مهلة (واشنطون) هل تقود الجيش إلى جنيف؟
عاين- 14 أغسطس 2024
مهلة أخيرة أمام الجيش السوداني للالتحاق بمفاوضات وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية وآليات المراقبة التي بدأت اليوم الأربعاء في مدينة جنيف السويسرية بدون حضور وفد الجيش السوداني.
وبالتزامن مع الرغبة الأميركية في منح الجيش مهلة جديدة للانضمام إلى محادثات وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية أو “وقف العدائيات” كان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يلقي خطابه بمناسبة عيد القوات المسلحة الـ 70 في مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية للحكومة المدعومة من الجيش مساء أمس مشترطا تنفيذ اتفاق جدة الموقع بين الجيش والدعم السريع في 11 مايو 2023.
وانطلقت الجلسات الافتتاحية لإنهاء الحرب في السودان، اليوم الأربعاء، بغياب وفد يمثل الجيش السوداني، في حين حضر وفد قوات الدعم السريع.
وأعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بريللو، عبر منصة “إكس”، انطلاق مفاوضات جنيف، بحضور عدد من الشركاء الدوليين، من بينهم سويسرا والسعودية ومصر والإمارات، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
وأكد بريللو ضرورة ضمان التزام الأطراف المعنية بالاتفاقات الموقعة في جدة، وكذلك ضرورة تنفيذ هذه الالتزامات بشكل فعّال.
اختراق قادم
المبعوث الأمريكي إلى السودان توم بيريلو أكد في مؤتمر صحفي الاثنين الماضي، فور وصوله إلى جنيف أن الولايات المتحدة الأميركية مصممة على تحقيق اختراق ملموس خلال هذا الشهر.
واشنطن وشركاؤها سيعملون على خطة إنسانية بما في ذلك إسقاط الغذاء بالطائرات، ولن ينته الشهر قبل أن يحصل السودانيون على الطعام
توم بيرلو
وقال: إن “واشنطن وشركاءها سيعملون على خطة إنسانية بما في ذلك إسقاط الغذاء بالطائرات، ولن ينته الشهر قبل أن يحصل السودانيون على الطعام”.
ورغم ضبابية المشهد في جنيف، فإن الباحث في الشأن الأفريقي عادل أحمد إبراهيم يتوقع استجابة الجيش السوداني لدعوات التفاوض في جنيف الساعات القادمة. ويقول: إن “الناس عادة ما يعتقدون أن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان مكبل سياسيا، لكن هذا الاعتقاد غير صحيح؛ لأنه يعلي أجندته الشخصية فوق كل شيء وبإمكانه قلب الطاولة داخليا وإرسال وفد القوات المسلحة إلى محادثات وقف إطلاق النار”.
ويوضح إبراهيم، إن الوساطات التي تقودها دول الإقليم وأصدقاء الولايات المتحدة على تواصل مع البرهان لتغيير موقف القوات المسلحة من مفاوضات جنيف، وربما تنجح في ذلك بشكل كبير.
واشنطن ترمي بثقلها
يقول المحلل الدبلوماسي عمر عبد الرحمن، لـ(عاين): إن “هناك ثلاث مؤسسات أميركية معنية باتخاذ القرار داخل الولايات المتحدة مهتمة بالأزمة السودانية وهي البنتاغون والخارجية الأميركية والبيت الأبيض، وقررت إنهاء الأزمة وهي مؤشرات يبدو أن الجيش السوداني غير قادر على استيعابها، أو يحاول المساومة ببطاقات لم يحن أوانها مثل إيجاد موطئ قدم في (سلطة ما بعد الحرب)”.
الجيش السوداني يرتكب خطأً بعدم الاستجابة لمفاوضات جنيف، ويظهر الدعم السريع أمام المجتمع الدولي وكأنه يرغب في السلام.
دبلوماسي
وكان وفد الدعم السريع لمفاوضات جنيف وصل الثلاثاء إلى مقر المفاوضات بعد ساعات من خطاب قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي اتهم الجيش بالوقوع تحت هيمنة الإسلاميين. وقال إن “قرار مشاركة القوات المسلحة في المفاوضات بيد الحركة الإسلامية لا الجيش”.
خطأ الجيش
ويرى السفير والدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية السودانية الصادق مقلي في حديث لـ(عاين)، أن الجيش السوداني يرتكب خطأً بعدم الاستجابة لمفاوضات جنيف، ويظهر الدعم السريع أمام المجتمع الدولي وكأنه يرغب في السلام.
