السودان: حياة قاسية على وقع زيادة أسعار الوقود
بدت شوارع العاصمة السودانية الخرطوم شبه خالية بالنسبة لسائق سيارة الأجرة، عماد عابدين، بعد أيام من تحرير الحكومة السودانية لأسعار الوقود وزيادة سعر لتر البنزين إلى (121) جنيهاً، والجازولين إلى (112) جنيهاً.
مع هذه الزيادات يقول عماد انه لم يعد يعمل بذات المعدل، وفى بعض الأحيان يقوم بشحن السيارة بمجموعة من الركاب بدلاً من راكب واحد حتى يغطي تكلفته الوقود التي تضاعفت. ويقول لـ(عاين)، “قد تمضي ثلاثة ايام ولا أتمكن فيها من الحصول على زبائن”. والحال لا يختلف لصحاب سيارة النقل بشارة عبد الباقي، الذي يقول أن تحرير سعر الوقود رفع تكلفة النقل، ويشير إلى ان طلب خدمة شحن من العاصمة الى مدينة ود مدني التى تبعد من الخرطوم (193.8) كيلو مترا تكلف (35) الفاً فيما كانت التكلفة في السابق تقدر بـ(10) الف جنيه، ما أدى الى قلة الطلب في ظل ارتفاع الوقود وندرته.
وتراجعت المساحات المزروعة بالنسبة للمزارع، محمد طاهر بخيت احد مزارعي مشروع الزيداب شمالي السودان، ويقول لـ(عاين)، انه بسبب تزايد اسعار الوقود تراجعت المساحات المزروعة خاصة في محصول استراتيجي كالقمح. وأضاف ” باتت عملية التحضير للموسم مكلفة جداً ولا تتناسب مع حجم الإنتاج والحصاد، وزاد “في منطقتنا يوجد ندرة في الوقود حتى عندما يكون متوفراً المزارع يعتمد على السوق الأسود، والوقت بين كل حزمة وقود تصل للزراعة يمتد لأربعة أشهر ما يضطر المزارع إلى تغطية الفجوة وشراء الوقود في ظل غياب استراتيجية حكومية واضحة وانعدام الرقابة حيث تمر كمية الوقود المصادق عليها من الحكومة للزراعة بعدد من الوسطاء ويتم تهريبه الى مناطق التعدين”.
شروط دولية
وانعكاسات تحرير أسعار الوقود على السودانيين تقر الحكومة الانتقالية بقسوته على المواطنين لكنها تقول انه اجراء ضروري لإزالة تشوهات الاقتصاد السوداني. ويقول المحلل الاقتصادي، عبد الوهاب جمعة، ان سماح الحكومة الإنتقالية السودانية في الربع الأخير من هذا العام للشركات الخاصة بإستيراد الوقود يعد أولى خطوات تحرير الوقود في البلاد وهي أحد شروط ومطلوبات صندوق النقد الدولي لدعم الحكومة الانتقالية.
ويقول جمعة لـ(عاين)، “الخطورة الكبيرة الآن هي أن سعر الوقود والتحكم فيه أصبح ناتج عن عاملين أساسيين هما السعر العالمي للنفط وسعر صرف الجنيه السوداني، وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار متقلب و متصاعد نتيجة لإنخفاض مخزونات السودان من العملة الصعبة”. ويتوقع جمعة، أن تستمر أسعار الوقود في التصاعد و ستؤثر على ثلاثة قطاعات مهمة، وأكثر قطاعين تأثراَ بالفعل الزراعة والتعدين اذ ان السودان يعتمد على صادرات الذهب والزراعة للحصول على العملات الأجنبية لاستيراد احتياجاته من السلع الإستراتيجية.
ويؤكد جمعة، ان إرتفاع الوقود في السودان سيجعل السلع الزراعية المخصصة للصادر غير تنافسية ويقلل من صادراتها، والقطاع الثالث والأكبر هو قطاع النقل الذي يمثل 90% من حركة الصادرات والواردات فى البلاد والهزة ستكون أكثر ظهوراً في قطاع النقل لأن 60% من استهلاك الديزل فى السودان لهذا القطاع، فيما حدث ارتفاع كبير في اسعار السلع.
