الحرية والتغيير … صراعات الحد الأدنى والسلطة
تقرير: عاين 23 يوليو 2019م
عمق الاتفاق الأخير بين بعض قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري من الخلافات السياسية المكونة لتحالف قوي الحرية والتغيير، وطفت خلافات فكرية وسياسية عديدة من قبل قوى اليسار وحركات التمرد وغيرها من التكوينات المنضوية تحت لواءه اتهمت بقية المكونات بالسعي لما وصفته بـ(الهبوط الناعم) والبحث عن تغيير شكلي إضافة للرغبة في إعادة إنتاج الدولة القديمة التي تقصي بعض أبناء السودان من السلطة والموارد والقرار.
ويرى مراقبون أن اتفاق الحد الأدنى الذي توافقت عليه القوى السياسية والنقابية والمدنية والشبابية وغيرها تحت مظلة تحالف الحرية والتغيير استطاع قيادة الجماهير حتى توجت الثورة بالاطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير بعد تضحيات كبيرة. ويحذر هؤلاء من تفتت تحالف الحرية والتغيير الامر الذي يمكن أن يفتح الباب أمام الثورة المضادة، فيما يرى اخرون ان تحالف الحد الادني قد انتهت صلاحيته بسقوط البشير وعادت الخلافات الفكرية والايدلوجية التي تنطلق منها التنظيمات المختلفة تتسيد المشهد كأمر واقع للخلافات العميقة.
مفترق طرق
بدأت دائرة الرفض للاتفاق الذي وقع الأسبوع الماضي في الاتساع إذ انضمت القوي المدنية وبعض لجان الاحياء المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير في رفض الاتفاق، الامر الذي ينذر بان قوى الحرية والتغيير أو علي الاقل بعض الكتل المكونة لها باتت في مفترق طرق. وفي محاولة لاحتواء الخلافات التي برزت وسط قوي نداء السودان عقب رفض أحد أهم مكوناتها للاتفاق ممثلا في الجبهة الثورية، سافرعدد من قيادات نداء السودان على رأسهم زعيم حزب الامة الصادق المهدي ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير وقيادات حزبية وسياسية أخرى إلى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا لحضور الاجتماعات التي ما تزال منعقدة هناك.
وكان الحزب الشيوعي السوداني قد أعلن رفضه للاتفاق السياسي الموقع بين حلفائه في قوى “الحرية والتغيير” والمجلس العسكري، قائلاً إنه “منقوص ومُعِيب” ويصُب في مجرى الهبوط الناعم الذي يُعيد إنتاج الأزمة، فيما أكدت قوى الاجماع الوطني – احد مكونات الحرية والتغيير رفضها للاتفاق. في ذات الوقت أعلنت الجبهة الثورية رفضها للاتفاق السياسي المُبرم بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، واصفة الاتفاق بالمعيب وغير مقبول، وسيؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي. من جانبها رفضت القوى المدنية المشاركة في إعلان الحرية والتغيير الاتفاق، وشددت على أن الموقعين عليه لم يكونوا مخولين بذلك حسب ما اتفق عليه آخر اجتماع لقوى الحرية والتغيير قبل التوقيع على الاتفاق مع المجلس العسكري. لكن الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف يرى أن تباين الآراء بين قوى الحرية والتغيير أمر طبيعي وغير مقلق، مشيرا إلى أن البلاد تعيش أوضاعا جديدة بعد الاطاحة بالبشير يدفع الكثير من الأحزاب للتعبير عن آرائهم بقوة بعد فترات القمع الطويلة التي عاشتها تحت قيادة الرئيس المخلوع عمر البشير.
يقول يوسف “بعد الاطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، أصبحت البلاد في وضع جديد، وبالتالي تباين الاراء داخل تحالف منظومة المعارضة في الواقع الحالي، أمراً طبيعياً“. وأوضح يوسف أن اعلان قوي الحرية والتغيير لديها من الآليات التي تعينها على إعلان مواقف موحدة، والنقاش حول الوثيقة الدستورية واللجان الاخرى، انه امر يخضع للبحث داخل اللجان الأخرى داخل التحالف ذاته. اما محمد علي أحد قيادات لجان الاحياء في الحاج يوسف رأى في تلك الاختلافات أمراً غير مبشراً بنتائج ايجابية، لاسيما منذ لحظة توقيع الاتفاق. ويقول علي لـ(عاين) “يبدو ان بعض الفقرات الأولى في الاتفاق بين المجلس العسكري وقوي الحرية والتغيير هي سبب الخلافات بين مكوناته“، ويراه خطوة غير حكيمة في هذا التوقيت، محذرا بأن هذا الخلافات ربما تساهم في إضعاف القوى المعارضة التي لعبت دوراً محوريا في إسقاط حكم المؤتمر الوطني. “هذه الخلافات بين مكونات التغيير لا تبشر بنتائج ايجابية في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الثورة” منبهاً قوى التغيير إلى ضرورة مراعاة مصالح الشعب السوداني الذي ضحى بالدماء، كما ناشدهم أن يراعوا مصالح الثورة الاساسية التي تحقق الحرية والسلام والعدالة، بدلا من التشاكس فيما بينهم.
