السودان: ماهي مخاطر إعلان حكومة في مناطق سيطرة الجيش؟
1 سبتمبر 2023
مع استمرار الحرب المندلعة في السودان وخروج القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بعد حصار استمر لأكثر من أربعة أشهر داخل مقرات القيادة العامة للجيش، يأمل السودانيين في أن يمثل هذا الخروج بداية لإيقاف الحرب بين الجيش والدعم السريع، وإنهاء حالة الانسداد السياسي وسط مخاوف من إعلان البرهان تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الجيش.
ومع التوقعات بإعلان البرهان حكومة تسيير أعمال في المناطق الآمنة فإن الخطوة ربما تزيد وتيرة الحرب الشرسة بين الجيش والدعم السريع.
والخميس ظهر القائد العام للجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في تسجيل مصور في قاعدة وادي سيدنا الجوية في أم درمان توجه بعدها إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل وتفقد مقر سلاح المدفعية ومصابي القتال بمستشفى الجيش والشرطة.
وبدأ البرهان أولى زياراته الخارجية إلى دولة مصر التي استمرت لساعات الثلاثاء الفائت حيث استقبله بمطار العلمين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وتناول اللقاء أوجه التعاون المشترك بين البلدين وتطورات الأوضاع في السودان والجهود المبذولة لتسوية الأزمة في السودان، بحسب مجلس السيادة الانتقالي.
وأدى القتال بين الجيش والدعم السريع لمقتل آلاف المدنيين وشرد نحو 4.5 مليون شخص بحسب منظمات دولية، مع توقف شبه تام لحياة المواطنين في العاصمة. كما تسبب القتال في أزمة إنسانية كبيرة، مع استمرار إغلاق المستشفيات وانقطاع الكهرباء والمياه ونقص الغذاء.
وكان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار الذي عينه البرهان، أعلن منتصف أغسطس الجاري، في كلمة أذاعها تلفزيون السودان عن خارطة طريق تتضمن إيقاف القتال بين الجيش والدعم السريع وتدشين حوار شامل يؤسس لمرحلة انتقالية.
وأشار عقار في خطابه إلى أن خريطة الطريق هي الخطوة الأولى التي ستؤدي إلى إجراء انتخابات ديمقراطية في البلاد، مشيرا إلى أن عملية سياسية شاملة ستعقب إنجاز خريطة الطريق وتضم جميع القوى السياسية المدنية المهتمة بتأسيس الدولة السودانية. كما قال أن السلطة التنفيذية ستشرف على تنفيذ خريطة طريق لإنهاء الأزمة الحالية. ولفت وقتها إلى أن الوضع في السودان يجعل تشكيل حكومة لتسيير شؤون الدولة أمرا ضروريا.
مخاطر
“المنتظر من خروج القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان هو الدفع بأجندة الحل السياسي”. يقول عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق محمد الفكي سليمان. ويشير إلى أن الحرب التي استمرت لشهور طويلة عملت على تدمير البنية التحتية السودانية والاقتصاد الوطني، فضلا عن الخسائر الكبيرة في الأرواح.
ونوه الفكي في مقابلة مع (عاين)، أن خروج البرهان يمثل عودة الحلول السياسية للسطح عن طريق البحث عن سبل إيقاف الحرب.وأوضح أن تكوين حكومة لتسيير شؤون الدولة لن يكون مفيداً كما أنه سيعمق الأزمة السياسية الراهنة في السودان.
ورأى عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، أن الأفضل هو وضع وقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع على رأس الأجندة وبحث كيفية معالجة الأزمة الانسانية المستمرة. ولفت إلى أن دخول المساعدات الإنسانية يحتاج إلى وقف إطلاق النار وليس لتشكيل حكومة. وإعتبر الفكي، أن تشكيل حكومة سيعمل على إطالة أمد الحرب كما سيجعل كل طرف يتمترس حول موقفه.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي، بكري الجاك، في حديث لـ(عاين) أن خروج البرهان وحديثه باسم مجلس السيادة الانتقالي يحاول الفصل بين شرعية الدولة وقيادتها وبين قيادة القوات المسلحة السودانية. وأوضح الجاك، أن مفاوضات جدة كانت تتعامل مع الوفد المفاوض للجيش كممثل له وليس ممثل عن الحكومة السودانية.
ومنذ مطلع مايو الماضي، تستضيف السعودية مفاوضات غير مباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع بتسهيل مشترك مع الولايات المتحدة.
ووقع الطرفان في 11 مايو إعلان جدة لحماية المدنيين، إلا أنهما لم يلتزما به بعد أن تجددت المواجهات المسلحة بينهما بصورة أكثر شراسة على الرغم من توقيعهما على العديد من الهدن.
