قتل وتهجير قسري في (الجزيرة) والجيش يتوعد بمعارك حاسمة

عاين- 30 مارس 2024

منذ سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ودمدني ضمن أكبر مدن ولاية الجزيرة بجانب الحصاحيصا والكاملين نهاية ديسمبر الماضي تحولت هذه المدن مع عدد من القرى إلى ما يشبه “الاستباحة الكاملة“.

وفي أحدث موجة انتهاكات لقوات الدعم السريع بولاية الجزيرة، قال محامو الطوارئ، في بيان اطلعت عليه عاين اليوم السبت، إن “القوات هاجمت خلال الأيام الماضية قرى (ود بهاي، الولي أبوسير، التكلة، مناقزا، شرفت، المدينة، وكمبو خضر، ود حبيب الله، وأم ترتيبات)، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، بجانب عمليات النهب والسلب للممتلكات الخاصة والعنف الجنسي والاحتجاز غير المشروع”، بحسب ما أورد البيان.

وصنف البيان، جرائم الدعم السريع بأنها “انتهاك صارخ لحقوق الإنسان” وفقًا للمواثيق الدولية، حيث تشمل قتل وتهجير السكان قسريًا، ونهب ممتلكاتهم الخاصة.

يقول “معاذ” الذي كان يقيم في مدينة ود مدني، ورافق عائلته مؤخرا إلى مدينة القضارف شرق السودان، أن “الناس حاولوا تطبيع الحياة في ودمدني متناسين انتشار الدعم السريع في غالبية الأحياء وتوسيع نطاق الارتكازات بعد تحذير الجيش من هجوم محتمل، ورغم ذلك لا يمكن الشعور بأن الحياة عادية إذا كان هناك بضعة جنود من الدعم السريع يوجَدون بالقرب منك … يمكنهم إنهاء حياتك في لمح البصر”.

صورة متداولىة على مواقع التواصل الاجتماعي لعمليات نزوح جماعي بولاية الجزيرة عقب تزايد انتهاكات قوات الدعم السريع بعدد من قرى الولاية

قوات الدعم السريع تقول إنها تحاول كبح جماح مقاتليها المسلحين المنتشرين في قرى الجزيرة عقب ارتفاع الانتهاكات التي ترتكب عن طريق هذه القوات، لكن الأوضاع في نظر نشطاء مدنيين في الولاية خرجت عن السيطرة.

يقول مالك 27 عاما، والذي نجا بأعجوبة من قبضة الدعم السريع في المدينة عرب جنوب الولاية لـ(عاين): إن “قوة من الدعم السريع اقتحمت القرية، وقتلت ثمانية مواطنين بدم بارد، ويحاصرون قراهم وكل شخص يقاوم يقتلونه بالرصاص، دون أن يطرف لهم جفن”.

ويشير مالك، إلى أن الطريقة السائدة لقوات الدعم السريع حاليا هي أن تتجمع خمسة إلى ست عربات قتالية على متنها جنود غرضهم الحصول على الأموال والمحاصيل والمقتنيات الثمينة من المواطنين.. لقد خرجوا نهائيا عن السيطرة”.

إدارة مدنية

ونهاية الأسبوع الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع عن انتخاب إدارة مدنية لإدارة أوضاع المواطنين في الولاية برئاسة صديق أحمد عثمان الذي صرح لوسائل الإعلام بعد ساعات من اختياره رئيسا للإدارة المدنية إنه “لا يمثل الواجهة السياسية للدعم السريع، وأن عملية انتخابه جاءت من محليات الولاية، وسيعمل من أجل وقف الانتهاكات التي تطال المدنيين في ولاية الجزيرة معلنا عدم علاقة الدعم السريع بهذه الانتهاكات”.

ويقول المحلل السياسي أحمد مختار لـ(عاين): إن “الإعلان عن إدارة مدنية في ولاية الجزيرة من العاصمة ودمدني بمعزل عن طريقة الاختيار سواء بالانتخاب أو تحت تأثير قوات الدعم السريع التي قطعا أشرفت على هذه الإجراءات، فإن هذه الخطوة لا تعني نهاية الانتهاكات؛ لأن قيادة الدعم السريع نفسها غير قادرة على ضبط قواتها في قرى ومدن الجزيرة”.

وتابع: “أحيانا هذه القوات تتخذ قرارات ارتجالية باقتحام المناطق الآمنة للحصول على السيارات والأموال خاصة إذا عدنا إلى اعتراف قائد الدعم السريع في يناير الماضي في لقاء مع وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بأن هناك قوات وصلت إلى الجزيرة عن طريق الفزع الأهلي وهي خارج سيطرته”.

