زيادات متواصلة في أسعار الوقود تفاقم أزمة الاقتصاد السوداني

13 نوفمبر 2022

تفاقم الزيادة التي تفرضها السلطات الحكومية على أسعار المحروقات من الأوضاع المعيشية المتردية نتيجة للتراجع الاقتصادي الذي تشهده البلاد في أعقاب إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، الذي توقفت على إثره المساعدات الدولية المٌقدمة للسودان.

والخميس الماضي نفذت وزارة الطاقة والنفط السودانية، زيادات جديدة في أسعار الوقود، وارتفع سعر لتر البنزين من (522) جنيهاً إلى (620)، بينما ارتفع لتر الجازولين من (672) جنيهاً إلى (720)، بالاضافة إلى رسوم الولاية التي تبلغ (2) جنيهاً لكل لتر، على أن تكون تسعيرة ولاية الخرطوم مرجعية لكل ولايات السودان.

وبحسب إعلام وزارة الطاقة والنفط فإن التعديل الجديد جاء في إطار سياسة الوزارة التي تقضي بالمراجعة الشهرية لأسعار المحروقات حسب الأسعار العالمية للمنتجات البترولية.

وفي أكتوبر الماضي أعلنت السلطات الانقلابية تخفيض سعر لتر البنزين إلى (522) جنيهاً بدلاً عن (700) جنيه وسعر لتر الجازولين إلى (672) جنيهاً للتر بدلاً عن (685) جنيهاً.

 

ومنذ بدء سياسة تحرير الوقود تتغير أسعار الوقود بمعدلات مختلفة كل عدة أشهر، وفقاً للأسعار العالمية، بحسب تصريحات حكومية، إلا أن الانخفاض الذي يحدث في أسعار الوقود في بعض الأحيان لا يقابله تغيرات إيجابية في أوجه الحياة اليومية للمواطنين.

وفي أغسطس العام الجاري قالت المؤسسة السودانية للنفط التابعة لوزارة الطاقة والنفط إن تعديل أسعار الوقود في السودان من جانب الشركات الخاصة تم دون علمها، كما نفت تدخلها في تعديل أسعار الوقود بالزيادة أو النقصان.

وأكدت على أنها الجهة المسؤولة فنياً عن إمداد الوقود في البلاد، سواء عن طريق الإنتاج المحلي من مصفاة الخرطوم الذي يبلغ 60% من البنزين و45% من الجازولين أو عن طريق الاستيراد.

وأوضحت وقتها أن مراجعة أسعار الوقود في السودان تتم وفقاً لثلاثة معطيات، هي: أسعار النفط العالمية وأسعار المشتقات النفطية عالمياً بالإضافة إلى وصول المنتجات النفطية وتسلمها ومراجعة فواتيرها.

ولفتت في بيان آنذاك إلى أن السياسات الأخيرة التي سمحت للقطاع الخاص بالاستيراد لتغطية العجز في الوقود، جعلت آلية التسعير بيد لجنة تحديد أسعار الوقود.

وتضم اللجنة المُشار إليها، المؤسسة السودانية للنفط وممثلين من وزارة المالية والاقتصاد الوطني وبنك السودان وشركات الاستيراد الحر.

وبحسب المؤسسة السودانية للنفط فإن اللجنة تعمل على تحديد الأسعار شهرياً بحسب الأسعار العالمية وفواتير المنتجات بعد وصولها.

ومنذ يونيو 2021 تعمل الحكومة على تحرير أسعار الوقود بشكل كامل على أن تتولى الشركات المستوردة للمشتقات البترولية تحديد الأسعار من حين إلى آخر.

وقال الخبير الاقتصادي، محمد الناير: “أن أحد الأخطاء الاستراتيجية التي تمت خلال الفترة الانتقالية هي ربط سلعة الوقود ذات الأهمية البالغة بشركات القطاع الخاص”.

ولفت في حديث لـ(عاين)، إلى أن إرتفاع سلعة الوقود يؤثر على كل النشاط الاقتصادي في البلاد دون استثناء. وبالنسبة للناتج المحلي الاجمالي للدولة فإن ذلك يؤثر على القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني كما سيتأثر القطاع الصناعي بشقيه في كل من الصناعات الاستخراجية والصناعات التحويلية، الأمر الذي ينعكس سلباً على مجمل القطاع الخدمي في البلاد.

توصية لمجلس الوزراء بتعديل مواعيد العمل والدراسة لحل ازمة المواصلات

وقال محمد التاج وهو سائق سيارة لترحيل الطلاب، في مقابلة مع (عاين) أن عدم استقرار أسعار الوقود يؤثر بشكل سلبي على عملهم، لأنهم يقومون بالاتفاق على ترحيل الطلاب بسعر محدد مسبقاً مع المؤسسة التعليمية التي يعملون لديها منذ بداية العام الدراسي، وأي زيادة جديدة تقود لمشكلات تؤثر سلباً على العمل.

وأكد عامل بإحدى محطات البنزين بولاية النيل الأبيض، لجوء عدد كبير من المواطنين ممن يمتلكون مركبات خاصة لإستخدام المواصلات العامة بسبب إرتفاع أسعار الوقود.

وأوضح في حديث مع (عاين) أن هناك وفرة في البنزين والجازولين، خاصة مع قلة الطلب على الوقود، من قبل سائقي المركبات العامة التي يعاني أصحابها من قلة عدد الركاب، الذين يضطر جزء كبير منهم على الذهاب إلى العمل أو إلى المدارس سيراً على الاقدام لمسافات بعيدة تجنباً لـ”تعرفة” المواصلات غالية الثمن.

ويعاني السودانيون من إرتفاع تكاليف السلع الأساسية والضرورية، وأدى توقف المساعدات الدولية بسبب إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي إلى إتساع معدلات الفقر، بحسب منظمات محلية ودولية.

 ولفت الخبير الاقتصادي محمد الناير، إلى أنه من غير المنطقي أن يباع الوقود في السودان الذي تتجاوز فيه نسبة الفقر الـ 60% بسعر أعلى من دول مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من إختلاف مستويات دخل الفرد بين هذه الدول مقارنة بمستوى دخل الفرد في السودان، الذي يعادل أقل من 10% من دخل الفرد في الدول المشار إليها.

وأشار الناير، إلى وجود خطأ إستراتيجي آخر فيما يتعلق بأسعار الوقود يتمثل في أن الدولة قامت بفرض رسوم قيمة مضافة ورسوم إنتاج معاً بدلاً عن العمل على إمتصاص أي زيادة مفروضة عن طريق تخفيض حجم الضرائب.

واعتبر الخبير الاقتصادي أن فرض رسوم قيمة مضافة ورسوم إنتاج في نفس الوقت أمر يخالف اللوائح والقوانين.

وأكد الناير على أن الدولة لم تنحاز للمستهلك كما انها لم تضع الإجراءات اللازمة  لتخفيف الأعباء عنه وتركت الأمر بيد شركات القطاع الخاص لتفعل ما تشاء فيما يتعلق بأسعار الوقود.

وأوضح أن ترك تحديد الأسعار بيد الشركات الخاصة له أثر سالب خاصة أن أغلب المنتجات السودانية هي منتجات عضوية وعليها طلب عالي في الأسواق العالمية وهي ميزة نسبية لا توجد لكثير من دول العالم، إلا أن هذه الميزة تهزمها الميزة التنافسية لأن ارتفاع تكاليف الإنتاج يجعل المُنَتج السوداني مرتفع الثمن غير منافس داخلياً وخارجياً.