الدعم السريع تروّع سكان قرى الجزيرة وترتكب مجزرة بـ(العُقدة المغاربة)
عاين – 20 فبراير 2024
نفذت قوات الدعم السريع هجوم مسلح مروع استهدف المواطنين العزل في قرية “العقدة” غربي ولاية الجزيرة أواسط السودان، مما أدى إلى مقتل 6 أشخاص من المدنيين وإصابة 9 آخرين على الأقل، ونهب واسع للممتلكات الخاصة، وسط رفض حامية للجيش السوداني مجاورة التدخل.
والهجوم على العقدة الذي تم في أمس الاثنين، ليس سوى واحد من سلسلة اعتداءات قامت بها قوات الدعم السريع على مناطق غرب ولاية الجزيرة خلال الأسبوعين الماضيين على الأقل، حيث وسعت نطاق انتهاكاتها ضد المواطنين في تلك الأماكن بصورة بشعة، وسط انقطاع تام في خدمات الاتصالات والإنترنت.
وقالت لجان مقاومة ود مدني في تعميم على صفحتها الرسمية في فيس بوك يوم الاثنين: “استمرار انقطاع الاتصالات والإنترنت عن ولاية الجزيرة وبعض الولايات الأخرى لمدة أسبوعين، وما زالت مليشيا الدعم السريع تستغل هذا التعتيم الإعلامي، وترتكب كل أنواع الانتهاكات بحق المواطنين”.
وتسببت هجمات الدعم السريع في نزوح شبه جماعي للسكان في مناطق غرب ولاية الجزيرة نحو مدينة المناقل التي يسيطر عليها الجيش وأيضا إلى ولاية النيل الأبيض المجاورة.
وتأتي ارتفاع وتيرة انتهاكات قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، بالتزامن مع تصعيد الجيش السوداني عملياته العسكرية في العاصمة الخرطوم وإعلانه تحقيق تقدم ميداني كبير في جبهة أمدرمان، وذكر في بيان نهاية الأسبوع الماضي أن قواته في منطقة وادي سيدنا شمال أمدرمان تمكنت من الوصول إلى قاعدة سلاح المهندسين الاستراتيجية شرقي المدينة وفك الحصار المفروض عليها منذ 10 أشهر.
وكانت قوات الدعم السريع اجتاحت في أواخر ديسمبر الماضي ولاية الجزيرة، وسيطرت على عاصمتها مدينة ود مدني التي كانت مركزاً رئيسياً للنازحين من الحرب في الخرطوم، وصاحب التوسع في نطاق القتال، عمليات نهب كبيرة للأسواق والممتلكات العامة والخاصة وفق ما وثقته دوائر حقوقية وناشطون، كما دفع مئات الآلاف الأشخاص إلى النزوح.
تقاعس الجيش
ونقل شاهد من قرية العقدة المغاربة المنكوبة لـ(عاين)، أن نحو 50 عنصراً من قوات الدعم السريع على متن سيارات اقتحموا قريتهم، وبدأوا في ضرب الرصاص بكثافة، وخرج السكان إليهم في محاولة منهم لتهدئة الموقف، وأخبروهم بأن لا شيء يستحق إطلاق النار وإحداث كل هذا الرعب، فلا أحد هنا يريد مقاومتكم، لكن المسلحين أطلقوا على جموع المدنيين الذخيرة الحية؛ مما أدى إلى مقتل 6 أشخاص وجرح نحو 9 آخرين تم إسعافهم إلى مستشفى المناقل.
وبحسب الشاهد، فإن القوات المهاجمة نهبت مبالغ نقدية وسيارات مملوكة للمواطنين وآليات زراعية، وبعد ساعات من استباحة قرية العقدة وترويع السكان انسحبت شرقاً.
وتجاور مناطق غرب الجزيرة التي تستبيحها قوات الدعم السريع بشكل تام وتروع وتنهب سكان، قاعدة عسكرية كبيرة للجيش السوداني في مدينة المناقل، والتي توسعت وزادت قوتها بعد انسحاب الحامية العسكرية في ود مدني إليها بعد سقوطها، وليس هناك أي وجود عسكري أو مسلح في القرى التي يكثف الدعم السريع هجومه عليها.