اسلوب مدمر
ويؤسس الخبير الاقتصادي وعضو الحزب الشيوعي السوداني، كمال كرار، حسابياً لرفض قرار الحكومة بتحرير سعر الوقود، ويعتقد ان الأمر يتعلق بسعر الصرف وليس السلعة، ويقول ان الحكومة تزيد اسعار الوقود تماشياً مع السوق الأسود وكأنها تعترف به، “اذاً المعادلة الاقتصادية تمضي في هذا الاتجاه مايزيد وضع الإقتصاد السوداني تعقيداً ويفرض ضريبة إجبارية على المواطن” وفقا لكرار الذي يضيف لـ(عاين)، “الإسلوب الذي تتبعه الحكومة الآن مدمر ومجرب حتى من قبل النظام البائد وظهرت كل مظاهر الاقتصاد السالبة اذ وصل التضخم الى 300% وحدثت زيادة فى الأسعار يومية بشكل غير محسوب بجانب ارتفاع اسعار النقل الى 1000% خلال العام”.
دفاع حكومي
لكن المسؤول في الحكومة الإنتقالية، على عسكوري، يقول انه ليس من مهمة الدولة دعم الوقود والمحروقات بل دعم قطاعات الصحة والتعليم والبنى التحتية وتوفير بيئة جاذبة للإستثمار، وفي السودان الدعم يذهب لحوالي 20% من المجموعات غير المستحقة. ويضيف عسكوري وهو مدير قطاع التعدين والنفط بشركة زادنا العالمية للاستثمار المحدودة –شركة حكومية – والمدير السابق لإدارة السلع الإستراتيجية بوزارة المالية ، “على الدولة توفير خدمات المواصلات بطريقة منتظمة ومناسبة.. صحيح الوقود يدخل في عمليات الإنتاج والقطاعات المختلفة لكن هذا لا يبرر أن دعم الدولة “.
ويلفت المسؤول الحكومي، إلى قضية الدعم شائكة ومعقدة ولكن الوضع الطبيعي الا يكون هناك دعم، ويضيف عسكري في مقابلة مع (عاين)، ” كنا نستورد في وزارة المالية وقود بحوالي (100) مليون دولار شهرياً في المتوسط تذهب إلى وزارة الطاقة لتبيعه بمحطات الخدمة، لكن الطبيعي ان العائد يرجع للمالية التي لا تستلم جنيها واحدا لأن وزارة الطاقة تستند على قانون الثروة النفطية الذي وضعه حزب المؤتمر الوطني المحلول.
إتهامات
ويشير عسكري، إلى ان عشرات الشركات التابعة لوزارة الطاقة عوائدها مليارات الدولارات لا تدخل الى خزينة الدولة لذلك الدعم فيه اسباب ادارية وليس اقتصادية فحسب، ويقول “وزارة الطاقة اكبر معوق لوفرة الوقود في البلاد ولا يزال الوضع كما هو اذ تمارس وزارة الطاقة تجنيب الأموال لمصلحة شركاتها والنقاش عن الدعم يجب ان يبدأ اولاً بإصلاح وزارة الطاقة التى يجب ان تنحصر مهامها في الجوانب الفنية ولا علاقة لها بالتسعيرة والضرائب هذا خلط للاوراق ” .
ويحمل المسؤول الحكومي، مسؤولية ازمة الوقود وندرته، ويتهمها بتجنيب الأموال أكثر من شركات الجيش السوداني، ويضيف “كل المبيعات تذهب للوزارة وهذا كله خارج ولاية المال العام.. استهلكنا اجتماعات مع وزارة الطاقة لأيلولة شركاتهم الى وزارة المالية ورفضوا متمسكين بقانون الثروة النفطية وهو قانون قائم على التجنيب وخلق دولة داخل دولة، ومجلس الوزراء عليه ان يعمل على ايلولة شركات الطاقة الى المالية”.
ويشير عسكوري، إلى ان بعض القوى السياسية تعمل على منهج خاطئ للإستمرار في الدعم وهذا يعطي انطباع بان الحكومة لديها الإمكانية ولكن لاتريد ان تدعم والحقيقة ان الحكومة لم يعد بإمكانها ان تدعم مع العجز الموروث في الميزانية من العهد البائد اضافة الى جائحة كورونا التي أدت الى تدهور إيرادات الدولة لحوالي 20% لاتكاد تكفي المرتبات.