هجمات الدعم السريع تحول “هبيلا” إلى مدينة أشباح

عاين – 21 ديسمبر 2024

بعدما كانت سلة غذاء لعدة ولايات سودانية، تحولت منطقة هبيلا في ولاية جنوب كردفان إلى مدينة أشباح، حيث غادرها سكانها بشكل جماعي هرباً من هجمات عنيفة بدأتها قوات الدعم السريع في ديسمبر من العام الماضي، وصاحب ذلك انتهاكات واسعة وتداعيات إنسانية كارثية تتفاقم يوماً تلو الآخر.

وعقب فترة وجيزة من الاجتياح سحبت قوات الدعم السريع ارتكازاتها العسكرية من مدينة هبيلا بعد أن بدأت الحركة الشعبية قيادة عبد العزيز في مناوشتها، لكن الدعم السريع أطلق العنان لجنوده لمهاجمة مواطني البلدة عبر الدراجات النارية “المواتر” وممارسة أعمال نهب وقتل، مما دفع السكان إلى الفرار بشكل جماعي، وذلك بحسب ما روته سعدية أحمد التي نزحت من هبيلا إلى مدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان.

وتقول سعدية لـ(عاين): “دخلت قوات الدعم السريع هبيلا بعد معارك مع الجيش القليل الذي كان في المدينة، وقررنا البقاء في منزلنا، لكن بعد أيام اختفت السيارات العسكرية، وظهر جنود الدعم السريع  وهم يمتطون المواتر، وبدأوا في الاعتداء على المواطنين ونهب ممتلكاتهم، وسمعنا بقتل سكان في قرى خارج هبيلا، مما دفعني إلى الهروب بأبنائي نحو الأبيض”.

تركت هذه السيدة بيتها بكل ما فيه، وخرجت في رحلة نزوح شاقة، وفي الطريق نحو الأبيض نهب منها جنود قوات الدعم السريع مبالغ مالية محدودة كانت تحملها وهاتف جوال، وكادت أن تفقد حياتها، وتقول “لقد كانوا في غضب شديد، وأظهروا روح انتقامية”.

مأوى العصابات

وتكاد تكون مدينة هبيلا خالية من المواطنين بعد أن اضطر سكانها المقدر عددهم بنحو 64 ألف نسمة بشكل جماعي، وباتت مأوى للجماعات الإجرامية، والمليشيات المساندة لقوات الدعم السريع، والتي تعيش على الماشية التي هجرها أصحابها، وممتلكات سكان القرى الذين لم يتمكنوا من الفرار، وفق ما رواه عصام آدم ناشط اجتماعياً من جنوب كردفان لـ”عاين”.

مشهد من إحدى بلدات جنوب كردفان

ويعيش نحو 34 ألف شخص من نازحي هبيلا في مدينة الدلنج، وآخرين ذهبوا إلى الأبيض وكادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، وفي كل المواقع يواجه هؤلاء الفارون مصاعب في الحصول على الأكل والشرب، في ظل غياب تام للتدخلات الإنسانية.

ويكافح سكان هبيلا في منفاهم الإجباري في سبيل الحصول على الأكل والشرب، وفي الوقت الذي كانت تهطل فيه الأمطار خلال موسم الخريف، كان نازحي هبيلا يجمعون صفق الأشجار بغرض أكلها لمواجهة الجوع، وفق ما وثقه تقرير سابق لـ(عاين)، وذلك بعد أن كان السكان في إقليمي دارفور وكردفان يعتمدون على إنتاجهم من الذرة.

تقع هبيلا في الجزء الغربي من ولاية جنوب كردفان، على بعد نحو 50 كيلومتراً شرق مدينة الدلنج، وهي تتوسط سهولاً خضراء بين الجبال، وتضم مشاريع زراعية كبرى، وتساهم بنسبة 40 بالمئة من كمية الذرة التي تُنْتَج بالسودان سنوياً

وتقع هبيلا في الجزء الغربي من ولاية جنوب كردفان، على بعد نحو 50 كيلومتراً شرق مدينة الدلنج، وهي تتوسط سهولاً خضراء بين الجبال، وتضم مشاريع زراعية كبرى، وتنتج الذرة واللوبيا والبطيخ وغيرها من المحصولات الزراعية، وبحسب حصيلة غير رسمية، فإن هبيلا تساهم بنسبة 40 بالمئة من كمية الذرة التي تُنْتَج في كل ربوع السودان سنوياً.

فجوة واسعة

وخلف فشل الموسم الزراعي فجوة غذائية كبيرة في إقليم كردفان على وجه الدقة، فرغم بدء عمليات الحصاد ما تزال أسعار الذرة مرتفعة، إذ يبلغ سعر الجوال 150 ألف جنيه في ولايتي جنوب وغرب كردفان، بحسب الناشط المدني عصام آدم الذي تحدث لـ(عاين).

ويقول: “قبل اندلاع الحرب الحالية، كان في بداية الموسم ينخفض سعر جوال الذرة إلى 5 الف جنيه بسبب الإنتاج الوفير في هبيلا وعدد من المناطق في ولاية جنوب كردفان، لكن هذه السنة الأسعار مرتفعة، وربما تشهد ندرة قريبا، الأمر الذي يوسع نطاق المجاعة، فالوضع كارثي وبحاجة إلى تدخلات عاجلة”.

وبعد أن كان سكان هبيلا يشكلون طوق نجاة لمناطق سودانية واسعة بإنتاجهم الوفير من الذرة، ينتظرون من ينقذهم في هذه اللحظات، حيث فقدوا كل شيء، وتعرضوا لأبشع أنواع الانتهاكات.

وبحسب تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش صدر مؤخراً، فإن قوات الدعم السريع قتلت 56 شخصا أعزل، منهم 11 امرأة وطفلاً، خلال هجمات شنتها على ولاية جنوب كردفان خلال الفترة من ديسمبر 2023م وأكتوبر 2024م، بجانب اغتصاب 79 فتاة وامرأة في حالات شملت العبودية الجنسية، وذلك كنتيجة لمقابلات أجراها المرصد الحقوقي العالمي مع 70 نازحا، منهم 40 ناجين من هجمات قوات الدعم السريع على هبيلا وفايو والقرى المجاورة.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *