كيف يحدد الذهب خارطة حرب السودان؟
عاين- 3 أغسطس 2023
بالتزامن مع اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للسيطرة على مرافق حيوية في العاصمة، كانت حرب أخرى تدور بين الطرفين حول مورد الذهب الرئيسي في البلاد.
دارت أشرس المعارك في مايو الماضي للسيطرة على مباني مطبعة العملة الواقعة غرب الخرطوم والتي توجد بها مصفاة الذهب الحكومية وهي هجمات عسكرية شنتها قوات الدعم السريع بهدف الاستيلاء على المال والذهب معا في حرب السودان.
طالت الاتهامات قوات الدعم السريع بالاستحواذ على 40 كيلو من الذهب من مباني مصفاة المعادن عقب معركة مطبعة العملة غرب الخرطوم نهاية مايو الماضي، لكن حسب المعلومات التي نقصت عنها (عاين) قام الجيش قبل وقت كاف من الهجوم بنقل شحنات الذهب إلى موقع آخر.
لكن تقرير حديث للمرصد السوداني للشفافية والسياسات، ذكر بأن قوات الدعم السريع بعد استيلائها على مصفاة الذهب وضعت يدها على ذهب قيمته 150.0 مليون دولار- حسب السعر العالمي في أبريل الماضي.
سباق تمويل الحرب
سباق تمويل الحرب من إيرادات الذهب لم يتوقف في السودان رغم انخفاض الإنتاج إلى 10% منذ بداية الصراع المسلح متأثرا بالإغلاق الذي طال نحو 41 شركة عاملة في مجال التعدين مقارها في الخرطوم حيث تشتد المعارك العسكرية بينما تعمل أربعة شركات فقط حاليا وهي الأكثر إنتاجا تحت مناطق سيطرة الجيش- وفقا لما ذكر مصدر من قطاع المعادن مشترطا حجب اسمه لـ(عاين).
المصدر الذي فضل عدم كشف اسمه لأنه “يخشى الملاحقة الأمنية في السودان خاصة وأن طرفي القتال يتعاملان بحساسية مع قطاع الذهب” يقول أن المعدن الأصفر ساهم في “بناء ترسانة عسكرية سيما لقوات الدعم السريع”.
وأردف :”قوات الدعم السريع من العام 2015 وحتى 2022 أنتجت نحو 240 طنا في المتوسط وحصلت بموجب ذلك على أكثر من 25 مليار دولار ولذلك قوات حميدتي لا تواجه مشكلة تمويلية للعمليات العسكرية في السودان”.
فيما يؤكد عبد الله الريح الخبير، في قطاع المعادن لـ(عاين)، أن قوات الدعم السريع تحصل على نسبة كبيرة من الإنتاج منذ سنوات فيما يعرف بـ”أسفل الطاولة” أو الصفقات السرية مع الشركات الكبيرة في مجال التعدين في ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر مقابل توفير هذه القوات الحماية والمتفجرات المستخدمة في تفتيت الصخور.
تمدد الجيش في أرياب
بينما تتركز استثمارات الجيش في الذهب بمنطقة أرياب بولاية البحر الأحمر ويستحوذ على مواقع “خصبة” بالمعدن الأصفر يقدر الإنتاج سنويا بخمسة أطنان من الذهب في العام غير مسجلة في البيانات الحكومية الرسمية. وفقا لمصدر في قطاع المعادن تحدث لـ(عاين).
يؤكد المصدر، أن إيرادات الذهب لا تشكل أولوية في الاتفاق العسكري الذي يخص الجيش ربما هناك دول تمول هذه العمليات مقابل الحصول على استثمارات واسعة من المعدن الأصفر بعد توقف الحرب وفق أسلوب “الهيمنة” خاصة مصر التي تركز في السودان على المياه والزراعة والذهب.
