حشود السودانيين تتحدى القمع وتعيد الزخم للثورة في ذكرى الانقلاب
25 أكتوبر 2022
أعادت حشود السودانيين التي سيطرت اليوم الثلاثاء على شوارع العاصمة ومدن بالولايات الزخم للثورة السودانية والاحتجاجات الشعبية المناوئة للانقلاب في الذكرى الأولى لاستيلاء العسكريين على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.
وتدفق آلاف المتظاهرين في مدن العاصمة الثلاثة في وقت مبكر من صباح اليوم إلى نقاط التجمع المعلنة من قبل لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات بجانب خروج حشود في مدن رئيسية بالولايات بينها نيالا والفاشر في اقليم دارفور وود مدني وكوستي أواسط السودان.
وواجهت القوات الأمنية جموع المتظاهرين بقمع مفرط على مشارف القصر الرئاسي وسط الخرطوم واطلقت عبوات الغاز المسيل للدموع بكثافة، فيما كسر المتظاهرين طوقا امنيا في مدينة أم درمان ووصلوا إلى وجهتهم مقر البرلمان رغم عمليات القمع والتي أسفرت عن مقتل متظاهر دهسا بعربة تتبع للقوات الأمنية.
واستبقت السلطات مواكب اليوم بإجراءات أمنية، وأغلقت جميع الجسور بالخرطوم منعاً لالتحام المتظاهرين من مدينتي بحري وأم درمان مع مواكب مدينة الخرطوم. كما أغلقت السلطات كافة الطرق المؤدية إلى القيادة العامة للجيش بالحواجز الخرسانية. وقامت السلطات بقطع خدمة الأنترنت قبل حلول الساعة العاشرة صباحاً.
النشيد الوطني في البرلمان
وقال أيمن عبد الله الذي شارك في احتجاجات أم درمان لـ(عاين)، إن القوات الأمنية اعتمدت على تقطيع أوصال المواكب التي تجمعت في عدة نقاط في أحياء أم درمان واستغلت انقطاع شبكة الانترنت أيضا.
وأضاف : “رغم الإجراءات الأمنية وصل المتظاهرين إلى مبنى البرلمان لكن الأجهزة الأمنية مارست قمعا مفرطا ونقل مصابون إلى المستشفيات أغلبها بعبوات الغاز والدهس”.
وانطلقت مواكب من أحياء أمدرمان القديمة والثورات وأمبدات والفتيحاب وأبو سعد عبر عدة مسارات لتلتقي في نقاط التجمع الرئيسية وهي صينية التجاني الماحي وشارعي العرضة والأربعين وفي سوق الموردة.
وبدأت مواكب تنسيقات مدينة أمبدة من الأحياء وتجمعت المواكب الحاشدة في نفق ود البشير لتلتقي بمواكب تنسيقيات مقاومة دار السلام، وتتحرك وسط الهتافات المطالبة بإنهاء الانقلاب إلى شارع العرضة وتقوم بالتتريس. وإلتحم الموكبيبن بموكب أحياء أمدرمان القديمة الذي عبر بسوق أمدرمان وصولاً إلى شارع العرضة.
أما موكب الثورات الذي دخل في مواجهة مع القوات الأمنية تمكن من الوصول إلى صينية الزعيم الأزهري عبر محطة الشهداء. وبعد عمليات كر وفر بين الثوار والقوات الأمنية التي استخدمت القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع استطاعت عدد من مواكب أمدرمان الوصول إلى مبنى البرلمان، وقام الثوار برفع أعلام الثورة في سارية البرلمان وأنشدوا النشيد الوطني.
كما استطاع موكب أبوسعد و الفتيحاب الذي عبر الطوق الأمنى الذي فرضته القوات الأمنية الوصول إلى مبنى البرلمان ويلتحم مع بقية المواكب.
وقال أشرف وهو أحد المشاركين في مواكب أمدرمان، لـ(عابن) أن السلطات الأمنية استخدمت العنف المفرط وأطلقت الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات وسط الثوار.
لجنة أطباء السودان: مقتل متظاهر، إثر دهسه بعربة دفار تتبع للأجهزة الأمنية.