وأظهر سكان المناطق المنكوبة غضباً على قاعدة الجيش في مدينة المناقل والسلطات الحكومية في ولاية الجزيرة، بعد رفض القوات المسلحة الاستجابة لاستغاثتهم والتدخل لحمايتهم من انتهاكات قوات الدعم السريع، قبل أن يطالبوا بإقالة والي ولاية الجزيرة الحالي من منصبه لموقفه السالب تجاه ما يعنونه من أزمة.
ويقول أحد الرموز الأهلين في المنطقة -تتحفظ (عاين) عن ذكر اسمه، “الأمر جلل والانتهاكات متكررة بشكل يومي، لقد تحدثنا مع قادة الجيش في حامية المناقل من أجل التدخل وحماية المدنيين، لكنهم رفضوا تماماً، وقالوا إن ذلك يقع خارج نطاق مهمتهم التي تنحصر في حماية مدينة المناقل والتحرك نحو مدني، وقد حاولنا معهم كثيراً، لكنهم تمسكوا بالرفض القاطع، نحن نشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه هذا الموقف”.
ويضيف “استباحت قوات الدعم السريع المناطق التي تقع في الجزء الشمالي لمدينة المناقل مثل بليلة، الفريجاب، قوز الرهيد، بشكل تام، حيث نهبوا كل السيارات وآليات الزراعية، كما أدى الهجوم على تلك القرى إلى سقوط ما يقرب من 50 شخصاً من المدنيين بين قتيل وجريح”.
وتابع: “الوضع معقد جداً ولم نترك باباً للجهات المعنية من قيادة الجيش والسلطات الحكومية إلا وطرقناه، لكن للأسف ليس هناك أذن صاغية، فلم نجد من يستشعر هذه المسؤولية من المؤسسات العسكرية والتنفيذية بولاية الجزيرة، فمن الضروري تصعيد هذه القضية إلى المستوى المركزي، فالانتهاكات وصلت ذروتها، فنحن نضع قيادة الجيش أمام خيارين، إما حل عاجل للمشكلة أو أن نغادر المنطقة بشكل جماعي”.
نقاط تعسفية
ونصبت قوات الدعم السريع ارتكازات على امتداد القرى الواقعة بين مدينتي الحصاحيصا والمناقل، وتمارس من خلالها عسفًا كبيراً تجاه المواطنين وإخضاعهم إلى عمليات تفتيش قسرية بما في ذلك النساء، مع نهب الأموال والمقتنيات التي بحوزتهم، ويحدث الشي نفسه مع شاحنات البضائع التي تمر عبر ذاك الطريق.
وبحسب متابعات (عاين) فإن ارتكازاً لقوات الدعم السريع في منطقة غرب قوز الرهيد، نهب مواطنين كانوا على متن سيارة نقل جماعي وهم في طريقهم للتسوق في سوق الهدي المجاور، وكان ذلك مطلع فبراير الجاري، وصاحب عملية النهب إذلال وضرب بمؤخرة السلاح “دبشك” لعدد من المدنيين العزل.
وتكثر حوادث النهب تحت قوة السلاح في نقاط تفتيش تقيمها قوات الدعم السريع عند مناطق، كبري ود بلل، قنطرة الهواء، ومدخل ود سلفاب، كبري بخيت، وجميعها على الطريق الرابط بين الحصاحيصا والمناقل، وهي مناطق تقع ريفي طابت الشيخ عبد المحمود، والتي شهدت مؤخراً حادثة ضرب عناصر من الدعم السريع لشابين بالرصاص على أرجلهم وهم يتلقون العلاج في مستشفى المناقل، وفق ما نقله شهود لـ(عاين).
