الحرب تقضي على آمال منتجي الصمغ العربي في السودان
عاين- 19 يونيو 2024
أنعش السودان السوق الأمريكي والفرنسي بصادرات الصمغ العربي طوال السنين الماضية، وحصل التجار والمصدرون على ملايين الدولارات من عائدات التصدير بالمقابل لم تذهب أغلبها إلى المؤسسات المصرفية السودانية؛ لأن الصادرات في هذا القطاع تنتعش عن طريق التهريب.
يكتسب الصمغ السوداني أهميته من الاستخدام عن طريق الشركات حول العالم في الصناعات الدوائية والمشروبات الغازية في الولايات المتحدة وفرنسا، ورغم أن البلدين حصلا على المنتج الصادر من السودان خلال السنوات الماضية بطرق قد تكون في الغالب عن طريق التهريب عبر دولة تشاد وأفريقيا الوسطى، إلا أنهما لا زال يعتقدان أن الصمغ العربي لا يزال مصدره السودان من وسط المعارك الحربية إذا تم التعامل مع الأزمة بمسؤولية عن طريق الطرفين المتحاربين وفق متعاملين في هذا القطاع تحدثوا لـ(عاين).
مزارعون غادروا الحقول
يقول محمد أحمد عمر المتعامل في تجارة الصمغ العربي في ولاية شمال كردفان لـ(عاين)، إن “المزارعين في مناطق الإنتاج في إقليم كردفان وبعض مناطق دارفور وحتى النيل الأبيض لا يذهبون إلى الحقول لأن الوضع الأمني وانتشار العصابات المسلحة يمنعان من التركيز على النشاط في هذا القطاع الحيوي”.
ويقول عمر، إن “الشحنات التي تعبر إلى الميناء شرق البلاد من مناطق الإنتاج تمر بسلسلة من الحواجز العسكرية للجيش والدعم السريع جميعهم يفرضون الرسوم الفلكية.. في كردفان عندما تغادر الشحنات تبدأ الدعم السريع فرض ما لا يقل عن 500 ألف جنيه ما يعادل 300 دولار أمريكي”.
وأردف: “المصدرون قدموا شكوى إلى مجلس الصمغ وإلى الجهات الحكومية في بورتسودان لم يحصلوا على إجابات؛ لأن الحلول ليست بيدهم.. أما إذا قررت التواصل مع الدعم السريع لا يمكن ذلك سيتم تصنيفك متعاوناً مع هذه القوات”.
وفي موسم الحصاد الذي يبدأ عادة خلال شهر أكتوبر حتى شهر مايو لم يتمكن الآلاف من منتجي الصمغ العربي من الذهاب إلى الحقول في المناطق التي يستعر فيها القتال بين الجيش والدعم السريع فيما تسيطر الأخيرة على مناطق واسعة في إقليم كردفان المعروف بالإنتاج السخي للصمغ العربي.
يقول منصور فتح الرحمن الذي كان ينشط في تجارة الصمغ العربي بين مدن شمال كردفان وإقليم دارفور لـ(عاين): إن “قطاع الصمغ العربي خلال الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع أصبح تحت رحمة شبكة تقدم الحماية للمنتجين من الحقول وصولاً إلى تصدير الإنتاج سواء عبر تشاد أو ميناء بورتسودان شرق السودان؛ لأن التجار يواجهون الحواجز العسكرية في الطرق البرية أو حتى داخل الحقول في إقليم كردفان ودارفور وأجزاء من النيل الأبيض”.
وتابع: “في موسم الحصاد الذي كان في أكتوبر العام الماضي لم يتمكن الآلاف من منتجي الصمغ العربي من الوصول إلى الحقول نتيجة الأوضاع الأمنية، وكانت الآمال معلقة على إنتاج وفير، لكن الحرب خفضت ذلك إلى النصف تقريباً؛ لأن إيرادات الصمغ العربي سنويا تقدر بـ 300 مليون دولار مع وجود التهريب أيضاً”.
