أوبئة الخريف تفتك بالسودانيين

عاين- 29 أغسطس 2024

أكثر من 500 يوم منذ أن اندلعت حرب السودان التي خلفت آثارا كارثية، من حيث الانتهاكات التي طالت المواطنين، ومن حيث الأعداد الكبيرة للنازحين داخليا واللاجئين إلى دول الجوار.

وبينما يواجه السودانيون هذه الأزمات مجتمعة، فإنهم يواجهون أيضاً تحديات صحية جديدة في ظل تدهور بيئي وصحي متزايد، بسبب السيول والأمطار التي أدت إلى تفشي الأمراض الوبائية الخطيرة مثل الكوليرا وحمى الضنك، إلى جانب أمراض أخرى، غير مألوفة لدى المواطنيين المنكوبين.

وتواجه العاصمة السودانية، وعدد من ولايات السودان الأخرى، تفشيًا ملحوظًا للتلوث البيئي، الذي تفاقم بسبب العمليات العسكرية الجارية، بين الجيش وقوات الدعم السريع.

أوبئة الخريف تفتك بالسودانيين
أوبئة الخريف تفتك بالسودانيين

تراجع  

وتراجعت مكاتب الصحة إلى مناطق سيطرة الجيش، التي هي أيضا غير محصنة من تأثيرات الأوبئة والأمراض.

وحتى الأربعاء، بلغ العدد الإجمالي لحالات الإصابة بالكوليرا 1223 حالة، وفقا لوزارة الصحة الاتحادية. وبلغ إجمالي الوفيات 48 حالة وفاة.

تأثيرات كارثية للأمطار والسيول على 50 محلية و440 منطقة في 10 ولايات سودانية

غرفة طوارئ الخريف

وكشفت غرفة طوارئ الخريف الاتحادية في اجتماعها الدوري، الأربعاء، عن تأثيرات كارثية للأمطار والسيول على 50 محلية و440 منطقة في 10 ولايات سودانية.

وبحسب الغرفة، سجلت ولايتا كسلا والقضارف 128 حالة جديدة بالكوليرا، بواقع 87 حالة في كسلا و41 حالة في القضارف، مع وفاة 8 مرضى (4 في كل ولاية). ولفتت الغرفة، إلى أن هذه الأرقام تشير إلى انتشار سريع للمرض وضرورة تدخل عاجل.

وسبق ووصف الرئيس الدولي لمنظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، الوضع الصحي في السودان بأنه الأسوأ على الإطلاق. كما لفت إلى أن أكثر من 70% من المرافق الصحية قد توقفت عن العمل، مما يعمق الأزمة الصحية في البلاد.

وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 15 أغسطس 2024، انتشر وباء الكوليرا في ولايات كسلا، النيل الأزرق، وجنوب كردفان. تم تأكيد إصابة 119 حالة بالكوليرا في معسكرات اللاجئين بولاية كسلا، مع تسجيل خمس وفيات مرتبطة بالمرض.

في 23 أغسطس، حذرت منظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من التحدي الذي يشكله تفش قاتل ثان للكوليرا في السودان.

وأفاد ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان، شبل صهباني بالإبلاغ عن 658 حالة إصابة بالكوليرا مع وقوع 28 حالة وفاة.

وشهد آخر تفش للكوليرا في مايو الماضي أكثر من 11,300 حالة إصابة، و300 وفاة على الأقل. وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

أوبئة الخريف تفتك بالسودانيين

وحذرت منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير عن الوضع في السودان من أن 12 ولاية على الأقل من ولايات السودان الـ 18 تواجه الآن ثلاثا أو أكثر من فاشيات مرض الكوليرا بالإضافة إلى الملاريا والحصبة وحمى الضنك.

وقالت المنظمة إن الموارد والقدرات المحلية للكشف عن حالات تفشي المرض والاستجابة لها لا تزال محدودة، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها مثل ولايات دارفور وكردفان.

ظهور مرض سريع العدوى يُعرف بـ (التهاب الجلد البكيري)

وزارة الصحة الولاية الشمالية

الأربعاء، أعلنت وزارة الصحة بالولاية الشمالية عن ظهور مرض سريع العدوى يُعرف بـ (التهاب الجلد البكيري).