ويتابع قائلا:” بعد توقف مطار الخرطوم وتضرر المباني بفعل القصف الجوي والأرضي منذ اليوم الأول في النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع لم يعد بالإمكان تصدير الذهب إلى سوق دبي في الإمارات العربية المتحدة”.
يقول الخبير في قطاع التعدين علاء الدين فيصل في مقابلة مع (عاين)، إن الذهب السوداني يصدر عن طريق التهريب لـ 90% من الإنتاج والتصدير مستمر من الشمالية والبحر الأحمر ونهر النيل الى مصر أما الإنتاج في اقليم دارفور وكردفان يتم التهريب عبر أفريقيا الوسطى والإنتاج حسب سيطرة كل طرف عسكريا على مناجم الذهب.
يقول الخبير في قطاع التعدين، عبد الله الريح، إن الحرب انعكست على الإنتاج سلبا وحاليا في جميع أنحاء السودان، وإذا كان قبل الحرب متوسط الإنتاج السنوي 55 طنا فإنه في الوقت الراهن أقل من 20 طن على أساس سنوي أي أنه لم يعد مغريا في الوقت الحالي لتمويل العمليات العسكرية لكن الذهب حاسم في تحديد خيارات التدخلات الخارجية للاستفادة منه لاحقا عندما تتوقف الحرب.
انتاج رسمي شحيح
فيما يتعلق بالإنتاج المنظم والمراقب بواسطة وزارة المالية بقيادة جبريل إبراهيم ووزير المعادن أبو نمو “حركة مناوي” هناك إنتاج شحيح يديره الرجلان حاليا لتغطية النفقات الحكومة وتمويل تحركاتهم السياسية واللوجستية لذلك عندما وقع انقلاب 25 أكتوبر 2021 انحاز الرجلان الى قائد الجيش لأن الذهب “عامل حاسم” في صراع السودان وتشكيل التحالفات بين العسكريين وقادة المعارضة المسلحة. حسبما يقول علاء الدين فيصل الخبير في قطاع التعدين والذي يعمل ضمن تجمعات نقابية مناهضة لتهريب الذهب السوداني.
فيما يقول مصدر من قطاع تعدين الذهب في العاصمة السودانية كان مقربا من مشروع إنشاء بورصة الذهب للحد من التهريب:”يمكن تغطية العجز في سداد الأجور للعاملين في القطاع الحكومي الذين لم يحصلوا على الرواتب منذ أربعة أشهر من إيرادات الذهب لكن ذلك لم بعد ممكنا مع نقص الإنتاج والأولوية للعمليات العسكرية للأموال الشحيحة القادمة من ريع الذهب في ظل توقف دافعي الضرائب عن تمويل الخزانة العامة لوقف الأنشطة الاقتصادية في أكبر مدن السودان” .
يتابع المصدر:”الجيش لا يمول عملياته الحربية من شركات الذهب بشكل مباشر لكن إذا ضخت وزارة المالية أموال العتاد الحربي فإن الذهب هو المورد الوحيد المتاح حاليا مع إيرادات الموانئ شرق البلاد لذلك قرر وزير المالية جبريل البقاء في بورتسودان بعد اندلاع الحرب في الخرطوم”.
أما قوات الدعم السريع الدعم السريع حسب الخبير في التعدين عبد الله الريح، تعتمد على مجموعة من شركات التعدين مثل شركة الجنيد التي تركز على تراخيص “مخلفات الكرتة” في ولاية جنوب دارفور منطقة سنقو ومن هناك تهرب الى أفريقيا الوسطى وتصل إلى بورصة دبي في الإمارات.
ويضيف الريح:”الدعم السريع لديها أنشطة تعدينية في محلية برام الكبرى في إقليم دارفور بالإضافة الى عملياتها في جبل عامر في شمال دارفور حيث تمتلك مصنع استخلاص الذهب الرسوبي ومصنع مخلفات التعدين في المنطقة الغنية بالذهب بينما يقع مقرها الرئيسي لادارة شركات الذهب في شارع النيل بالعاصمة الخرطوم جوار نادي النيل المملوك لجهاز المخابرات وهي شركة خدمات التعدين وتقع هذه المنطقة حاليا تحت سيطرة قوات دقلو أثناء النزاع المسلح وقد تؤول في أي وقت تحت سيطرة الجيش رغم أنه مجرد مقر إداري”.