واستثنت الولايات المتحدة الأميركية الصمغ العربي من العقوبات التي فرضتها على نظام البشير لـ 27 عاما، وانتهت في العام 2017 هذه العقوبات والهدف من استثناء هذا المنتج السوداني أن هذا البلد يحتفظ بقدر كبير من إنتاج الصمغ، ويؤثر في الصناعات الدوائية والمشروبات الغازية.
شركات دمرتها الحرب
في إحدى البنايات القديمة وسط العاصمة السودانية كان يجلس بحيري وهو يضع آلة حاسبة أمام موردي الصمغ العربي الذين يزودون شركته بالإنتاج القادم من حقول كردفان ودارفور والنيل الأبيض وحتى القضارف وسنار والنيل الأزرق.
كان بحيري يتعمد البقاء في مكتب قديم لاحترام إرث والده الذي امتهن هذه التجارة خلال ثمانينات القرن الماضي. واليوم وبعد 14 شهراً من الحرب تحول المكتب إلى ركام ومبنى مُحترق جراء المعارك العنيفة التي اندلعت وسط العاصمة السودانية في الأسابيع الأولى للقتال.
تاجر: أغلب الإنتاج يُهرب عبر تشاد، ولا تصل سوى شحنات شحيحة إلى ميناء بورتسودان تصدر تحت نظر السلطات السودانية التي تفرض عليها ضرائب.
بالكاد يلتقط بحيري أنفاسه للعودة من جديد إلى تجارة الصمغ العربي فالرجل يعمل على تصدير هذا المنتج الحيوي بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا كما تنتظر شركات أميركية واردات الصمغ السوداني.
يقول بحيري لـ(عاين): إن “أغلب الإنتاج يُهرب عبر تشاد كون المناطق المنتجة تتركز في حزام كردفان ودارفور، ولا تصل سوى شحنات شحيحة إلى ميناء بورتسودان تصدر تحت نظر السلطات السودانية التي تفرض ضرائب عليها”.
وقال: إن “جنود وضباط الدعم السريع يحصلون على مبالغ كبيرة من شحنات الصمغ العربي والمال الذي يطلبونه يكون حسب كمية الشحنة إذا كانت تفوق العشرة أطنان يطلبون مليون جنيه ما يعادل 650 دولاراً”.
وتابع: “يتعمد التجار نقل شحنات قليلة، حتى يتم تفادي نقاط التفتيش التي أنشأتها الدعم السريع في شمال كردفان على طول الطريق الرئيسي في مثل هذه الأوضاع لا يفضل التجار التنقل كثيراً كما كان في السابق؛ لأن الوضع الأمني أيضاً يهدد حياتهم”.
توقف كبريات الأسواق
تبلغ مساحة حقول الصمغ العربي في السودان نحو نصف مليون فدان تشمل أكثر من ست ولايات سودانية أغلبها تقع في مناطق تستعر فيها العمليات الحربية بين الجيش والدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023.
ويتم استخراج مادة الصمغ العربي من شجرة “الأكاسيا” وهي شجرة تتحمل المناخ الجاف والمعتدل خلال فصل الخريف ومنذ القتال الذي يجري في السودان أصبح السوق الرئيسي في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان على بعد 600 كيلو متر غربي الخرطوم خارج الخدمة اليومية بسبب الوضع الأمني.
يقول خالد المتعامل في سوق المحاصيل بمدينة الأبيض الخاضعة لسيطرة الجيش لـ(عاين): إن “المزارعين عادة كانوا يجلبون الشحنات اعتباراً من شهر أكتوبر موسم حصاد الصمغ العربي الذي يبلغ ذروته خلال نهاية ومطلع العام.. كل هذه الأشياء الآن شبه متوقفة بفعل الحرب”.
