“اعتقالات ونزوح”.. جنوب كردفان تحت وطأة حرب من ثلاث جبهات
عاين- 9 سبتمبر 2023
يعيش السكان في مختلف أنحاء ولاية جنوب كردفان السودانية وبخاصة عاصمتها كادوقلي أوضاعاً قاسية بعد اتساع رقعة المعارك العسكرية وارتفاع وتيرتها مما قاد إلى موجة نزوح عالية، وسط تراجع في الخدمات الأساسية ومخزون الأدوية والغذاء.
أوضاعُ مضطربة وضعت السكان المحليين تحت وطأة القتال، بينما يواجههم الجيش السوداني بحملة اعتقالات تعسفية بدعوى التخابر مع الحركة الشعبية – شمال، كما منع التدخلات لإغاثة الفارين من المواجهات العسكرية في محاول لإجبارهم للعودة الى منازلهم، وذلك وفق لما نقلته مصادر مطلعة لـ)عاين).
ونقلت المصادر، أن استخبارات الجيش اعتقلت ثلاثة مواطنين من منطقة كرقل خلال الشهر الحالي فيما لا يزال هناك نحو 7 ناشطين سياسيين أحدهم من مدينة الدلنج يدعى “أبو سن” محتجزين لدى الجيش ولا أحد يعرف مصيرهم.
وتشهد جنوب كردفان منذ شهر مايو الماضي حربا ضارية على ثلاث جبهات يقودها الجيش مع الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو من جهة، وقوات الدعم السريع من ناحية أخرى، وهو ما جعل الولاية بكامل أرجاءها مضطربة بالمعارك العسكرية.
“تمارس استخبارات الجيش حملة اعتقالات واسعة وسط المواطنين والناشطين السياسيين ومنسوبي تحالف الحرية والتغيير وكل من كان فاعلاً في الحراك الثوري. هناك عدد كبير من الأشخاص مختفيين ولكن كثير من العائلات لا تبلغ عنهم خوفاً على نفسها”. تقول ناشطة مدنية لـ(عاين).
وتضيف الناشطة التي طلبت حجب اسمها نتيجة لخطورة الوضع الأمني، أن “الجيش والسلطات الحكومية بولاية جنوب كردفان يمارسون تضييق كبير على المواطنين ويلاحقونهم دوما بتهمة التواصل مع الحركة الشعبية ومدها بالمعلومات الأمنية وهي أكاذيب معهودة الهدف منها إذلال السكان المحليين”.
أوضاع مزرية
لم تكتف استخبارات الجيش بحملة الاعتقالات المسعورة ضد المواطنين، لكن اياديها امتدت للتضييق على الفارين من جحيم المعارك في محاولة لإعادتهم الى منازلهم رغم احتدام المعارك العسكرية، كما منعت المنظمات التطوعية من التدخل ومساعدة هؤلاء النازحين.
وبعد معارك ضارية بين الجيش وقوات الحركة الشعبية – شمال في الاتجاه الشرقي لمدينة كادوقلي، اضطرت ما لا يقل عن 800 أسرة نحو 3 آلاف شخص نزحوا من أحياء “تلو، حجر النار، حجر الطير” الشرقية، إلى المناطق الواقعة غرب المدينة وتم إيوائهم في بعض المدارس والمرافق العامة بمساعدة غرفة طوارئ تشكلت حديثاً، وفق مصدر محلي.
كما نزحت أعداد مماثلة من سكان المناطق المحيطة بـ”كادوقلي” الى داخل المدينة بسبب المعارك العسكرية التي دارت خارج عاصمة ولاية جنوب كردفان، وجميعهم يعيشون أوضاعاً قاسية في الوقت الراهن.
ويقول أحد الفاعلين في منظمات المجتمع المدني لـ(عاين)، إن “غرفة الطوارئ اجتهدت في الأيام الأولى للنزوح في استقطاب الدعم من التجار والخيرين واستطاعوا توفير وجبة واحدة في اليوم للفارين، ولكن مع إطالة الوقت أصبحت الغرفة عاجزة تماماً عن تقديم العون الغذائي لهم بسبب ضيق اليد وضعف الإمكانيات”.
