انهيار وشيك لمستشفى (النو) يفضح دعاية الجيش الحربية بأم درمان
عاين- 29 مارس 2024
يشهد مستشفى النو في مدينة أمدرمان شمالي العاصمة السودانية تراجع مريع في تقديم الخدمات الطبية للمرضى، وسط انعدام تام لأبسط مقومات الرعاية الصحية بما في ذلك المحاليل الوريدية و”الفراشة”، في واقع قاس يجافي الدعاية الحربية للجيش بعودة الحياة للمدينة بعد إعلانه تحقيق تقدم عسكرياً.
ونقلت مصادر طبية لـ(عاين)، أن المشفى لا يقدم أي علاج مجاني للمرضى، بينما حُوِّلَت الخدمات المتوفرة إلى أعمال تجارية ربحية بحتة بمبالغ طائلة تفوق مقدرة المواطنين الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية طاحنة تحت وطأة الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي.
وبحسب طبيب بمستشفى النو، فإنه حُوِّلَت صيدلية الدواء الدائري الخارجية بالمشفى إلى تجارية ربحية، كما فُرِض رسوم طائلة على العمليات تبدأ من 150 ألف جنيه للإصابات الصغيرة، وتصل حتى 700 ألف جنيه للإصابات الكبيرة، ويضاف إلى ذلك المحاليل، وكل العلاجات الخاصة بالجراحة، وهي مبالغ تفوق مقدرة ضحايا الحرب.
ويقول الطبيب، الذي طلب حجب اسمه خلال مقابلة مع (عاين)، إن “مواطنين مصابين بالرصاص والقصف المدفعي يموتون داخل مستشفى النو لأنهم لا يملكون ثمن العملية الجراحية في ظروف تجافي الضمير الإنساني”.
وسط النيران
ويعد النو، المستشفى الوحيد الذي يقدم خدمته للسكان العالقين وسط نيران الحرب في مدينة أمدرمان، وطوال فترة القتال كان يشرف عليه شباب متطوعون يعملون بشتى السبل لتوفير الأدوية والعلاجات مجانا للمرضى والمصابين، لكن الجيش قام مؤخراً بالاستحواذ عليه وتشغيله بإدارة جديدة، فتحولت خدماته إلى تجارية.
وعقب تولي الجيش إدارة مستشفى النو، انسحب غالبية الشباب المتطوعين وغادروا المنطقة، لكن ما تزال مبادرة شبابية تعمل بجهد عبر مكتب وصيدلية بالمستشفى لسد جزء من النقص وتوفير بعض الاحتياجات الضرورية للمرضى.
وقال الناشط الطوعي بمستشفى النو مؤمن ود زينت في منشور على صفحته بفيس بوك، إن المستشفى يشهد وضعاً سيئ للغاية، وأصبحت صيدلية الطوارئ خالية من الأدوية، وهناك نقص كبير في العلاجات بما في ذلك الفراشات التي تستخدم لحقن المحالين الوريدية، والتي يضطر ذوي المرضى المصابين للبحث عنها في الصيدليات التجارية.
ويشير إلى أن أفراد المبادرة المتطوعين بالمستشفى ظلوا يطوفون على العنابر باستمرار، وهم يوزعون الفراشات على المرضى في محاولة لتغطية العجز، متسائلاً عن دور وزارة الصحة وإدارة المستشفيات والإمداد الطبية، والجهات الإغاثية، وقال: “إذا لم تقدروا على مستشفى النو ارفعوا أيديكم عنه، سنسيره مثلما أدرناه منذ بداية الحرب بالجهد الشعبي والتبرعات.
وبحسب علي آدم وهو متطوع سابق في مستشفى النو والذي تحدث لـ(عاين)، فإن قسم العمليات أصبح استثمارياً بحتاً، وفي السابق كان يتاح للمرضى مقابلة الطبيب الذي سوف يجري العملية الجراحية، والذي يقوم بتخفيض كبير للرسوم، ولكن الآن تم تعين مصلح اجتماعي بالمستشفى يلزم المرضى بدفع كامل الرسوم الخاصة بالعمليات الجراحية، وإلا فلم تجر.
وضع حرج
ويقول آدم: “وفق المعلومات التي وصلتنا من شباب المبادرة في مستشفى النو، فإن الوضع حرج للغاية، وهناك نقص حاد في العلاج، حتى إبر الحقن غير متوفرة، الشيء الذي يستوجب تدخلاً عاجلاً لإنقاذ الموقف”.
وتقول طبيبة في مستشفى النو طلبت حجب اسمها لـ(عاين) إنهم تواصلوا مع وزارة الصحة من أجل توفير الأدوية، لكن الوزارة ردت بأن تشتري المستشفيات العلاجات بمبالغ مالية، وهي بذلك تتنصل عن مسؤوليتها وواجبها الإداري والقانوني.
وتشير الطبيبة، إلى أن الأطقم الطبية في مستشفى النو لم تتلق أي مستحقات طوال ثلاثة أشهر ماضية، بينما يتم تجاهل كامل للكوادر المتطوعة، ولم تُمْنَح أي حوافز مالية، رغم المجهود الكبير الذي يقومون به في سد النقص.
وخلال شهر مضى ينخرط إعلام الجيش السوداني في الترويج لعودة الحياة إلى طبيعتها في مدينة أمدرمان شمالي العاصمة بعد تحقيقه تقدم عسكرياً على قوات الدعم السريع والسيطرة على بعض المواقع الهامة مثل مقر الإذاعة والتلفاز وغيرها.
لكن ما يزال مستشفى النو وهو الوحيد الذي يقدم الخدمات العلاجية للمرضى، يعاني تدهورا مريعا ونقصاً في أبسط مقومات الرعاية الطبية، رغم وجود مسارات مفتوحة يمكن أن تصل عبرها المساعدات الطبية، هذا فضلاً عن تردي الخدمات الأخرى مثل الكهرباء ومياه الشرب والاتصالات وغيرها من مطلوبات الحياة.