ويرى خالد، أن مئات الآلاف من المواطنين الذين كانوا يعتمدون على زراعة وتجارة وتسويق الصمغ العربي في السودان تضرروا منذ اندلاع الحرب، وتشرد معظمهم لأن زراعة الصمغ العربي غير مكلفة أذ تعتمد على حقول في البر تنتج المادة المطلوبة بشدة عالمياً، وتحصل على آلاف الدولارات نظير إرسال الشحنات إلى الأسواق المحلية هناك ينتهي دور المزارعين الريفيين.
بارقة أمل شحيح
وللحصول على أجوبة من الجانب الحكومي تواصلت (عاين) مع مسؤول في مجلس الصمغ العربي السوداني، وقال إن السودان صدر حتى العام 2022 نحو (65) ألف طن الصمغ العربي عبر الطرق الشرعية ومنذ مطلع أبريل الماضي انخفض سعر الطن محلياً إلى 610 دولار إلى 240 دولاراً لأن أولئك التجار الذين يوردون الشحنات إلى الأسواق في العاصمة السودانية، ومنها إلى الموانئ وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا مال لتحمل تكلفة الشحن لجهة أن جميع المكاتب التجارية وسط العاصمة السودانية نهبت بالكامل، ودمرت بسبب القتال.
مسؤول حكومي: انهيار أسواق الصمغ العربي في السودان؛ لأن الإنتاج كان يرسل إلى العاصمة السودانية، ومن هناك عبر الشاحنات إلى الموانئ، وبعد الحرب لا يمكن حدوث هذا الأمر.
ويقول المسؤول الحكومي الذي فضل حجب اسمه: “ثمة بارقة أمل تلوح في الأفق إذا سيطر لمجلس على مناطق إنتاج الصمغ العربي في المناطق الآمنة ثم منحهم الثقة عن طريق التمويل المصرفي هناك عمل ملموس إذا نجح ربما يستعيد هذا القطاع حيويته قريباً”.
وأردف: “من الطبيعي انهيار أسواق الصمغ العربي في السودان؛ لأن الإنتاج كان يرسل إلى العاصمة السودانية، ومن هناك عبر الشاحنات إلى الموانئ بعد الحرب لا يمكن حدوث هذا الأمر بسلاسة كما كان يحدث.. إنها الحرب تدمر كل شيء”.
خسائر قد تسد العجز
يخسر السودان سنوياً بسبب فاقد إيرادات الصمغ العربي بالطرق الشرعية نحو ثلاثة مليار دولار حسب تقديرات الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم، الذي يقول إن “هذه الأموال كافية لسد العجز في الميزان التجاري الذي يصل إلى ثلاثة مليارات دولار قبل الحرب”.
ويعتقد إبراهيم في حديث لـ(عاين) أن اقتصاد السودان يتضرر من تهريب الصمغ العربي عبر دولار الجوار خاصة تشاد. وأشار إلى أن التهريب متعدد الطرق، وقد يمتد إلى مصر خلال الحرب؛ بسبب الوضع الأمني وانتشار شبكات الفساد التي على صلة مع الطرفين المتحاربين، وتدفع الرشاوى في طرق المرور السريع لمرور الشاحنات.
ويقول إبراهيم، إن “الدول الغربية التي تطلب الصمغ العربي بشدة من السودان عملت على خلق بدائل في تشاد ونيجيريا ودول غرب أفريقيا، لكنها بلدان ليست بإمكانها سد العجز في هذه السلع؛ لأن السودان يسيطر على 70% من الإنتاج العالمي، وفي بعض التقارير تقول إن السودان تحتل 90% من الإنتاج؛ لأن الحقول منتشرة في مساحة 600 ألف فدان”.
ويواجه إنتاج الصمغ العربي في السودان مصيراً مظلما وفق المتعاملين في هذا القطاع، ولا يمكن إيجاد حل للأزمة دون المرور عبر وقف الحرب وإنهاء انتشار العصابات المسلحة في مناطق الإنتاج وعدم وقوع البلد في مأزق التقسيم حسب سيطرة كل الطرفين المتنازعين.