واستبعد الجاك، إعلان حكومة في مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر معتبراً أنها خطوة غير صحيحة ولن تكون موفقة، خاصة أن دولة مصر نبهت القائد العام بعدم المضي في هذه الخطوة.
كما لفت الجاك، إلى أن إعلان حكومة سيعمل على تعقيد المشهد السياسي، بفتح الباب لتعدد السلطات التي يمكن إعلانها بواسطة آخرين، مما سيفضي إلى وجود حكومات متنازعة بتبعات معقدة.
ويحذر بكري الجاك، من خطورة إعلان حكومة معتبراً أن الخطوة يمكن أن تؤدي إلى شرعنة تقسيم الدولة السودانية. وتابع: إذا تم إعلان حكومة بواسطة الجيش، فما الذي يمنع الدعم السريع من إعلان حكومة في العاصمة الخرطوم أو أي مدينة أخرى.
ولفت الجاك في مقابلة مع (عاين)، إلى أن حدوث تنازع حول السلطة الحاكمة وشرعية استمداد سلطتها سيفتح الباب للتنافس والصراع حول كيفية إدارة ملف المساعدات، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى أن تكف الدول المانحة عن تقديمها أو تضطر إلى تقديم المساعدات الانسانية للسودانيين بنفسها، وهو الأمر الذي سيؤثر سلباً على انسيابها.
من جهته يرى الخبير والمحلل السياسي الحاج حمد محمد خير، أن خروج القائد العام للجيش يعبر عن احتياجه لحشد التأييد العسكري بعد الركود الذي أصاب توجه القيادة العسكرية التي كانت تهدف إلى هزيمة التمرد. وتابع: “في نفس الوقت كان التوافق في الأوساط الإقليمية على مبادرة عقار دليل على القبول بالحلول السلمية”.
ولفت خير إلى أن إنتقال مؤسسات الحكم إلى مدينة بورتسودان مثّل صعوبة في عملية اتخاذ القرار جراء العزلة التي فرضت على البرهان بسبب الحصار الذي كان مفروضاً عليه.
وأضاف في مقابلة مع (عاين): “كما أن تسرب المعلومات حول دعم مليشيا البراء وبقايا نظام الإنقاذ في حرب الجيش على الدعم السريع سبب مشكلة لقيادة الجيش لأن هذه القوى تعتبر مرفوضة شعبياً واقليمياً ودولياً”.
وأشار خير، إلى أن كل ذلك عقد من الأزمة السياسية في نظر البرهان ولم يعد لديه إلا خيار واحد وهو الذهاب إلى الحلول التفاوضية لحل الأزمة السودانية. ولفت إلى أن القائد العام للجيش إختار مبادرة دول الجوار لأن مصر تدعمه شخصياً، لذا بدأ أولى زياراته الخارجية لها، على أن تقوم مصر بدور الميسر لجسر العودة للتفاوض.
واستضافت القاهرة في 12 يوليو الماضي مؤتمر دول جوار السودان، لبحث سبل إنهاء الصراع الحالي وقامت بطرح مبادرة لوقف إطلاق النار يمتد لثلاثة أشهر تطلق خلالها عملية سياسية شاملة.
وضمن نقاط أخرى، أكدت المبادرة على على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني.
واتفقت المبادرة على إنشاء آلية وزارية بشأن السودان على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد من أجل وضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال.
وبالنسبة إلى عزم الجيش إعلان حكومة في مدينة بورتسودان، فإن الخبير والمحلل السياسي الحاج محمد خير، يرى أن الجيش لن يقوم بتشكيل حكومة لأن ذلك يعيده إلى مربع العزلة من جديد.
من جانبه يرى المحلل السياسي، مصعب محمد علي، أن خروج البرهان بإمكانه المساعدة في طرح رؤية الجيش للحل التفاوضي من خلال زياراته المتوقعة إلى بعض دول الجوار التي بدأها بدولة مصر، وهو الأمر الذي يمكن أن يساهم في إنهاء الحرب مستقبلا.
ويتوقع علي في مقابلة مع (عاين)، أن يرجئ البرهان خطوة تكوين حكومة أو إلغاءها تماماً، لافتاً إلى أن إعلان حكومة في ظل الحرب المندلعة بين الجيش والدعم السريع سيعمق الأزمة السياسية في السودان.
أما في حالة القيام بتنفيذ خطوة إعلان حكومة، يرى المحلل السياسي محمد علي، أن الدعم السريع سيعمل على اعلان حكومة أيضاً، وهو الأمر الذي سيقود إلى سيناريو الحكومتين مما سيعمل على تعقيد الأزمة الراهنة، مما يؤخر عملية الحل السياسي. كما لفت إلى أن خطوة تشكيل حكومة لن يساعد في إيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين لأن وقتها ستكون المناطق مُسيطر عليها بواسطة أكثر من إدارة.