هل يتخلى (حميدتي) فعلياً عن السلام؟
عاين- 21 أكتوبر 2024
يشهد السودان تصعيدًا في النزاع المسلح منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، حيث تتواصل الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
في سياق هذه الحرب الدائرة، أطلق قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، خطابًا مثيرًا للجدل، حيث هدد بزيادة التصعيد العسكري واستعداد قواته لجلب مليون مقاتل لتعزيز صفوفهم. وتزامن تصريح حميدتي، مع إعلان الجيش سيطرته على جبل موية.
فهل تخلّى “حميدتي” عن مسار السلام والمفاوضات، عقب خطابه الأخير وتهديده بالتصعيد العسكري واستعداده لجلب مليون مقاتل؟ أم أن تصعيده الخطابي يمثل مجرد أداة ضغط لتحفيز الأطراف الأخرى على العودة إلى طاولة الحوار.
في ذلك، تقول المحللة السياسية، خلود خير، إنه ليس هناك أدلة كافية على أن “حميدتي” كان يمضي أصلاً في طريق “سلمي”.
واعتبرت أن حميدتي، كان يستغل الوساطات خلال موسم الأمطار لكسب الوقت، حتى يبدأ موسم الجفاف، وتتمكن قواته من مواصلة توسيع أراضيها.
ولفتت خير، إلى أن قوات الدعم السريع، بوصفهم جيشًا شبه نظامي، لا يمكنهم التوسع كثيرًا خلال موسم الفيضانات.
ووفقا لخير كان من المتوقع أن تعلن قوات الدعم السريع عن هجمات جديدة على القضارف والنيل الأزرق بعد انتهاء موسم هطول الأمطار “في هذا الوقت تقريبًا”. والآن، ترغب قوات الدعم السريع في إظهار قدرتها على استعادة الأراضي التي خسرتها، مهما كانت صغيرة.
وبناء على ذلك تقول المحللة السياسية خلود خير،: لذا، سيتعين على الدعم السريع شن هجمات مضادة في المناطق التي حققت فيها القوات المسلحة السودانية مكاسب مثل الخرطوم وسنار، الأمر الذي من المرجح أن يعرض حملتهم في الفاشر للخطر، وهذا هو مقصد القوات المسلحة السودانية.
قوات الدعم السريع ليس لديها أجندة مؤيدة للسلام، على الرغم مما يقولونه. وليس ثمة دليل على أنهم فكروا في مآلات السلام وكيف يمكن تحقيقه في المقام الأول
محللة سياسية
في كل خطاباته، منذ اندلاع الحرب، حرص قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” على إبداء رغبته في وقف الحرب والتفاوض، وفي خطابه التصعيدي الأخير، حاد عن ذلك، مما يرسل تحذيرات من مخاطر متوقعة بتمدد رقعة الحرب أكثر، في ولايات سودانية ما زالت تعتبر آمنة نسبيا.
ليس للدعم أجندة سلام
هنا، تشير المحللة السياسية خلود خير إلى أن قوات الدعم السريع ليس لديها أجندة مؤيدة للسلام، على الرغم مما يقولونه. وتضيف: ليس ثمة دليل على أنهم فكروا في مآلات السلام وكيف يمكن تحقيقه في المقام الأول.
خلود توضح بأن الدعم السريع، كانوا سعداء بالانضمام إلى المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة والولايات المتحدة في يوليو وأغسطس على التوالي، لأنهم يبذلون قصارى جهدهم لإظهار أن قواتهم يمكن أن تكون بديلاً للقوات المسلحة السودانية. والمشكلة هنا هي أن القوات المسلحة السودانية غير قادرة على إظهار أنها فكرت في طريق السلام على الإطلاق، خاصة من خلال عدم حضور محادثات جنيف.
وأردفت خير “لكن حضور الدعم السريع المحادثات، بينما لم تحضر القوات المسلحة السودانية لا يكفي دبلوماسيًا لتكون قوات الدعم السريع بديلاً للجيش.
وأضافت: سوف تنسحب قوات الدعم السريع من المحادثات مثلما فعلت القوات المسلحة السودانية، فالعنف محاكاة ويجر بعضه بعضًا.
وأكدت قائلة: الذي يحدث هو أن أيًا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تبدو مستعدة للمشاركة الصادقة في محادثات السلام.
تتجه الأنظار نحو موقف قوات الدعم السريع من المبادرات السلمية المستقبلية في ظل استمرار النزاع. قد تستمر القوات في اعتماد النهج العسكري أو تقبل بمبادرات السلام، وهو ما سيحدد مصير الصراع في السودان.
وفي ذلك، تقول المحللة السياسية، خلود خير، إن قوات الدعم السريع العام الماضي تعرضت لضغوط كبيرة لوقف بعض تقدمها بعد أن ارتكبت قواتها فظائع في المناطق التي سيطرت عليها، خاصة في غرب دارفور والجزيرة وسنار.
وبحسب خير، فليس من المرجح أن تستمع الدعم السريع، إلى أي من هذه النداءات هذه المرة، الأمر الذي يعرض العديد من المدنيين للخطر.
وأضافت: ومع انتهاء موسم الأمطار، وما لم توسع قوات الدعم السريع قدراتها الجوية، فلن يكون أمامها إلا التفكير في إجراء محادثات مرة أخرى، أما إذا حصلت على قدرات جوية، فمن المرجح أن يكونوا في وضع مماثل للجيش السوداني؛ ومن ثم لن يلتزموا بأي محادثات.
وأردفت: لكن مثل هذا الوضع الذي تتمكن فيه كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من القصف الجوي على نطاق واسع سيعرض المدنيون للخطر بشكل كبير.
أداة ضغط
تراجع حميدتي عن الخطاب الذي ينحو جهة السلم وإعلانه مواصلة القتال يأتي في سياق الضغوط العسكرية والسياسية الحالية. وبعد إبداء رغبته في السلام، يكشف خطاب “حميدتي” الأخير عن تحول واضح في استراتيجية قوات الدعم السريع، إذ تبتعد عن الخطاب السلمي. هذا التوجه من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد الصراع، مما يعقد الوضع في السودان بشكل أكبر.
حول ذلك، فإن الخبير العسكري، عمر أرباب، لا يعتقد أن “حميدتي” قد تراجع تمامًا عن مسار التفاوض. ويرى أن إظهار الدعم السريع لعدم الرغبة في التفاوض والاتجاه للعمل العسكري يعتبر إحدى أدوات الضغط لإجبار القوات المسلحة للذهاب إلى عملية للتفاوض.
ولفت أرباب إلى تهديد “حميدتي” تكمن خطورته في محاولة إثبات هذا التصريح على الأرض عن طريق زيادة العمليات العسكرية وتوسيع رقعتها.
الخطاب التصعيدي تجاه دول أخرى يؤكد أننا قد نمضي في اتجاه تصعيد أسوأ للحرب
خبير عسكري
وبالإشارة إلى لذات خطاب “حميدتي” الأربعاء قبل الماضي، الذي كان فيه الاتهامات للقاهرة باستخدام الطيران المصري إلى جانب الجيش، يشير المحلل العسكري، عمر أرباب، إلى الخطاب التصعيدي تجاه دول أخرى يؤكد أننا قد نمضي في اتجاه تصعيد أسوأ للحرب.
أشار أرباب إلى أن تغير موقف “حميدتي” ناتج عن عدم رغبة الجيش في التفاوض. وبهذا، فإن خطاب قائد الدعم السريع يهدف إلى إيصال رسائل تفيد بأنه إذا كان الجيش لا يرغب في التفاوض والانخراط في العملية السياسية، فإن الدعم السريع يطالب بالتفاوض ليس من موقع الضعف، بل من حرصه على حياة المواطنين، كما يكرر دائمًا. يُعتبر ذلك جزءًا من التكتيكات العسكرية، مما يفضي إلى تصعيد المعارك.
يشير أرباب، إلى أن قوات الدعم السريع تواجه حالة من الضعف والضغط الدولي. وأكدت أن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت ضد المواطنين أسهمت في فقدانها الكثير من القبول الداخلي، مما أدى إلى توسيع دائرة الأعداء. ومع مرور الوقت، ستزداد عمليات المقاومة ضدها، مما يزيد تضييق الخناق عليها.
وبحسب أرباب استطاع الجيش جذب الدعم والحصول على الأسلحة، حيث تمثل السلطة الفعلية رغم الجدل حول شرعيتها. ومع تعامل المجتمع الدولي معها كسلطة أمر واقع، يمتلك الجيش القدرة على تأمين السلاح والتمويل من خلال سيطرته على موارد الدولة.
وتابع: في هذا السياق، يسعى الدعم السريع إلى الضغط على حكومة بورتسودان عبر منع الصادرات، بهدف تعزيز الضغط على الجيش.
وأضاف الدعم السريع أنه سيقبل أي عملية تفاوضية؛ نظرًا لخسارته على الأصعدة العسكرية والاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، سيكون لهذا القبول سقف محدد من المطالب، حيث لا يُرجَّح أن يتنازل عن التضحيات والخسائر التي يعتبر أنه قدمها في سياق الصراع.
يقول محمد تورشين، الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية، إن تصريح حميدتي الأخير، الذي تخلّى فيه عن المفاوضات، يهدف إلى ممارسة ضغط إعلامي وسياسي على الحكومة السودانية والجانب المصري، أكثر من كونه إعلانًا عن خطة جديدة.
تفاصيل الحرب والشئون العسكرية ستبقى سرية، مما يعني أن التراجع عن المفاوضات لا يعكس الرغبة الحقيقية لحميدتي
باحث
ويشير إلى أن تفاصيل الحرب والأمور العسكرية والتكتيكية ستبقى سرية، مما يعني أن التراجع عن المفاوضات أو عدم الانخراط في عملية السلام لا يعكس الرغبة الحقيقية لحميدتي.
من أجل النفوذ
ويضيف تورشين “أعتقد أن الدعم السريع هو الأكثر حرصًا على إجراء المفاوضات، وليس بدافع الرغبة في السلام أو استقرار السودان، بل لحماية ما تبقى له من إمكانات ونفوذ، خاصة مع تعزيز حكومة السودان لقدراتها العسكرية، بما في ذلك الطائرات المسيرة والسيارات المصفحة.”
ويتابع “لا أرى أن الأمر مرتبط برغبة حميدتي في السلام. بل إن حديثه عن التفاوض يعكس وعيًا بخطورة الوضع؛ فإذا استمرت الحرب بهذه الوتيرة، سيكون هو الخاسر الأكبر، وسيفقد كل ما يمتلكه الآن.”
وفيما يتعلق بتغير موقف “حميدتي” الذي كان يظهر في السابق رغبة في السلام، يشير تورشين إلى أنه لا شيء قد تغير. ففي بداية الحرب، كانت لدى الدعم السريع قوات وقدرات تمكنه من تغيير أنظمة حكم في العديد من الدول الإفريقية. لكن حاليًا يسعى إلى تحقيق مكاسب تتمثل في عودته وقواته كقوة منفصلة عن المؤسسة العسكرية.