسبب توقف خدمة الاتصالات عن ولاية الخرطوم لم يتمكن المتطوعون بغرف الطوارئ من أداء عملهم في توصيل المساعدات الانسانية في محليات الولاية السبعة.
“توقف إنسياب كل الخدمات التي كانت تقدمها غرف الطوارئ للمواطنين”.
عضو غرفة طوارئ ولاية الخرطوم
وتوققت خدمة الاتصالات والإنترنت في مناطق واسعة من السودان، وسط تبادل الاتهامات بين طرفي الصراع بشأن المسؤولية عن ذلك.
وأكد عادل، توقف إنسياب كل الخدمات التي كانت تقدمها غرف الطوارئ للمواطنين. وتابع: “لا نستطيع الوصول للمحتاجين”.
“كانت التحويلات المالية البنكية توجه للمعينات المالية والغذائية وتوفير خدمات المياه والكهرباء وأجهزة توليد الطاقة الشمسية”. يؤكد عضو دعم غرفة طوارئ ولاية الخرطوم. ويشير إلى أن غرف الطوارئ بولاية الخرطوم كانت بصدد توزيع الحقائب الرمضانية، كل هذا النشاط الذي تقوم به غرف الطوارئ توقف الآن بسبب إنقطاع خدمة الأنترنت.
ومع استمرار انقطاع خدمة الاتصلات والأنترنت فإن الأوضاع تتجه إلى الانهيار السريع خاصة على الصعيد الإنساني في عدة ولايات سودانية. بمقابل شكاوى تلقتها (عاين) من لاجئين سودانيين بعدم وصول المساعدات الإنسانية، لاسيما معسكرات شرقي تشاد وجنوب السودان وأوغندا.