(الكراهية).. خطاب عنيف يؤجج حرب السودان

عاين- 3 يوليو 2025

بمعدل قياسي، تتصاعد وتيرة خطاب الكراهية في السودان بالتزامن مع اتساع رقعة الصراع المسلح وتطاول أمده في البلاد، ما يثير المخاوف من انتشار العنف بين السودانيين بما في ذلك القوى المدنية.

ولاحق خطاب الكراهية اللاجئين السودانيين في دول الجوار، إذ حدثت اشتباكات بالأيدي بين شباب مؤيدين لقوات الدعم السريع مع آخرين من أنصار القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش، في العاصمة الأوغندية كمبالا الشهر الماضي، كما اعتدى شباب سودانيين على المصور الصحفي إبراهيم نقد الله في القاهر مؤخراً نتيجة حملة تحريض وكراهية أثيرت ضده.

تلك الحوادث، دقت ناقوس الخطر بشأن مستوى تفشي خطاب الكراهية، وسط دعوات لإطلاق حملات واسعة وضغط للتصدي لهذا الخطاب الذي اعتبروه محركاً رئيسيا للعنف وسبباً في إطالة أمد الحرب في البلاد، وتضييق فرص وخيارات السلام السياسي والاجتماعي.

وارتفعت المخاوف بشكل أكبر عندما انتقل خطاب الكراهية من الأطراف المتحاربة، إلى المجموعات المدنية والمواطنين العاديين، وبات البلاد في قلب حالة انقسام مجتمعي غير مسبوق، ويشتكي سودانيون في الخارج من أنهم أصبحوا غير قادرين على ارتياد تجمعات ومجالس السودانيين خشية التعرض للعنف؛ بسبب الانتماء الجغرافي أو العرقي.

دعاية مضللة

ووقع المصور الصحفي السوداني إبراهيم نقد الله، ضحية لخطاب الكراهية، حيث تعرض إلى اعتداء بالضرب المبرح على يد شباب سودانيين في أحد الأماكن العامة في العاصمة المصرية القاهرة.

تعرضت للاعتداء من شخص أعرفه شخصياً، وهو أحد الذين انساقوا وراء خطاب الكراهية والدعاية المضللة

 صحفي سوداني

ويقول نقد الله الذي وثق بكاميرته الثورة الشعبية في السودان، في مقابلة مع (عاين): “الشخص الذي اعتدى علي في القاهرة أعرفه معرفة شخصية، وهو أحد الذين انساقوا وراء خطاب الكراهية والعنصرية والدعاية المضللة”.

ويروي ما حدث معه: “قابلني هذا الشخص وكان بصحبته عدد من الشباب، وحرضهم علي، بعدما زعم أنني موالٍ لقوات الدعم السريع، وقتلت شقيقه، وذلك بناء على دعاية مضللة، فانهالوا عليّ بالضرب فلولا العناية الإلهية لحدثت كارثة”.

ويشير إلى أن “مستوى الكراهية وصل إلى درجة أن يمكنك أن تلتقي سوداني مثلك خارج البلاد، تسلم عليه ولا يرد عليك تحية السلام، مما دفعني إلى تقييد حركتي وتجنب أماكن تجمع السودانيين”.

ويقول نقد الله: “الوضع السياسي أثر في الواقع الاجتماعي، فوصلت الانقسامات بسبب تأييد طرفي الحرب إلى داخل الأسر، فيختلف الأشقاء، وتعرضت شخصياً إلى الكراهية من أقاربي ومعارفي”.

ووصلت الانقسامات الحادة إلى القوى السياسية المدنية، فالفترة التي أعقبت سقوط نظام عمر البشير وحتى اندلاع الحرب كانت حافلة بالتناحر السياسي، إذ انشق تحالف الحرية إلى اثنين، المجلس المركزي، والكتلة الديمقراطية، كما انشق تحالف تقدم لاحقاً إلى صمود وتأسيس، وانشقت كذلك الحركات المسلحة الموقعة على السلام، وهي تطورات لا تنفصل في مجملها عن الشحن المستمر في المشهد السوداني.

(الكراهية).. خطاب عنيف يؤجج حرب السودان

مغذي للحرب

ومع تعمق الخلافات والانقسامات في السودان، اتسع نطاق خطاب الكراهية، وصار جزء من الحياة اليومية، ويسيطر على المجالس، وأصبح لديه فئات تحتفي به وفق ما يراه الشاعر والناشط السياسي البراء عبد الله خلال مقابلة مع (عاين).