وسجلت الوزارة 260 حالة بهذا المرض، منها 105 حالات في محلية دنقلا، و110 حالات في محلية البرقيق، و45 حالة في محلية دلقو. وُجد أن المرض تفشى مع هطول الأمطار والسيول الأخيرة التي شهدتها الولاية الشمالية.

وتتضمن أعراض المرض الطفح الجلدي على الوجه أو الظهر أو اليدين والرجلين في الحالات البسيطة، بينما في الحالات الشديدة، يُرافق المرض حمى، وتقرحات جلدية، وإفرازات.

عدد من الأمراض ظهرت مع بداية موسم الخريف، تشمل الإسهال المائي الحاد، الكوليرا، حمى الشيكونغونيا، حمى الضنك، وحمى الوادي المتصدع

وزارة الصحة ولاية البحر الأحمر

تقول مدير عام وزارة الصحة بولاية البحر الأحمر  أحلام عبد الرسول، بأن عددًا من الأمراض قد ظهرت مع بداية موسم الخريف، تشمل الإسهال المائي الحاد، الكوليرا، حمى الشيكونغونيا، حمى الضنك، وحمى الوادي المتصدع.

ضعف البنية التحتية

وأوضحت عبد الرسول، في حديث لـ(عاين) أن السبب الرئيسي في انتشار هذه الأمراض يعود إلى انعدام التصريف الصحي المناسب للمياه الراكدة وضعف البنية التحتية، مما أدى إلى التأثير السلبي المباشر على البيئة المحيطة بالإنسان والحيوان، وبالتالي تدهور فعالية الأنظمة الصحية في الولايات، مما ساهم في تفشي الأمراض المذكورة.

وأضافت عبد الرسول أن السودان شهد في الآونة الأخيرة ظهور أمراض غريبة، وبعض الأمراض التي سبق للنظام الصحي القضاء عليها سابقًا، مثل الكوليرا وشلل الأطفال.

وأرجعت ذلك إلى الظروف الراهنة التي شهدتها البلاد، وما صاحبها من تدهور في صحة البيئة، وخاصة في حزمة الإصحاح البيئي.

وفي العاصمة الخرطوم، أكدت عبد الرسول أن الظروف البيئية التي شهدتها العاصمة أدت إلى تأثير سلبي كبير على الصحة العامة.

وأشارت إلى تسجيل حالات لداء الكلب والتهاب السحايا، وأرجعت ذلك أيضاً إلى تدني مستوى صحة البيئة، مما أدى إلى تحول الحيوان من أليف إلى مفترس؛ بسبب الظروف البيئية السيئة، وكذلك انتشار وتكاثر ناقلات الأمراض وضعف برامج المكافحة والتدخلات الصحية.

أوبئة الخريف تفتك بالسودانيين

وحول سبل مكافحة هذه الأمراض، شددت عبد الرسول على أهمية تنفيذ حملات شاملة لصحة البيئة لمكافحة ناقلات الأمراض من خلال برنامج متكامل لمكافحة نواقل الأمراض.

ودعت إلى ضرورة رفع الوعي الصحي والبيئي لدى المواطنين عبر أنشطة تعزيز الصحة المختلفة، بما في ذلك الملصقات، المحاضرات التثقيفية، وبرامج التوعية عبر وسائل الإعلام المختلفة، الأندية، ودور العبادة.

وأكدت أهمية كلورة مياه الشرب وتنقيتها من المصادر الرئيسية، وتنظيم زيارات منزلية لتوعية المواطنين حول كيفية تنقية مياه الشرب.

وأشارت إلى ضرورة تحريك المجتمع وصناع القرار في ولاية الخرطوم، بالإضافة إلى الشركاء الدوليين والمحليين، لتسليط الضوء على أهمية تأهيل البنية التحتية للمدن والمناطق الأخرى.

ودعت إلى إنشاء نظام صرف صحي فعال لتصريف المياه والمخلفات السائلة للحد من انتشار الأمراض والمهددات الصحية.

أمراض معدية

وفي مدينة القضارف شرقي السودان، أوضحت أسماء كمال الدين حسن، عضو منظمة شارع الحوادث، أن الوضع الصحي الوبائي في الولاية يشهد بداية تفشي لأمراض معدية.

