“النقابات”.. كيف تخطط سلطة الجيش السوداني لإحياء نفوذ الإسلاميين؟
عاين- 14 يونيو 2025
قبل تشكيل وزاري مرتقب في الحكومة التي يقودها الجيش السوداني من مدينة بورتسودان، عاد الجدل مجدداً بشأن النقابات العمالية في البلاد، وذلك عقب سلسلة من القرارات الرسمية المتضاربة فيما بينها، في خطوات فسرها مهتمون بالمجال النقابي بأنها تهدف في مجملها إلى تمهيد الطريق لإعادة تمكين نظام الحركة الإسلامية السابق في القطاع الحيوي.
وبدأت خطوات إعادة تمكين نظام الإخوان في النقابات منذ الانقلاب العسكري لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021م، لكن المخطط توسع في أبريل من العام الجاري بموجب قرار أصدره مسجل عام تنظيمات العمل قضى ببدء توفيق أوضاع المكاتب التنفيذية للنقابات العمالية توطئة لإجراء انتخابات خلال أسبوعين، غير أنه لم يمض إلى الأمام بعدما خلف جدل واسعاً.
وخلال مايو من العام الحالي أصدرت مسجل عام تنظيمات العمل المستشارة آمنة الصادق كبر قراراً يقضي بإنهاء الدورة الانتخابية لجميع المكاتب التنفيذية لتنظيمات أصحاب العمل والاتحادات والنقابات، مبررة الخطوة بانتهاء الأجل القانوني لها وهناك حاجة إلى إعادة تنظيمها.
المكاتب التنفيذية للنقابات والاتحادات التي تعمل حالياً هي مورثة منذ عهد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وانتخبت بموجب قانون النقابات للعام 2010م، وجرى حلها بعد ثورة ديسمبر، قبل أن يعيدها البرهان عقب انقلابه العسكري على الحكومة الانتقالية.
ومنذ سيطرته على الحكم في 1989م يتبع نظام المؤتمر الوطني المعزول، ما يعرف بنظام نقابة المنشأة، أي أن تكون النقابة للعاملين في أي مؤسسة على حدا، مع إنشاء اتحادات مهنية موالية له، وعزز ذلك في كل قوانين النقابات وآخرها قانون العام 2010، وذلك لتحجيم الحركة النقابية.
وكانت قوى الثورة تخطط إلى سن قانون جديد يقر نقابة المهنة، بمعنى أن يكون لكل قطاع مهني، أطباء، صحفيين، مهندسون وغيرهم من المهن نقابة خاصة بهم، وتحقيق حرية الحركة النقابية، وهو النظام الذي كان سائداً في البلاد، قبل أن يأتي نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بانقلاب عسكري في يونيو 1989، واستبدله بنقابة المنشأة.
تمكين الإخوان
وبررت مسجل تنظيمات العمل آمنة الصادق كبر قرارها، بأنه يهدف إلى حماية أموال وممتلكات النقابات، في ظل النزاع المسلح وما خلفه من فوضى ربما تعرض هذه الممتلكات إلى الخطر.
ويشير الخبير القانوني والنقابي محمد التوم إسماعيل، إلى تضارب واضح في قرار مسجل تنظيمات العمل مع قرارات سابقة لمجلس السيادة بعد انقلاب البرهان قضت بحل وإعادة النقابات والاتحادات، وفي ذلك أخطاء وتناقض بين الجهات الرسمية يعكس عيباً قانونياً.
يهدف قرار إنهاء الدورة النقابية للمكاتب التنفيذية إلى إعادة عناصر نظام حزب المؤتمر الوطني على نحو رسمي، والقضاء على مكتسبات ثورة ديسمبر
خبير قانوني
ويقول إسماعيل في مقابلة مع (عاين) إن الهدف الحقيقي من كل هذه القرارات هو إعادة نظام المؤتمر الوطني البائد بشكل رسمي، مما يقضي على كل المكتسبات النقابية وضياع حقوق العاملين، لكون التشكيل النقابي القادم سيستند إلى قانون العام 2010 المعيب، والذي يتعارض مع الاتفاقيات العمالية الدولية التي صادق عليها السودان.
