“حليمة إدريس”.. صحفية سودانية تدفع حياتها ثمناً لتغطية الحرب 

عاين- 14 أكتوبر 2023 

صبيحة الثلاثاء الماضي، وأثناء مغادرة منزلها غربي العاصمة السودانية متوجهةً إلى العمل تلقت “حليمة إدريس 29 عاما” وهي صحفية عملت على تغطية حرب السودان نصائح من والدتها بعدم الخروج لأنها تخشى عليها من الاشتباكات وأصوات المدافع التي كانت تصل إلى مسامعها، لكنها أجابت: “الأمور ستكون على ما يرام”.

 في ذلك اليوم دهست سيارة على متنها جنود من الدعم السريع حليمة وصديقتها أثناء عودتها من العمل على تغطية صحفية بغرف الطوارئ العاملة منذ بداية النزاع المسلح بضاحية أمبدة في مدينة أم درمان غربي العاصمة حيث يعمل المتطوعون وسط ويلات الحرب المستمرة منذ الخامس عشر من أبريل الماضي.

فرقة الموت 

حينما تخطت حليمة وصديقتها الحاجز الأول للشارع الرئيسي في تقاطع “الشباب” بحي “امبدة كرور” في أم درمان  جاءت مركبة الدعم السريع بسرعة جنونية و دهستهما وأُصيب حليمة بكسور في أجزاء متعددة من جسمها فارقت على إثرها الحياة بينما نجت صديقتها- يقول احد افراد عائلتها لـ(عاين).

“صُدمنا عندما أحضر جثمانها إلى المنزل، ولم نتمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية لأن المنطقة واقعة تحت سيطرة الدعم السريع”.

أحد أفراد عائلة الصحفية القتيلة

“أثناء سرعتها الجنونية انقلبت مركبة الدعم السريع رأسا على عقب مرتطمة بالحاجز الترابي على جانب الطريق ونجا الجنود وتحركوا صوب صديقتها وأخبروها أنهم بصدد اتخاذ الإجراءات القانونية في قسم شرطة تسيطر عليه قوات الدعم السريع في منطقة أمبدة”. يروى أحد أفراد العائلة.

ويضيف: “نقل عناصر الدعم السريع حليمة وهي تحت تأثير الإصابة رفقة صديقتها على متن حافلة صغيرة كانت بالجوار بحجة التحرك إلى قسم الشرطة وفور تحركها أخبرهم السائق أنه ضل الطريق إلى المكان المحدد فاضطرت الفتاة إلى استجداء السائق بإعادتها إلى المنزل وانتهت حادثة الدهس إلى المجهول”.

الصورة للصحفية القتيلة حليمة أدريس في تغطية ميدانية لقناة سودان بكرة

 درست حليمة الإعلام بكلية شرق النيل في العاصمة الخرطوم وقبل ذلك التحقت بمدرسة أساسية ثم تدرجت إلى المرحلة الثانوية في منطقة أمبدة.

عٌرفت حليمة بتغطية الأحداث الساخنة أثناء النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع طيلة ستة أشهر ونصف من الحرب التي أدت إلى مقتل وتشريد الملايين من سكان العاصمة، لصالح قناة “سودان بكرة” التي تبث على شبكة الإنترنت والأقمار الاصطناعية.

صدمة العائلة 

يقول أحد أفراد عائلتها لـ(عاين)، إن “حليمة لم يهدأ لها بال طيلة أشهر طويلة من الحرب في العاصمة السودانية وكانت تركز على تغطية الأحداث والأوضاع الإنسانية والنظام الصحي وخلقت علاقات جيدة مع العاملين في المجال الطبي والإنساني بفضل شخصيتها التي تميل إلى المغامرة وعكس مأساة المدنيين في حرب تطحن الملايين بشكل يومي”.

ويضيف: “يوم الحادثة كانت شبكة الهواتف متوقفة بفعل الاشتباكات قرب الحي في أمبدة بمدينة أم درمان غرب العاصمة السودانية صدمنا عندما أحضر جثمانها إلى المنزل في مساء ذلك اليوم، لم نكن نعرف شيئا ولم نتمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية لأن المنطقة واقعة تحت سيطرة الدعم السريع ولا يمكننا مغادرة الحي إلى أي مكان”.

دُفنت حليمة في مقابر الحارة 52 بمنطقة أمبدة في مساء نفس اليوم ولم يتمكنوا من نقلها إلى مقابر حمد النيل الواقعة قرب الحي الذي تقطنه عائلتها لأنها تقع تحت حصار وهجمات قوات الدعم السريع وانتشار القناصة.

التحقت الصحفية حليمة إدريس بقناة “سودان بكرة” في الأول من نوفمبر 2022 رسميا كمراسلة ميدانية وقبل ذلك عملت ضمن فريق المتدربين في القناة التي تعمل على تعزيز السلام وحرية الرأي والعدالة وتبث على شبكة الانترنت والقمر  “نايلسات”.

نشرت حليمة تقارير ميدانية وتغطيات اهتمت بنشاط غرف الطوارئ التي تقودها لجان المقاومة والغرف الصحية حول تدهور الوضع الصحي.

امتهنت حليمة العمل ضمن فريق صحافة الموبايل في مناطق النزاع المسلح في أمدرمان بتغطية نشاط غرف الطوارئ التي تقودها لجان المقاومة والغرف الصحية ونشرت تقارير ميدانية عن تدهور الوضع الصحي.

استهداف الصحفيين 

يقول عضو نقابة الصحافيين السودانيين يوسف حمد في حديث لـ(عاين)، إن “مقتل الشهيدة الصحفية حليمة إدريس فعل شائن ولا اخلاقي ويثبت أن الحرب في السودان عبثية. ويعرب عن أمله في أن لا تتمادى الأطراف المتحاربة في قتل الصحفيين رغم أن هذا ديدنها”.

“طرفا الحرب في السودان يجب أن يستجيبا للنداءات المتكررة بضرورة إيقاف القتال، والكف عن الاستهداف المتكرر للصحفيين والمؤسسات الصحفية”.

نقابة الصحفيين السودانيين 

يضيف حمد: إن “الطرفين المتحاربين في السودان يجب أن يستجيبا للنداءات المتكررة بضرورة إيقاف الحرب وأن يكفا عن الاستهداف المتكرر للصحفيين والمؤسسات الصحفية”.

اعلان نتائج انتخابات نقابة الصحفيين 29 أغسطس 2022

وكانت نقابة الصحفيين ذكرت في بيان، أن الصحفية السودانية حليمة إدريس قُتلت دهسا بسيارة تتبع لقوات الدعم السريع في أم درمان وأدانت الفعل. وقالت النقابة إن “الحرب سبق أن أودت بحياة الصحفية سماهر عبد الشافع التي كانت تعمل في إذاعة نيالا بولاية جنوب دارفور”. ودعت النقابة إلى تحقيق شفاف وعاجل في ملابسات مقتل الصحفية حليمة إدريس وأشارت إلى أن استمرار الدعم السريع في قتل الصحفيين أمر بالغ الخطورة.

 صديقة للصحفية القتيلة، تقول لـ(عاين):”كانت حليمة صحيفة شجاعة تحلم بتحقيق الحرية والسلام والعدالة في السودان، لكنها رحلت قبل أن يتحقق حلمها بسبب حرب حطمت آمال السودانيين”.

وتضيف: “آمل أن يتحقق حلم صديقتي الراحلة بسيادة قيم الديمقراطية يوما ما”.