ويقول مقلي، إن “حسابات الجيش خاطئة، وتقود إلى التدخل الدولي؛ لأن مفاوضات جنيف تعتبر آخر فرصة لمنع انهيار السودان، وعلى القوات المسلحة الذهاب إلى المفاوضات ووضع شواغلها واشتراطاتها على الطاولة”.
وأردف: “موقف الجيش لا مبرر له بالنسبة للمجتمع الدولي والمبعوث الأميركي تحدث في مؤتمر صحفي أن مفاوضات جنيف ستبنى على إعلان جدة بالتالي سحب البساط من تحت أقدام الجيش”.
وتابع مقلي: “إعلان جدة افتقر لآليات التنفيذ بالتالي خلال جولة مفاوضات جنيف من المقرر تشكيل قوة مراقبة دولية أو إقليمية لتنفيذ كل البنود الذي يتفق عليه الطرفان، وإذا حضر الجيش سيكون الدعم السريع ملزما بتنفيذ اتفاق جدة”.
ويقول السفير الصادق مقلي، إن “الجيش انسحب من المفاوضات الثانية في منبر جدة في نوفمبر الماضي عقب تمسك الدعم السريع بالقبض على المتهمين في انقلاب الإنقاذ من الإسلاميين”.
تفاهمات الساعات الحاسمة
وكان من المؤمل أن تنطلق اليوم الأربعاء 14 أغسطس المفاوضات بين الجيش السوداني والدعم السريع رسميا في جنيف السويسرية بوساطة أميركية وسعودية وسويسرية ووجود الإمارات ومصر والاتحاد الأفريقي و”الإيقاد” كمراقبين.
وأعلن وفد حكومي برئاسة وزير المعادن محمد بشير أبو نمو أجرى مشاورات مع المبعوث الأمريكي إلى السودان في جدة بطلب من قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان انهارت المشاورات عقب طرح الوفد الحكومي بنود بمعزل عن عملية وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية حسب ما صرح توم بيرييلو.
ويقول الخبير في العلاقات الدولية محمد تورشين إن مهلة الولايات المتحدة الأميركية تعني أن هناك واشنطن قد تتواصل مع الجيش السوداني لإجراء تفاهمات تدفعه إلى مفاوضات جنيف.
ويرى تورشين في حديث لـ(عاين) أن الولايات المتحدة قد ترغب في حل القضايا الخلافية التي حالت دون استجابة القوات المسلحة لمفاوضات جنيف، وإذا حلت قد يشارك الجيش في المحادثات، لكن إذا لم يحصل على التطمينات من الجانب الأمريكي، فإن القوات المسلحة لن تذهب إلى سويسرا.
عزلة البرهان
يشدد الجيش السوداني على ضرورة تنفيذ الدعم السريع للإعلان الموقع بينهما في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في 11 مايو 2023، ومن بين بنود الإعلان إخلاء الطرفين المتحاربين منازل المواطنين والمرافق المدنية والسماح بحرية الحركة والتنقل للمدنيين وعدم التجنيد وحشد المقاتلين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
في هذا الصدد يقول الخبير الدبلوماسي عمر عبد الرحمن، إن الجيش والدعم السريع لم يلتزما بإعلان جدة؛ لأن من بين البنود وقف إطلاق نار قصير وخلال منبر جدة جرت 14 عملية هدنة لم تنجح سوى هدنة ليوم واحد.
الجيش يرفع شرط إخلاء الدعم السريع لمنازل المدنيين، لكنه يود بنود أخرى تحت الطاولة مثل الضغط على المجتمع الدولي لغض الطرف عن مشاركة الإسلاميين في السلطة القادمة
خبير دبلوماسي
يعتقد عبد الرحمن، أن الجيش يرفع شرط إخلاء الدعم السريع لمنازل المدنيين، لكنه يود بنود أخرى تحت الطاولة مثل الضغط على المجتمع الدولي لغض الطرف عن مشاركة الإسلاميين في السلطة القادمة بصورة أوسع مع منح الجيش نفوذ واسع خلال فترة ما بعد الحرب.
وأضاف: “إذا لم يستغل الجيش المهلة الموضوعة على طاولته خلال الساعات القادمة سيكون في طريقه إلى خسارة المجتمع الدولي والولايات المتحدة والجولة التي أجراها إلى دول الجوار والإقليم لن تنقذه من العزلة القادمة”.
وأكمل المحلل الدبلوماسي عمر عبد الرحمن قائلا: “الحكومة القائمة في البحر الأحمر مُتهمة بتبديد 45 ألف طن من الإغاثة التي أرسلتها بعض دول الخليج والمنظمات الدولية في وقت يواجه 30 مليون سوداني خطر المجاعة، ووصل 7 ملايين شخص إلى مرحلة المجاعة فعليا”.