وشدد أن قرار مسجل التنظيمات لا يسري على نقابة المحامين من الناحية القانونية؛ لأنها تعمل بموجب قانون خاص، وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه ربما تكون معنية في الأساس بالإجراءات الأخيرة؛ لأن السلطة تواجه مشكلة في كيفية تسييرها.
من جهته، اعتبر عضو لجنة المعلمين السودانيين علي عبيد، قرار حل النقابات الحالي بمثابة كلمة حق أريد بها باطل، فالنقابات التي حُلت فاقدة للشرعية بانتهاء مدتها منذ أربع سنوات ماضية، كما أنها تشكلت بموجب قانون 2010 الذي سنه النظام البائد، والذي يخالف الاتفاقية 87 الدولية التي صادق عليها السودان، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه النقابات تم تحلها إجرائيا عقب الثورة وتجميد قانونها.
مسجل التنظيمات يسعى للالتفاف على العمل النقابي من خلال تحويل المكاتب التنفيذية السابقة إلى لجان تمهيدية مهمتها تأسيس نقابات موالية للسلطة
عضو بلجنة المعلمين السودانيين
وقال عبيد في مقابلة مع (عاين): “الهدف من هذا القرار هو الالتفاف على العمل النقابي بتحويل النقابات السابقة إلى لجان تمهيدية، تعمل على بناء نقابات سلطة، تمامًا كما كان الحال قبل الثورة”.
وفيما يتعلق بكيفية التعامل مع هذا القرار، ذكر عبيد ثلاث خطوات رئيسية: أولها الطعن القانوني في عدم قانونية تدخل مسجل عام تنظيمات العمل لفرض لجان تمهيدية، ثانيًا، الطعن في أن هذه الإجراءات لمخالفتها الاتفاقية 87 التي صادق عليها السودان ووقعها. ثالثًا، مخاطبة منظمة العمل الدولية بهذه المخالفات، داعياً إلى مخاطبة كافة القطاعات المهنية للتمسك بحقها القانوني.
محاولات مفضوحة
وكانت تنسيقية المهنيين والنقابات أعلنت رفضها لقرار مسجل التنظيمات، واعتبرته محاولة مفضوحة لتمرير أجسام نقابية تابعة للنظام البائد، تحت غطاء “لجان تمهيدية”، توطئة لإعادة تمكين أدوات القمع النقابي التي لفظتها الثورة، وأسقطها الشعب السوداني بثمن باهظ من الدماء والتضحيات”، حسب وصفها.
وأكدت التنسيقية في تصريح صحفي أن النقابات التي نشأت تحت مظلة التمكين الإنقاذي لا شرعية لها، وأن سقوط النظام البائد أسقط معها شرعية أدواته، وأنها لن تقبل إعادة تدويرها تحت أي مسمى أو تبرير.
وقالت: “أي عملية تنظيم للعمل النقابي يجب أن تتم تحت مظلة مدنية ديمقراطية، وبإرادة القواعد النقابية، لا بقرارات فوقية صادرة عن أجهزة دولة مختطفة، ولا عبر أجسام مفروضة دون انتخابات حرة ونزيهة”، وحذرت من استغلال القرار في تكوين لجان تمهيدية مسيّسة تُكرّس للعودة إلى قبضة السلطة على النقابات.
ودعت التنسيقية قواعدها في كل النقابات المهنية إلى الوقوف صفاً واحداً لإسقاط هذه المحاولات، وعضدت دعوتها بأن القرار الصادر من مسجل تنظيمات العمل يمثل تجاوزًا واضحًا للنقابات المنتخبة والمعترف بشرعيتها من قواعدها، بنقابة الصحفيين السودانيين، واللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء، ونقابة الدراميين واللجنة التمهيدية لنقابة التمريض.
