بعد أيام من الحرب.. سكان الجزيرة تحت حصار نقص الغذاء والدواء  

عاين- 2 يناير 2024

بعد نحو 22 يومًا من دخولها دائرة الحرب المستمرة في السودان منذ أبريل الماضي، يواجه سكان مدن ولاية الجزيرة وعشرات القرى المكتظة حالة أشبه بـ “الحصار” عقب سيطرة قوات الدعم السريع على الولاية.

ويواجه السكان في الولاية غلاء يصفونه بـ “الكارثي” في أسعار السلع والمواد الغذائية الضرورية بجانب الانعدام شبه التام للدواء، وسط مخاوف المزارعين في الولاية التي تضم أكبر مشروع زراعي مروي في السودان من فشل الموسم الزراعي بعد سيطرة الدعم السريع على حوالي (17) منطقة من ولاية الجزيرة.

ويتوجس سكان الجزيرة في المحافظات الثمانية والقرى من أزمة غذاء باتت وشيكة، بعد إغلاق الأسواق والمرافق الصحية بعد إحكام الدعم السريع سيطرته أمنيا واقتصاديا على قرى شمال الجزيرة المتاخمة للخرطوم الواقعة على الطريقين الرئيسيين بين الخرطوم وود مدني من الناحية الغربية والشرقية حتى مدينتي الحصاحيصا ورفاعة وعدد من القرى، وتمددت القوات حتى منطقة الحاج عبدالله جنوباً.

هلع

“معظم الأسواق مغلقة، ويوجد قلة من تجار الخضار في سوق مدينة الكاملين المجاورة لمنطقة الكسمبر مع ارتفاع كبير جداً في الأسعار، وبدأت بعض السلع تختفي من السوق مثل السكر، ويعيش أصحاب الأمراض المزمنة في حالة هلع بسبب ندرة الأدوية”. يقول بشير إبراهيم لـ(عاين) من منطقة الكسمبر شمال ولاية الجزيرة التي تخضع لسيطرة الدعم السريع.

وتقع معظم قرى غرب الجزيرة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وتحديدا القرى المتاخمة لشارع مدني الرئيسي وحتى القرى النائية التي لم يصل إليها الدعم السريع بعد تعاني ندرة في السلع وارتفاع جنوني في الأسعار.

ويتحدث يس السر وهو أحد سكان منطقة أبو طليح غربي مدينة الحصاحيصا، عن ارتفاع مستمر لأسعار الأغذية؛ لأن البضائع غير متوفرة، وفي طريقها لانعدام، وبعض الأسواق في القرى مفتوحة، لكن لا تعمل كالمعتاد، ولا يوجد وارد بضاعة جديد.

منذ اليوم الأول للحرب أخفى التجار في الأسواق والمحال التجارية في القرى البضائع والمواد الاستهلاكية، ويقومون ببيعها بأسعار عالية للغاية
الصورة: سوق بالعاصمة الخرطوم – ارشيف عاين

ويقول السر لـ(عاين): “تضاعفت أسعار السلع الغذائية في تلك القرى، ووصل سعر كيلو اللحم إلى (8) ألف جنيه سوداني فيما وصل سعر كيلو السكر إلى (3500) جنيها”. ويتابع: “هذه أسعار ليست في متناول يد السكان الذين يعتمدون على الزراعة وبيع المحاصيل النقدية لسد احتياجاتهم من السلع الأخرى، وهذا غير متاح بعد إغلاق الأسواق وتوقف حركة المركبات تماماً؛ بسبب الوضع الأمني وانعدام الوقود”.

“منذ اليوم الأول للحرب أخفى التجار في الأسواق والمحال التجارية في القرى البضائع والمواد الاستهلاكية، ويقومون ببيعها بأسعار عالية للغاية ويخشون أن تنفد السلع المخزنة”، يقول شمس الدين وهو أحد تجار المواد الغذائية بالولاية، ويضيف: نقلت كل ما لدي من مواد إلى مكان آمن خوفاً من النهب، وأقوم بالبيع من منزلي”. ويتابع شمس الدين في مقابلة مع ـ(عاين): “جميع سكان المناطق يقفون في حيرة وحتى التجار؛ لأن المواد في طريقها إلى النفاد”.

وتعد ولاية الجزيرة رافدا اقتصاديا مهما، وتحتضن أكبر مشروع زراعي تبلغ مساحته حوالي (20200) فدان ينتج حوالي 65% من إنتاج القطن ونسب عالية من القمح والذرة.

وتأتي الولاية في المرتبة الثانية من حيث الكثافة السكانية بعد العاصمة الخرطوم، وتُصنف مدينة ودمدني المدينة العلاجية الثانية بعد الخرطوم، وتحولت إلى مركز علاج رئيسي بعد اندلاع الحرب في الخرطوم ونزوح الآلاف إلى محلياتها الثمانية “ودمدني، جنوب الجزيرة، شرق الجزيرة، أم القرى، الحصاحيصا، الكاملين، المناقل،24 القرشي”.