رصاص حي
وخرج آلاف المتظاهرين في مدينة بحري محملين بالاعلام والرايات ذات الشعارات المنادية بإسقاط الانقلاب وإقامة الحكم المدني، وهتف المحتجون: “تسقط أول.. تسقط عاشر.. ما دايرين في السلطة عساكر”. وانطلقت مواكب أحياء شمبات وشمال وشرق بحري للالتحام ببقية المواكب في المؤسسة نقطة الانطلاق نحو القصر الرئاسي.
لجان أحياء بحري تعلن عن إصابة ثائر بالرصاص الحي، وتدعوا إلى أغلاق شوارع المدينة
وعلى الرغم من العنف المفرط وإطلاق الرصاص الحي، استطاع ثوار مدينة بحري الوصول إلى محيط كبري المك، بعد أن أجبروا القوات الأمنية للتراجع تحت الضغط.
وأعلنت لجان أحياء بحري عبر تصريح صحفي، عن إصابة ثائر بالرصاص الحي، ودعت إلى أغلاق شوارع المدينة وقالت أنها ستكون محرمة بدءاً من اليوم وحتى سقوط الانقلاب.
مشارف القصر
وعلى مقربة من قصر الرئاسة في وسط الخرطوم، احتل آلاف المحتجين الشوارع المحيطة بينما تراجعت القوات الأمنية لتطويق محيط القصر الرئاسي فيما طاردت شاحنات على متنها أفراد يرتدون الزي المدني المتظاهرين في شوارع جانبية من محطة شروني.
ووفقاً للمسارات التي وضعتها تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم تجمع الآلاف من مناطق مدينة الخرطوم المختلفة لتلتقي في محطة باشدار وسط الخرطوم. وإنطلق المحتجون من باشدار إلى قصر الشعب، وحمل الثوار اللافتات الداعية لإسقاط الحكم العسكري ومحاكمة كل من أجرم في حق الشعب وتقديمهم للعدالة، مع استمرار الهتافات الغاضبة المنددة بالانقلاب العسكري.
وقالت ميعاد، التي تشارك في المواكب بصورة راتبة، “اشارك اليوم برفقة والدتي..موكب اليوم يخاطب العسكريين على نحو مباشر ويطالبهم بتسليم السلطة للمدنيين دون قيد أو شرط”.
وأكدت في حديث لـ(عاين) أن موكب اليوم لن يكون الأخير، فالرفض الشعبي للانقلاب العسكري سيستمر في التنامي، كما أن العسكريين ظلوا يثبتون يوما بعد يوم فشلهم في إدارة شئون البلاد.
وفي تظاهرات اليوم التي تتزامن مع اتساع رقعة الانتهاكات الأمنية والنزاعات العرقية في بعض الأقاليم كان لافتا تنوع الشعارات المنددة بهذه الانتهاكات.
وقال محمود الذي شارك في التظاهرات لـ(عاين)، إنه قرر التظاهر اليوم ضد العسكريين لأن الجنرالات أحالوا الوضع إلى جحيم في هذا البلد بإذكاء العنصرية و القبلية وإشعال الأطراف. وأضاف : “أشعر لأول مرة في حياتي بأن بلادنا في خطر”.
وكانت الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد حذرت في بيان أمس الاثنين السلطات الأمنية من استخدام العنف ضد المتظاهرين في الذكرى الأولى للانقلاب العسكري كما حذرت مجموعة الترويكا الأجهزة الأمنية من عرقلة طموحات السودانيين في الديمقراطية.
وقال فياض مبارك، المشارك في الاحتجاجات، “رغم حجب الانترنت تجمع الآلاف في نقاط حددها قادة الحراك السلمي ما يعني إن الجميع يرفضون الحكم العسكري وعلى الجنرال عبد الفتاح البرهان أن يسلم السلطة إلى المدنيين بدلا من اشعال الأطراف”.
لا تراجع
وقالت مزاهر وهي طالبة جامعية لـ(عاين)، إن “مليونية 25 أكتوبر” أثبتت أن الشارع لن يتراجع حتى وأن هدأ قليلا كما زعم أنصار النظام البائد ذلك. موضحة أن الخيارات أمام العسكريين غير موجودة حتى وأن أبرموا اتفاقا هشا مع بعض المدنيين.