حسابات دقيقة
يرى الصحفي فيصل محمد صالح أن قيادة قوى الحرية والتغيير تعيش تحت ضغوط مزدوجة بين رغبات الجماهير وبين ضغوط الوسطاء والمجتمع الإقليمي والدولي الذي يريد أن يرى اتفاقاً يتم توقيعه في السودان. وأوضح صالح أن قبول قوى إعلان الحرية والتغيير بالمشاركة في الفترة الانتقالية، سيقود إلى نشوء ازمة ثقة بينهم وبين الجماهير التي خرجت يوم 30 يونيو، مشيرا إلى أن التحالف يحتاج لكثير من الوقت لإقناع الجماهير بجدوى هذا التوقيع وضرورته. مشيرا في ذات الوقت إلى أن رفض الاستجابة للوسطاء قد يجعلهم يخسرون تعاطف الاتحاد الافريقي والوسطاء، وبعض الأطراف الدولية. ولا يستبعد فيصل محمد صالح ان تتسبب الاوضاع الحالية في أن تنشق اطراف من قوى الحرية والتغيير، بما يضعف هذه القوى المعارضة قوتها ووحدتها. ويؤكد فيصل ان كل الخيارات صعبة ومكلفة أمام قوى الحرية والتغيير، وطالبها أن تعيد النظر مرتين قبل أن تقدم على أي خطوة غير محسوبة، وعليها أن نحدد بوصلتها بدقة.
الخارطة السياسية واختلاف الأجيال
في ذات السياق يوضح الكاتب والمحلل السياسي عبدالله ادم خاطر، بعد المرحلة الحاسمة التي اسقط فيها نظام المؤتمر الوطني بقيادة زعيمه عمر البشير، والعمل على التحول الديمقراطي والتعبير عن الرأي والرأي الآخر، والاتفاق بين مكونات قوى الحرية والتغيير تهدف الى انهاء الوجود الشمولي للنظام السابق الذي كانت تمثله الانقاذ. ويقول خاطر لـ(عاين) ان الاتفاق يجب ان يؤدي الى تفكيك دولة الانقاذ الاحتكارية بانهاء المحاور الدعائية والاعلامية للدولة ، والمؤسسات الأمنية والسياسية، والمالية والاستثمارية، حيث يقول “أثناء العمل على تنفيذ هذه المحاور، ظهر اختلاف في وجهات النظر بين مكونات اعلان قوي الحرية والتغيير، باعتبار المكون به أحزاب تحمل اختلافات أيديولوجية، وكذلك الأجسام النقابية الموجودة لها صلة بالعمل الحزبي“. يتطرق عبدالله ادم خاطر أن النظام السابق كان ضد حرية التعبير، واما هذه أوجدت نقاشات تعبر عن وجهات نظر مختلفة بينهم، لكن في ذات الوقت أهدافهم واضحة، موضحا أن القوى السياسية لن تعود للوراء.
أما الدكتور حامد علي، المحاضر في الجامعة الامريكية بالقاهرة يرى الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير كان اتفاقاً على الحد الأدنى، وهو إسقاط النظام السابق. ويبين في حديثه لـ (عاين) في حقيقة الأمر أن هذه القوى مختلفة جدا، ومتشعبة ايديولوجيا وفكريا، وهي برمتها جزءاً من النادي القديم. مضيفاً “الجديد في الامر الان توجد قوى شبابية جديدة، ليست لهم انتماءات سياسية، بل تأثيرهم كبير جدا وحاضر في الشارع“. ويشير علي ان بعض القوى السياسية في الحرية والتغيير تضع في الحسبان الانتماءات السياسية، لذلك مواقفهم مترددة، وهذه القوة ليست مطمئنة لوضعها في الجغرافيا السياسية، وأخرى ليس لها وجود جماهيري، حتى بعض الحركات المسلحة، لا ترغب في التحول إلى أحزاب سياسية، وهذا يشكل عائق داخل قوى الحرية والتغيير.
ووجه علي أصابع الاتهام إلى بعض القوي التي يصفها بانها تريد الاستحواذ على السلطة في الفترة الانتقالية، مؤكدا أن الصراع الآن، بين من يريدون التحول الديمقراطي، ومن يريدون الاستحواذ على السلطة، لأن المستقبل ليس في جانبهم، وشكل التمثيل في القوى المهنية الذي ظهر في شكله الأخير يشبه تمثيل النادي القديم الذي يمثل الوسط السياسي المعروف تاريخياً. ويضيف حامد أن هذه القوى امتداد للبيوتات السياسية القديمة، ولا تريد أن تبارح المسرح السياسي، ويؤكد انها اصبحت جزء من منظومة علاقاتهم الاجتماعية والسياسية. ينصح حامد القوى السياسية أن تتفادى اشكالياتها الداخلية ،طالبها بتكوين تحالف يشمل كل الجميع، وتمثيل جميع قوى الهامش السوداني، في مناطق الحرب من دارفور الي كردفان وغيرها، ويسمعوا لأولئك الموجودين في الميدان، وحتى الكفاءات الموجودة في الخارج.