ويرى مختار، أن الإدارة المدنية لن تحظى بالاعتراف من سكان الولاية الذين قرروا البقاء والتعايش مع الوضع الأمني الراهن في الجزيرة؛ لأن أغلبهم لا يمارسون حياتهم بالطريقة التي كانت سائدة قبل هجوم هذه القوات على الولاية منذ نهاية العام الماضي وجميع المناطق معزولة عن بعضها لتوقف خدمات الاتصال وخدمات النقل والأسواق المشتركة.

هجوم وشيك للجيش

وفي ظل هذه التطورات بولاية الجزيرة يقول قادة الجيش أنهم بصدد شن هجوم بري واسع النطاق على ولاية الجزيرة، وقال نائب القائد العام للجيش الفريق شمس الدين الكباشي من مدينة القضارف الخميس الماضي: إن “القوات المسلحة مستعجلة لحسم المتمردين في أي موقع، وأنه جاء إلى القضارف لمتابعة الترتيبات النهائية لمعركة الجزيرة”.

نائب قائد الجيش الفريق أول شمس الدين كباشي يتوعد من ولاية القضارف بحسم معركة ولاية الجزيرة

ويسعى الجيش للتقدم نحو الولاية الجزيرة عبر محوري ولاية سنار جنوبا ومحور ولاية القضارف شرقا لتضييق الخناق على قوات الدعم السريع وسط توقعات باندلاع معارك عنيفة في ودمدني إذا تمكنت القوات المسلحة من التقدم إلى عاصمة الولاية.

زيادة وتيرة الانتهاكات

ويعتقد أحمد ضوء البيت، وهو باحث في مجال الصراعات المسلحة، أن الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع في قرى ومدن ولاية الجزيرة تقود قادة الدعم السريع إلى المحكمة الجنائية الدولية في حال وجود “تقصير محلي” فيما يتعلق بتطبيق القانون؛ لأن جميع البنود المتعلقة بالجرائم التي تقود إلى المحاكم الدولية حدثت في ولاية الجزيرة من تهجير قسري وقتل ونهب ومنع وصول الإغاثة واستهداف المرافق الصحية والمدنية.

ويرى ضوء البيت، أن زيادة الانتهاكات متوقعة خلال الفترة القادمة؛ لأن الدعم السريع تتوقع هجوما من القوات المسلحة، وقد تلجأ إلى المرافق المدنية والقرى المأهولة بالسكان للاحتماء من هذه الهجمات خاصة سلاح الطيران والمسيرات.

وأردف: “الدعم السريع أيضا حصلت على مسيرات جديدة، وفي الغالب قد تستخدمها في معارك الجزيرة المرتقبة للدخول في مواجهات مفتوحة مع الجيش قد تستمر لفترة طويلة؛ نظرا لصعوبة حسم المعركة في هذه الولاية”.

ويقول ضوء البيت في مقابلة مع (عاين): إن “الجيش فرط في ولاية الجزيرة بصورة لم تكن في الحسبان والمجهود الذي يبذله حاليا كان كافيا إذا بذل نصفه فقط لمنع سيطرة الدعم السريع على الولاية أواخر نهاية العام”.

اشتباكات في ولاية الجزيرة- شرق ود مدني

وأردف: “كل الإمكانيات كانت متوفرة بالنسبة للجيش خطوط الإمداد من سنار والقضارف الغطاء السياسي وإدانات المجتمع الدولي ضد الدعم السريع وقتئذ لكن الجيش انسحب على نحو مفاجئ”.

وأورد بيان محامي الطوارئ، بأن عدداً من المواثيق الدولية التي تنافي الانتهاكات التي يتعرض لها مواطن الجزيرة، والمتمثلة في الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب أو أي شكل من أشكال العقوبات القاسية أو المهينة، والاتفاقية الرابعة لجنيف المتعلقة بحماية المدنيين في أثناء الحرب، والتي تنص على حماية المدنيين من أي تهجير قسري أو إجبارهم على ترك منازلهم. مضيفًا أن المواثيق الدولية تحظر على نحو صريح أعمال النهب والسلب التي تستهدف المدنيين وممتلكاتهم.

وقال البيان الذي اطلعت عليه (عاين) اليوم السبت، إن “هذه الأفعال القمعية وغير القانونية تتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الدولي”. مشيرًا إلى أن “تهجير السكان المحليين قسرًا ونهب ممتلكاتهم يشكل جريمة ضد الإنسانية، ويؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في الولاية”.

وحث البيان المجتمع الدولي على التدخل العاجل لوقف الانتهاكات في الولاية وحماية المواطنين المدنيين، وشدد على ضرورة محاسبة المسؤولين عنها وفقًا للقانون الدولي.