وأشارت إلى أن التظاهرات عطلت الحياة العامة في العاصمة السودانية وخرج اليوم عشرات الآلاف من المواطنين للتعبير عن رفضهم للنظام العسكري.
متظاهر: النتيجة الحتمية لاستمرار الحراك السلمي منذ ثلاثة سنوات اسقاط الجنرالات والفلول وهذا الجيل لن يستسلم وينوي ايقاف الانقلابات العسكرية إلى الأبد.
وقال غسان الذي شارك في الاحتجاجات اليوم وسط العاصمة السودانية لـ(عاين)، إن النتيجة الحتمية لاستمرار الحراك السلمي منذ ثلاثة سنوات اسقاط الجنرالات والفلول معا مشيرا إلى أن هذا الجيل لن تستلم وهو ينوي إيقاف الانقلابات العسكرية إلى الأبد.
وترى ريم التي شاركت في الاحتجاجات، أن البرهان يناور من وقت لآخر باقتراب الاتفاق مع المدنيين وهذا لا يعنينا في شيء لأننا قررنا إسقاطه عن السلطة فالفرصة التي منحت له لم يستغلها ليدخل التاريخ.
وتابعت ريم بالقول: “رغم مجزرة القيادة العامة تم الاتفاق مع العسكريين وأظهر الجنرالات تعطشهم للدماء وانقلبوا على المدنيين وقتلوا خلال عام 117 من المتظاهرين … لا يمكن منحهم فرصة أخرى”.
مدن الولايات
وشارك الآلاف منددين بإستمرار الانقلاب في مدن بورتسودان في ولاية البحر الأحمر، و ودمدني بولاية الجزيرة، والفاشر في ولاية شمال دارفور، والأبيض بولاية شمال كردفان، وعطبرة في ولاية نهر النيل والقضارف و نيالا بجنوب دارفور.
وفي مدينة كوستي، بولاية النيل الأبيض، خرج مئات المواطنين الذين نددوا بالحكم العسكري مطالبين بتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية وتقديم المجرمين للعدالة.
وقال أيوب 31 عاماً وهو أحد المشاركين في مواكب اليوم لـ(عاين)،، أن أعداداً كبيرة من المتظاهرين السلميين نظموا موكباً مركزياً جاب شوارع المدينة بدءاً بالحلة الجديدة وحي أزهري والثورة وصولاً إلى أحياء 31 و32، في تحدي للأجهزة الأمنية التي أطلقت الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق المتظاهرين.
ولفت إلى أن المواكب كانت تنوي التجمع في ميدان الحرية بوسط المدينة إلا أن القوات الأمنية المدججة بالسلاح قامت بإحتلال الميدان منعاً لوصول المواكب. وأكد أيوب، أن التظاهرات السلمية التي دعت لها لجان المقاومة تطالب بإسقاط الانقلاب وإنشاء الحكم المدني.
وفي مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، تجمع المئات في موكب رئيسي انطلق من صينية السينما وسط المدينة الى صينية المجلس التشريعي مروراً بشارع جبل مرة وانتهى بشارع الجمهورية.
ورفع المتظاهرون شعارات تندد باستيلاء قادة القوات المسلحة عبر انقلاب 25 أكتوبر على السلطةِ. ودعا المحتجين الى توحيد قوى الثورة واستخدام كافة الأدوات السلمية لإسقاط الانقلاب .
وقال محمد علي أحمد، وهو أحد القيادات المنظمة لموكب اليوم لـ(عاين)، إنهم يدعون جماهير الشعب السوداني الرافض للانقلاب والساعي للديمقراطية والحريةِ والسلام والعدالة للمشاركةِ في الحراك الجماهيري والالتزام بسلمية الثورة.
ونوه إلى ان مواكب الذكرى الأولى للانقلاب لن تكون مجرد ذكرى كما يعتقد الذين يقفون ضد أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي، بل ستكون نقطة انطلاق وتحول نحو توحد برنامج قوى الثورة لإنهاء الانقلاب وقطع الطريق أمام عودة النظام البائد.