تلك الأعمال الوحشية لم تستثن المزارعين، وفي الأول من فبراير الجاري طاردت عناصر من قوات الدعم السريع مواطنا بعد خروجه من مدينة الحصاحيصا متجهاً إلى قريته، ونهبوا كل المبالغ التي بحوزته وهي قيمة طماطم أتى بها من مزرعته، وباعها في السوق، كما تم ضربه ومن معه بمؤخرة السلاح.
وفي ظل انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت، يكافح بعض سكان ولاية الجزيرة للذهاب بعيداً حيث يوجد إنترنت فضائي “استار لينك” لتوصيل صوت ضحايا انتهاكات قوات الدعم السريع وإطلاق نداءات استغاثة للأهالي.
وقال أحد سكان المنطقة في تسجيل صوتي تلقته (عاين): “تواصل قوات الدعم السريع تهديد وترويع المواطنين ونهبهم تحت قوة السلاح، وهناك نزوح جماعي من منطقة غرب طابت والهدى، بينما ظلت القوات المسلحة في المناقل تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها، وهي تترك الدعم السريع بأسلحته المتطورة في مواجهة المدنيين العزل الذين يعانون شبح الموت والتهجير حالياً. يجب أن يتحرك الجيش لحمايتنا، أو أن يتم تزويدنا بالسلاح، فالشباب راكزين وصامدين”.
حوادث سابقة
وبحسب لجان مقاومة الحصاحيصا، استباحت قوات الدعم السريع قرى غرب المسلمية مثل ود البكري، المناصير، وقرية عبد الرحمن بشكل تام في العاشر من فبراير الجاري، وتوالت الهجمات مرات عديدة في الأسبوع، حيث قامت خلالها بنهب ممتلكات للمواطنين من مركبات وذهب وأموال، وخلف الهجوم إصابتين بالرصاص وسط المدنيين واعتقال عدد من شباب المنطقة تم الإفراج عنهم بعد 24 ساعة.
وفي 13 فبراير الجاري -وفق اللجنة نفسها – هاجمت عناصر من قوات الدعم السريع قرية أم دوانة ريفي طابت وكانوا يمتطون دراجات بخارية “مواتر” ونهبوا ممتلكات وسيارات تخص المواطنين، وخلف الاعتداء إصابتين بالرصاص الحي لعدد اثنين من شباب المنطقة.
وتقول لجنة مقاومة الحصاحيصا في بيان لها: إن “الجرائم المرتكبة بحق المواطنين في ولاية الجزيرة عامة تحت غطاء الانقطاع التام لشبكات الاتصالات يجعل من الشركات المقدمة للخدمة، وكل من له يد في هذا التعتيم شريك أساسي، وستتم ملاحقته ومحاسبته”.
من جهته، يرى الخبير العسكري عمر أرباب أن الجرائم والانتهاكات التي تنفذها قوات الدعم السريع ليست أهدافاً عسكرية أو ذات صلة بمكسب عسكري ميداني بقدر ما هي دلالة على فقدان السيطرة على هذه القوات، كما تعكس مؤشراً لفقدها للنظام والتراتبية، وصارت تقاتل من أجل الغنائم أو ما يعرفون بـ”الكسابة”.
ويقول أرباب، في مقابلة مع (عاين): “هذه قوات استعان بها الدعم السريع في إحدى مراحل الحرب الحالية، لكن فقد السيطرة عليها في الوقت الحاضر، وليس بمقدوره ضبطها ومنعها من ارتكاب الجرائم، خاصة وأن غالبية هذه العناصر لم يتلقوا أي تدريب عسكري”.
ويضيف: “هذه الجرائم تتحمل مسؤوليتها قوات الدعم السريع، وفي تقديري ليست لهذه الانتهاكات أي علاقة بالتقدم الذي أحدثه الجيش في مدينة أمدرمان، أو في أي منطقة أخرى، فهذه الجرائم لا علاقة لها بأي تقدم عسكري، وتحدث في أماكن ليس بها أي وجود للقوات المسلحة لذلك لا يمكن أن تنطوي عليها أي فائدة في إطار المكسب الميداني”.