ويضيف: “لم تقم حكومة الولاية بأي دور تجاه النازحين، ووجهت بوقف عمليات الحصر التي كانت تقوم بها مع مفوضية العون الإنساني للفارين وأمرتهم بالعودة الى منازلهم وأنها لن تقدم لهم أي مساعدة، في حين ما تزال الأوضاع الأمنية المضطربة في أحيائهم ولم تنتف الأسباب التي دفعتهم للفرار بعد”.
وتابع:”ينام الفارين على الأرض في الطرقات والساحات داخل الأحياء السكنية، مع غياب تام للغذاء والرعاية الصحية، كما لا توجد نواميس في ظل انتشار كثيف للبعوض وسط تردي بيئي مريع ينذر بتفشي الوبائيات والامراض خاصة الملاريا وسطهم، وتمنع السلطات أي تدخل من المنظمات الطوعية”.
مناطق سيطرة
وفق متابعات (عاين) فإن الجيش يسيطر على كادوقلي حتى منطقة التقاطع في الناحية الشمالية على الطريق القومي، ومنها تبدأ سيطرة الحركة الشعبية شمال من منطقة كركراي وكرقل وتمتد حتى محيط مدينة الدلنج التي يتمركز بداخلها الجيش، أما المناطق شمالي الدلنج وصولا الى طيبة والدبيبات ومدخل مدينة الأبيض تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وبحسب مصدر محلي، فإن الجيش يمنع خروج المركبات من مدينة كادوقلي ويعيدها من منطقة التقاطع الى الداخل بحجة تدهور الوضع الأمني على الطريق ويضطر الراغبين في النزوح الى سلك طرق جانبية وعرة في رحلة تستغرق 3 أيام للوصول الى مدينة الأبيض التي تبعد عن كادوقلي شمالا بنحو 120 كلم.
ويشير المصدر، الى أن الحركة الشعبية شمال تقوم بإجراء تفتيش على المركبات ومن ثم السماح لها بالسير، بينما تقوم قوات الدعم السريع بتحصيل مبالغ نقدية من أصحاب السيارات خاصة التي تحمل بضائع بذريعة توفير الحماية لها وتأمين وصولها.
ضائقة معيشية
تقول رحاب محمد أحد مواطنات مدينة كادوقلي لـ(عاين): إن “الوضع المعيشي متردي للغاية فهناك فوضى كبيرة في الأسعار. تصل السلع والمواد الغذائية من منطقة سوق النعام من دولة جنوب السودان وهناك وفرة معقولة، لكن الأسعار مرتفعة كثيراً خاصة سلعة البصل الذي وصل سعر نصف الكيلة منه 7 آلاف جنيه”.
وتضيف: “هناك تراجع كبير في الوضع الاقتصادي للمواطنين الذين يعتمد غالبيتهم على الرعي والزراعة بجانب توقف المرتبات. فلم يتمكن الناس من الزراعة هذا الموسم بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وهو ما ينذر بفجوة غذائية كبيرة”.
ويشير مصطفى وهو مواطن من كادوقلي، إلى أن نسبة المساحات المزروعة لا تصل 3% هذا الموسم بسبب الاشتباكات المسلحة وغياب التمويل فجميع المشاريع الزراعية في الولاية خاصة هبيلا وغيرها لم تتم زراعتها وصارت بورا.
ويقول لـ(عاين): إن “الوضع الصحي متدهور أيضاَ وهناك نقص في الأدوية خاصة علاجات الملاريا مع انقطاع مستمر في التيار الكهربائي والذي أدى الى تذبذب العمل في المستشفيات والمراكز الصحية”.
ويرى ناشط مجتمعي ضرورة أن تتم تدخلات عاجلة في ولاية جنوب كردفان، فجميع سكانها يعانون، بينما تزداد أوضاع النازحين تدهورا في ظل عدم وجود أي جهة تقدم لهم المساعدات الإنسانية في الوقت الراهن، باستثناء جهود متواضعة تقوم بها غرفة الطوارئ في كادوقلي.