الدعم السريع تخسر
بالمقابل وبسبب الحرب خسرت قوات الدعم السريع إيرادات شركة سودامين الحكومية التي تمتلك فيها حصة تقدر بنسبة 33% حصلت عليها بموجب صفقة التنازل عن مناجم في جبل عامر بولاية شمال دارفور في العام 2020 .
ويقول المصدر، إن شركة سودامين تمتلك مصنعين لإنتاج الذهب في محلية أبو حمد إلى جانب مربعات تعدين في مثلث عوينات غرب البلاد. ويؤكد المصدر، أنه من الناحية القانونية لا زالت الدعم السريع تملك حصتها في سودامين طالما لم تصدر قرارات تقضي بإلغاء هذه الشراكة بين حكومة السودان وشركات حميدتي.
“في ذات الوقت فإن هذه الأنشطة المستمرة في إنتاج الذهب في المواقع المملوكة لسودامين فإنه من غير المؤكد عما إذا الدعم السريع تحصل على نصيبها من الإنتاج بعد اندلاع القتال وفي الغالب في ولاية نهر النيل فإن الحكومة فرضت إدارتها على الشركة تماما بالمقابل فإن قوات الدعم السريع استحوذت على جميع المواقع التي تنازلت عنها للحكومة في 2020 في جبل عامر بعد اندلاع القتال في منتصف أبريل الماضي”. يضيف المصدر.
اقتصاديات الذهب
تشتري قوات الدعم السريع الذهب مباشرة من المصدرين في أسواق دبي منذ سنوات خاصة في العامين الأخيرين لتوسع رقعة نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في السودان.
يقول عبد الله الريح، إن الدعم السريع تعتمد أيضا على الاستثمار في سوق الذهب مستغلة امتلاكها معلومات وعلاقات واسعة مع الشركات المنتجة في السودان. ويقول الريح، إن الدعم السريع لديها شركات تعمل في بورصة دبي بالإمارات العربية المتحدة وكذلك بورصة لندن. ومن ضمن شركات الدعم السريع العملاقة في قطاع المعدن الأصفر شركة “اكستيشن” بمدينة وادي حلفا شمال السودان.
خارطة الذهب
يقول الخبير في قطاع التعدين والمناهض لتهريب الذهب السوداني، علاء الدين فيصل، إن قوات الدعم السريع قبل الحرب بفترة قليلة وضعت خططها وفق خارطة إنتاج الذهب الواقعة تحت سيطرتها لذلك فإن أي منجم للمعدن الأصفر في إقليم دارفور وغرب كردفان سيكون تحت سيطرة قوات دقلو في ظل احتماء الجيش بالعاصمة السودانية.
ويوضح فيصل، أن قوات الدعم السريع عندما تركز على عملياتها العسكرية ضد الجيش تضع في الاعتبار وضع “مناجم الذهب” خلف ظهرها لتمويل القتال الذي قد يستغرق سنوات أو إقناع الدول الحليفة بتمويلها بضمان الذهب.
يرى فيصل، أن جزء من أسباب حرب السودان يعود إلى “لعنة الذهب” وسباق الأطراف العسكرية للاستحواذ على المعدن الأصفر الذي بشكل أكبر إيرادات السودان منذ 2015 وزاد النشاط التعديني منذ هيمنة الجنرالات على السلطة الانتقالية ومن ضمن الأجندة السياسية حينما يتواصل العسكريين مع زعماء بعض الدول مثل روسيا ومصر والإمارات وهي ثلاثة دول لديها نفوذ على الطرفين المتحاربين.