فشل الموسم الزراعي:

يهدد تأرجح الموسم الزراعي الشتوي في الجزيرة بأزمة غذاء حادة، ويتخوف مزارعو مشروع الجزيرة من فشل الموسم الزراعي بعد سيطرة الدعم السريع على معظم المدن الرئيسية وعدد كبير من القرى في الجزيرة، وقبل اقتحام الدعم السريع للولاية منتصف ديسمبر الماضي كان المزارعون قد حضروا للموسم وسط ارتفاع الأسعار.

وزاد الوضع تعقيداً بحسب المزارع جمعة الإمام الذي حصل السماد بعد مخاطرة كبيرة، ويعتبر نفسه محظوظاً؛ لأن غيره لم يتمكن من الحصول عليه، وقال لـ(عاين): “ذهبت إلى منطقة يسيطر عليها الدعم السريع بالكامل، وحصلت على سماد الزراعة بضعف سعره قبل الحرب”. ويشير الإمام إلى عدم توفر المدخلات الزراعية الأخرى مثل الجازولين.

“لم يتمكن عدد كبير جدا من المزارعين من الزراعة هذا الموسم الذي تزامن مع بداية الحرب في ولاية الجزيرة، وتوقفت الآليات عن العمل”. يقول مقرر تجمع مزارعي الجزيرة والمناقل، مصطفى الطريفي لـ(عاين).

يتخوف مزارعو مشروع الجزيرة من فشل الموسم الزراعي بعد سيطرة الدعم السريع على معظم المدن الرئيسية وعدد كبير من القرى.

ويشير الطريفي، إلى أن المزارعين الذين تمكنوا من الزرع لديهم مشكلة عدم توفر المدخلات، لا يوجد سماد ولا مبيدات، فقد نُهِب المخازن كلها التي تتبع لمشروع الجزيرة والبنك الزراعي بما فيها السوق المركزي مكان السماد ” الداب واليوريا والصفقة العريضة”.

ويضيف: “نواجه مشكلة أخرى متعلقة بتدني مناسيب المياه في الترع، ولا يوجد مهندسون يعملون على فتح القنوات، ولا نعرف مصير الذين بدأوا بالزراعة، وهناك كميات كبيرة من محصول الذرة وفول الصويا لم تحصد بسبب انعدام الآليات، وفي هذه الفترة الحرجة لا يوجد تواصل بين إدارة المشروع ومدراء الأقسام والمفتشين الزراعيين والمزارع بسبب رداءة الاتصالات هناك حلقة مفقودة”.

ويتوقع الطريفي، أن تسوء أوضاع مشروع الجزيرة خلال فترة قصيرة، بعد خروج عدد كبير من المزارعين من دائرة الإنتاج، وتعرض عدداً كبيراً من المزارعين إلى خسائر لعدم تمكنهم من حصد محاصيلهم النقدية والبستانية من فول الصويا والقطن والبصل وتسويقها وهناك مساحات كبيرة من الذرة لم تحصد بعد، وبدأ يأكلها الطير، بسبب انعدام الوقود وآلات الحصاد، غير الهجمات التي تتعرض لها محاصيل المزارعين.

ويحذر من أن تقود كل هذه الأسباب إلى فجوة غذائية في كل أنحاء البلاد، ونحتاج في الوقت الحالي أن نلحق ما تبقى من الموسم الشتوي، وعلى إدارة المشروع التواصل مع الجهات كلها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحصر المساحات المزروعة وحاجتها إلى المدخلات.

كارثة صحية:

لا يعلم السبعيني لقمان الحسين، الذي يسكن في قرية نائية بغرب الجزيرة مصيره بعد أن نفذ دواءه المستدام، ولن يتمكن من مقابلة طبيبه الذي يجري له جلسات حقن لمرض الدوالي. ويعيش في وضع صحي ونفسي لا يعلم ماذا سيحل به بعد أيام- بحسب ما أفاد به (عاين).


سيطرة قوات قوات السريع على ولاية الجزيرة أدى إلى شل القطاع الصحي في كل مدن وسط البلاد

وينطبق حال لقمان على الكثيرين من المرضى في ولاية الجزيرة بعد أن سيطرت عليها قوات السريع الأمر الذي أدى إلى شل القطاع الصحي ليس في الولاية فحسب، بل في كل الولايات الوسطى التي تعتمد على ود مدني كمركز للعلاج.

ولا تتوقع تنزيل أحمد، صاحبة صيدلية بمدينة طابت، أن تصل دفعات جديدة من الدواء للصيدليات في مناطق الجزيرة، ويعتمدون على ما تبقى من دواء في المخازن، وهو ليس بكميات وفيرة، وسينتهي قريبًا.

وقالت أحمد لـ(عاين)، إن “ندرة الدواء تعرض حياة أصحاب الأمراض المزمنة والعلاج المستديم للخطر، وفي الوقت الحالي أغلقت الصيدليات، وتم تفريغ بعضها من الدواء بشكل كامل خوفاً من عمليات النهب التي تقوم قوات الدعم السريع في مناطق مختلفة من ولاية الجزيرة”.