ويقول: “أصبح الحديث عن السلام عار، ومن لديه القدرة على إبراز عضلاته في نشر خطاب الكراهية يجد كثيرون من خلفه يمجدونه ويعظمونه ويدعمونه”، لافتاً إلى أن هذا الخطاب كان موجوداً في السودان، لكنه تحول بعد الحرب ليكون مادة دسمة تتداول بين الناس وتشكيل رأيهم ومواقفهم من الآخرين.

“للأسف أصبح خطاب الكراهية بمثابة المحرك المغذي للحرب، ويتغذى منها كذلك، فأصبح أمامنا خياران في المجالس، إما مسايرة النقاشات في اتجاهها ودعمها، أو إبداء رأي مخالف وتحمل تبعاته، فلمجرد نقاش عادي تعرضت إلى حملة ممنهجة، وجرى إغلاق كافة حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم أتمكن من إنشاء حساب جديد نتيجة القيود التي فُرضت، فحُرمت من التفاعل مع ما يجري في بلدي”. يضيف البراء.

وتابع: “اضطررت لأن أكون شخصاً انتقائياً، أتواصل فقط مع أشخاص متقاربين فكرياً معي، أو حتى من يتمتعون بوعي كاف، ويقدرون الاختلاف في الرؤى، ووجهات النظر، لأن بعض السودانيين في الخارج أصبحوا جزءاً من الفاعلين والمحركين لخطاب الكراهية، وصار جزءا من حياتهم اليومية وجلساتهم في المقاهي وتحديد مواقف الناس”.

وزاد:”إذا تحدثت ثورة ديسمبر المجيدة، ستُخَوَّن، وربما يُعْتَدَى عليك، فتكون الخائن الذي ليس لديه سلاح. وامتدت الكراهية من البعد السياسي إلى الاجتماعي، فمكونك الأهلي يعرضك للخطر”.

هشاشة اجتماعية

ويرجع الباحث النفسي أسعد الطيب ما يجري حالياً إلى هشاشة وإشكالات مجتمعية متراكمة في السودان، حتى وصل إلى حرب 15 أبريل، لكن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على تزايد خطاب الكراهية والحدة بين السودانيين.

ويقول الطيب في مقابلة مع (عاين): “خطاب الكراهية بمثابة الرصاصة أو أكثر منها خطراً؛ لأنه يساعد على ديمومة الصراع والقتال، ويتخذ أشكالا مختلفة في الخارج، ففي تجمعات السودانيين في مصر على سبيل المثال، يبدأ التعارف بالمنطقة الجغرافية التي ينحدر منها الناس في السودان، وعلى إثر ذلك تُحَدَّد كيفية التعامل معك فيما بعد أم لا”.

(الكراهية).. خطاب عنيف يؤجج حرب السودان

ويشير إلى وجود نمط من النقاشات فحواه مع أو ضد بشأن طرفي الصراع، ومع حدة الحوارات التي دائما ما تتسم بها مجالس السودانيين يُلْجَأ إلى العنف.

ويضيف: “بعد استعادة الجيش السيطرة على مدينة ود مدني وما صاحب ذلك من انتهاكات، كان لها تداعيات على السودانيين المقيمين في دولة جنوب السودان والاعتداء عليهم، وذلك بسبب تصدير خطاب الكراهية، فبسبب هذا الخطاب يتأثر السودانيون في الخارج نفسياً لشعورهم المستمر بالتهديد لأنفسهم وأسرهم وأصدقائهم الممتدين في السودان”.

ورأى أن خطاب الكراهية في الخارج يجعل السودانيين انطوائيين وغير اجتماعيين، وساعد على تفشي هذا الخطاب في الخارج ربما عدم وجود الرقابة الكافية لما يثيرون النعرات القبلية من خارج السودان.

ويضرب خطاب الكراهية جسد المجتمع السوداني، بعدما كان أساسه خلافات سياسية، مما يفرض واقعاً أكثر خطورة تستوجب آليات أكثر فاعلية للتصدي له.

تسبب خطاب الكراهية في تحول الصراع من سياسي إلى تناحر اجتماعي في السودان، وذلك يهدد فرص السلام، ويضع أساساً لحرب أهلية شاملة

 خبير في دراسات السلام

ويقول الخبير المختص في دراسات السلام، د. عباس التجاني في مقابلة مع (عاين): إن “خطاب الكراهية متصاعد مع ارتفاع وتيرة الحرب وتنقلها من منطقة إلى أخرى، فحدة الخطاب أصبحت عالية جداً الآن، مقارنة بما كان عليه الحال عند اندلاع القتال في أبريل 2023م، حيث توسعت رقعة الصراع وأطرافه”.