وقالت خلال مقابلة مع (عاين)، إن من بين هذه الأمراض، الكوليرا والتهاب العيون، بالإضافة إلى الأمراض المنقولة عن طريق البعوض، رغم أنها أقل انتشارًا حاليًا. وأشارت إلى تسجيل حالات اشتباه للكوليرا والتهاب العيون، بالإضافة إلى ظهور إصابات بحمى الضنك، وإن كانت بأعراض أقل حدة مقارنة بالسنة الماضية.

وأضافت أسماء أن الجمعية تعمل بجد في المجال الصحي بجميع أقسامه، بما في ذلك التغذية والدعم النفسي.

وأكدت أن الجمعية تبذل جهودًا كبيرة لمكافحة الأوبئة من خلال توفير الاستشارات الطبية والأدوية المناسبة للفئات الأكثر ضعفًا، بهدف تقليل نسب انتشار الأمراض. وأشارت إلى أن العامل الأقوى في زيادة انتشار الأوبئة هو قلة الوعي الصحي والممارسات الصحية الخاطئة، بالإضافة إلى قلة المعينات الصحية.

وتطرقت أسماء إلى الإجراءات المتخذة لمكافحة الأوبئة، بما في ذلك كلورة مياه الشرب وتنقيتها، بالإضافة إلى تعزيز الوعي الصحي بين المواطنين حول مرض التهاب العيون وطرق انتشاره.

ولفتت إلى أهمية التعاون بين المنظمات المحلية والدولية ووزارة الصحة في مراقبة الآبار وكلورتها وتوفير مياه نظيفة لمراكز الإيواء، فضلًا عن المساهمة في زيادة الوعي الصحي وتوزيع المعينات اللازمة.

وفي الخرطوم، صرح عضو غرفة طوارئ محلية الخرطوم، أحمد مصطفى، بأن الغرفة أنشأت خلية طبية عاجلة مكونة من مختصين، لمواجهة الوضع الصحي الخطير في محلية الخرطوم.

وأوضح في حديثه، لـ(عاين) أن من أبرز مهام الخلية جمع المعلومات الصحية ووضع الخطط لمواجهة الوضع الصحي المتدهور.

وأكد أن الخلية بدأت بالفعل في اتباع بروتوكولات منظمة الصحة العالمية لمواجهة الوبائيات، حيث تم وضع خطط لحصر المصابين وتنظيم ورش تدريب للمواطنين والعاملين في القطاع الصحي حول كيفية التعامل مع الوبائيات.

وأشار مصطفى إلى أن الغرفة بدأت في إرسال المساعدات المالية لشراء الحاجات الطبية والصحية اللازمة لمواجهة الوبائيات. كما تم تقييم كفاءة واحتياجات المراكز الصحية والعيادات الميدانية للاستجابة للوبائيات، بالإضافة إلى تقييم قدرات واحتياجات الكوادر الطبية والصحية العاملة في الميدان.

وفيما يتعلق بالتنسيق بين غرفة الطوارئ والجهات الصحية الأخرى في الخرطوم، أوضح مصطفى أن التنسيق يتم على مستوى تحويل الحالات الطارئة، ونقل الحالات المصابة بعدوى غير معروفة للتأكد من نوع الإصابة. كما يتم تنسيق لتسليم العينات مثل المياه لفحصها للتأكد من خلوها من الميكروبات وناقلات الأمراض.

أوبئة الخريف تفتك بالسودانيين

تحديات لوجستية

وأشار إلى أن الغرفة تواجه تحديات لوجستية في نقل الحالات الطارئة والعينات الطبية بسرعة كافية، بالإضافة إلى تحديات في الحصول على الأدوية، خاصة للأمراض المزمنة، الأطفال دون الخامسة، وحالات الطوارئ. كما أشار إلى نقص معينات المختبرات وأجهزة الفحص الضرورية.

وأضاف مصطفى أن الغرفة سجلت حالات انتشار لأمراض جديدة في الخرطوم، تشمل حميات غير معروفة المنشأ وعدوى في العيون تسبب احمرارًا وألمًا.

وأكد أن هناك مساعي جادة لتقييم الوضع بدقة وتحديد آليات الاستجابة الممكنة من خلال وحدة الاستجابة للوبائيات والطوارئ.

ولفت مصطفى إلى أهمية دور المنظمات المحلية والدولية في دعم جهود غرفة الطوارئ، من خلال توفير المعينات الطبية، دعم حملات التوعية وتعزيز الصحة، والمساهمة في بناء القدرات ورفع كفاءات العاملين في القطاع الصحي.