ورأت أن تجاوز هذه الكيانات يمثل انتهاكًا واضحًا لاستقلالية التنظيم النقابي، ومحاولة لفرض وصاية الدولة على النقابات. وشددت التنسيقية على قوى الثورة الحية، والقواعد النقابية الديمقراطية، داعية إلى إعلان موقف واضح وموحد ضد هذا القرار، والعمل المشترك لوقف محاولات اختطاف العمل النقابي.
بدوره، يقول الخبير القانوني المعز حضرة لـ(عاين): “هذا قرار خاطئ من حيث الزمان والمكان، فالسودان يعيش حالة حرب، وأولوية الشعب هي وقف القتال وتوفير العلاج والطعام والأمن، كذلك يفتقد الإجراء للقانونية والشرعية، وأصدرته سلطة لا تملك أي شرعية”.
وبحسب حضرة، فإن القرار يهدف إلى إعادة تمكين عناصر النظام السابق في اللجان التسييرية للنقابات، واستئناف تحكمهم السابق في القطاع النقابي والعمالي.
عمال مشردون
وتساءل المعز عن الكيفية التي تجرى بها انتخابات للنقابات في ظل الحرب التي شردت العمال عن مؤسساتهم، وأصبح معظمهم بين نازحين ولاجئين خارج البلاد، وهو ما يؤكد أن القرار الحكومي غرضه إعادة تمكين عناصر حزب المؤتمر المعزول.
وأكد الخبير النقابي محجوب كناري، في مقابلة مع (عاين) أن المرسوم الدستوري الخاص بحل النقابات ليس قانونًا، بل هو محاولة لطمس أخطاء قرار المسجل وإعادة النقابات السابقة. ويرى أن هذا القرار والمرسوم يهدفان إلى إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل ديسمبر 2019.
وأضاف كناري أن القرار “معيب” ويتناقض مع قانون النقابات لعام 2018 وقانون النقابات لعام 2022، الذي أقره مجلس الوزراء، ولم يُجَاز في جلسة مشتركة مع مجلس السيادة. كما يتناقض أيضًا مع الاتفاقية 87 لعام 1948 التي وقعت عليها الحكومة السودانية. وأشار إلى أن إنهاء الدورة النقابية يتم بواسطة الاتحاد وليس المسجل.
لا يمكن محو مكتسبات الثورة في القطاع النقابي، ورغم امتلاك الحكومة للسلطة، لكن تنفيذ مثل هذه القرارات ليس سهلاً
خبير نقابي
وشدد على أن الحكومة تحاول إعادة النقابات التي انتهت مدتها بنص القانون، وتسعى لإعادة “التمكين” في النقابات، على غرار محاولاتها في الخدمة المدنية وغيرها من أدوات الحكم. لكنه لفت إلى أن الحكومة لا تنظر إلى المتغيرات التي أصبحت واقعًا لا يمكن تجاوزه.
وأوضح أن الحراك النقابي الذي تم خلال الفترة الانتقالية لا يمكن محوه بقرار أو مرسوم دستوري، وأن الحكومة تدرك جيدًا أنها لا يمكن أن تعيد تجربة “التمكين” في العمل النقابي، فقد جرت مياه كثيرة في مجرى هذا النهر.
وأقر كناري بأن الحكومة بيدها القلم والسلطة، ويمكنها إصدار القرارات، لكن تنفيذها في ظروف ما بعد ثورة ديسمبر وما بعد الحرب ليس باليسر الذي يتخيله صناع القرار. مؤكدًا أن الحركة النقابية لها تاريخها وتقاليدها وقوانينها وجماهيرها، وهي التي تحدد أشكالها وطرق تنظيمها، ولن تفلح القرارات المرتجلة في تدجينها.
واختتم حديثه بأن المطلوب من الحكومة هو توفير المناخ الملائم لقيام النقابات، وذلك بوقف الحرب وبسط الحريات النقابية وترك الأمر للقواعد لبناء نقاباته.