ويشير التجاني، إلى أن خطاب الكراهية تسبب في تأجيج الصراعات العرقية والإثنية، وتلاحظ ذلك في ارتفاع وتيرته في مدينة النهود بولاية غرب كردفان والمناطق المحيطة بها، وولاية شمال دارفور والولاية الشمالية، وبورتسودان التي تشهد كراهية على أساس مناطقي واثني، وذلك يهدد السلام الاجتماعي، ويعقد عمليات السلام المستقبلية، ويزيد الانقسامات الموجودة بين السودانيين.

“انتقال خطاب الكراهية إلى المجموعات المدنية المنقسمة في تأييدها لأطراف الحرب، يزيد الخطورة على المجتمع السوداني بشكل كبير، ويهدد البنية الاجتماعية والثقافية للبلاد، حيث تحول الصراع من سياسي إلى تناحر اجتماعي، وذلك سيطيل أمد الحرب، ويعقد فرص السلام، ويدمر المشتركات بين السودانيين، ويزيد هشاشة البنية الاجتماعية”. يقول التجاني.

وشدد على ضرورة أن تنتبه المجموعات المدنية لهذه المخاطر، حتى لا يتفكك المجتمع السوداني على أسس عرقية وجهوية، وحتى لا ينتهي الصراع الحالي إلى حرب أهلية شاملة في السودان، ويستوجب عليها التصدي لخطاب الكراهية للحفاظ على ما تبقى من اللحمة الوطنية.

ورأى أن انتقال العنف إلى مجتمعات اللاجئين السودانيين في الخارج، أمر طبيعي نظراً لانتشار خطاب الكراهية وسط الفئة العمرية 17 – 25 سنة، وهي مشحونة عرقياً، أو أنهم تعرضوا إلى صدمة نفسية كبيرة نتيجة الصراع، ولم يتلقوا العلاج.

واعتبر أنه خلال فترة النزاع تكون الأطراف مشحونة، لكن يمكن من خلال العمل المستمرة والصحافة المسؤولة، وإيجاد وسائل للحوار، والضغط على الأطراف لوقف إطلاق النار، ستكون مهمة للتصدي إلى خطاب الكراهية.

من جهتها، تقول الناشطة النسوية في السودان رابحة إسماعيل، إن خطاب الكراهية تنامى بشكل مخيف، وصار البعض في سباق لبثه، ومع ذلك فهو ليس جديداً، فقد أوجدته أنظمة الحكم المتعاقبة نتيجة عدم تحقيق التنمية المتوازنة مع اختلاف الطبقات والسحنات والثقافات، لكنه بلغ قمته مع اندلاع الحرب، وساهم في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي وظاهرة ما يعرف بـ”اللايفاتية” حتى بات هناك قاموس من كلمات ومفردات الكراهية.

وتشير رابحة في مقابلة مع (عاين) إلى أن التناحر والجرائم التي ارتكبت خلال فترة الحرب وغياب العدالة ساهم في تزايد خطاب الكراهية، كما أن الأطراف المتصارعة اتخذت هذا الخطاب كوسيلة للتعبئة الحربية، ففي ظل عدم وجود قانون يجرم لغة الكراهية وصل الحال إلى ما هو عليه الآن.

وتضيف: “طرفا الحرب حريصين على مصلحتهما فقط، ولاحظنا قياداتهم تتحدث بتعالي وتبث الكراهية بين الناس، مما يعطي مؤشرا بأن خطاب الكراهية في طريقه للتحول إلى ممارسة رسمية ممنهجة”.

(الكراهية).. خطاب عنيف يؤجج حرب السودان

واعتبرت أن العنف الذي انتقل إلى الخارج بين طرفي الحرب، مثلما حدث في العاصمة الأوغندية كمبالا، والمصرية القاهرة مؤخراً نتيجة خطاب الكراهية، يمثل خطراً كبيراً على اللاجئين السودانيين في تلك البلدان، وربما يواجهون شبح الترحيل، فهم هربوا إليها بحثاً عن الأمن، مما يتطلب وقف هذه الممارسات وتقبل البعض لبعضهم واحترام القوانين الداخلية في هذه الدول.

وشددت على ضرورة التعريف اللازم لخطاب الكراهية، كمدخل رئيسي لمجابهته، فمن اللازم عمل رصد لأنواع خطاب الكراهية، وعلى ضوء ذلك قيادة حملات للتوعية والتثقيف من خلال ورش عمل وأنشطة ضغط مختلفة، إلى جانب وجود تشريعات قوية تجرمه، وتدريب الشباب على خطاب بديل يناهض خطاب الكراهية عن طريق التوسع في نشر ثقافة السلام والتسامح وتضمين ذلك في المناهج الدراسية.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *