“قصر الرئاسة السودانية”.. اتفاق بالداخل وقمع المحتجين بالخارج
5 ديسمبر 2022
بالتزامن مع مراسم توقيع اتفاق إطاري بين أحزاب سياسية وقادة الانقلاب العسكري في قاعة صغيرة داخل القصر الرئاسي اليوم الاثنين، واجهت قوات الأمن مئات المحتجين المناوئين للاتفاق في محيط القصر بالقمع المفرط.
ووقعت اليوم الاثنين أحزاب سياسية إتفاقاً إطارياً من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء الانقلاب وسط مقاطعة واسعة من احزاب وتنظيمات مدنية ولجان مقاومة تقود منذ عام الحراك الشعبي ضد الانقلاب تحت شعارات “لا تفاوض لا شراكة لا مساومة” في إشارة للتفاوض مع الانقلابيين ومشاركتهم الحكم ومساومتهم على الانتهاكات التي ارتكبوها بحق السودانيين.
وبينما يتبادل قادة الاحزاب والجيش والوسطاء الدوليين الكلمات في حفل التوقيع المصغر الذي جرى داخل القصر الرئاسي، كان مئات المتظاهرين المناوئين للاتفاق والانقلاب العسكري في محيط القصر يحاولون الوصول إليه للتعبير عن رفضهم.
وتوجه المئات من “تقاطع باشدار” جنوب العاصمة السودانية صوب القصر . ومع اقترابهم من محيطه أطلقت القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت وخراطيم المياه لمنع تقدمهم.
وجاءت احتجاجات اليوم رفضا للاتفاق الإطاري الذي لم يقدم أجوبة حول عملية العدالة سوى التعهدات بتنظيم مؤتمر حول العدالة الانتقالية حيث يأمل موقعي الاتفاق على المصالحة الوطنية.
وطاردت الشاحنات التي تطلق الغاز المتظاهرين في الشوارع الداخلية وسط الخرطوم، وتحول “تقاطع رئيسي وسط العاصمة الخرطوم” إلى نقطة كر وفر بين المحتجين ورجال الأمن ولم تمنع القنابل الصوتية المتظاهرين من التقدم إلى شارع القصر رغم الانتشار الأمني الواسع حول محيط القصر والسوق العربي.
مشاركة واسعة
داخل القصر الرئاسي، جرت مراسم التوقيع على الاتفاق الاطاري الذي من المقرر أن تعقبه مفاوضات بين الاطراف الموقعة وصولا لاتفاق نهائي خلال أسابيع.
ويتضمن الاتفاق 27 بندا، أبرزها تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة تتكون من ثلاث مستويات دون مشاركة القوات النظامية التي منحت تمثيلا في مجلس للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء المدني.
ويستند الاتفاق على مسودة الدستور التي أعدتها نقابة المحامين السودانيين، بإستثناء 4 قضايا رئيسية جرى تأجيلها لمزيد لمزيد من التفصيل للوصول لاتفاق نهائي حولها.
ومن أبرز الموقعين على الاتفاق، حزب الأمة القومي، والمؤتمر السوداني، والتجمع الاتحادي، والمؤتمر الشعبي، وجماعة أنصار السنة، والاتحادي بقيادة “الحسن الميرغني”، والتحالف الوطني السوداني، والجبهة الثورية الهادي إدريس، وحزب البعث القومي بقيادة كمال بولاد، وتجمع المهنيين “ب”.
وقاطعت التوقيع أحزاب: الشيوعي، والبعث العربي الاشتراكي الأصل، بجانب لجان مقاومة، والكتلة الديمقراطية بقيادة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم.
وقال القيادي في قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” صديق الصادق المهدي خلال حفل التوقيع بالقصر الرئاسي بالخرطوم، أن الاتفاق يؤدي إلى إنهاء الانقلاب وينأى بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي وتأسيس سلطة مدنية تنفيذية وتشريعية وسيادية وإصلاح مؤسسات العدالة الوطنية علاوة على بناء جيش مهني موحد.
وأضاف صديق، إن “استلام المدنيين للسلطة سيكون على أساس توافقي على الإعلان الدستوري الذي يأتي التوقيع عليه عقب هذا الاتفاق الذي وقع العسكريين والمدنيين اليوم”.
وزاد الصادق: إن “الاتفاق الإطاري الذي يفضي إلى عملية دستورية سيحقق فترة انتقالية واسعة المشاركة والإسناد السياسي لتحقيق أوسع قاعدة ممكنة تقود البلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة”.
ورأى صديق، أن الفشل المستمر للبناء الوطني وتدهور الدولة وهشاشة المجتمع وتردي الأوضاع المعيشية والحروب والحلقة الشريرة للانقلابات العسكرية جاء هذا الاتفاق ليضع حدا لها.
وأضاف: “يستند الاتفاق على ثورة ديسمبر وانصاف الشهداء برضا أصحاب الحق مع عدم الإفلات من العدالة والوصول إلى العدالة الانتقالية وفق خارطة طريق وتحقيقها بسمات سودانية”.
كما تطرق صديق الصادق المهدي إلى عملية إصلاح الجيش واعتبرها قضية استراتيجية وفق مشاركة مدنية وعسكرية وبناء قوات نظامية تدين بالولاء للوطن وحماية الديمقراطية.
وأشار صديق الصادق، إلى أن العملية الدستورية التي تكمل الاتفاق الإطاري ستضع “برنامجا واضحاً ودقيقا” لإصلاح المؤسسة العسكرية للوصول إلى مرحلة “جيش واحد شعب واحد”.
كما تعهد صديق الصادق بعدم التراجع عن اتفاق سلام جوبا الموقع بين الحركات المسلحة والحكومة السودانية في 2020 مع اخضاعه للمراجعة للحفاظ على مكتسبات السلام إلى جانب إيلاء قضية شرق السودان اهتماما كبيرا.
الجيش: توسيع الانتقال
من جهته أعلن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أن السودان يمر بظرف استثنائي دقيق منذ الاطاحة بنظام الإنقاذ في أبريل 2019 وظل التنافر مستمرا بين العسكريين والمدنيين.
وأشار البرهان، إلى أن الصراع العسكري المدني انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل مهددات اقليمية ودولية تحاصر بلادنا.
وقال قائد الجيش، إن “الاتفاق الذي وقعته الأطراف السودانية اليوم يعلي مصلحة الوطن وينزع الوصاية وهو اتفاق على قضايا الوطن”.
وأردف البرهان: “الموافقة على الاتفاق لا يعني وجود طرف واحد انما يعني التوافق على قضايا الوطن وفق مشاركة واسعة للقوى المدنية وأصحاب المصلحة لإنهاء حالة الصراع بين العسكريين والمدنيين”.
وقال قائد الجيش، : “القوات المسلحة ظلت موجودة في السلطة لضرورات المرحلة” وتابع قائلا : “العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات”.
اعتذار عن عنف الدولة
من ناحيته قال نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي” في خطابه في حفل التوقيع على الاتفاق الإطاري اليوم بالعاصمة السودانية إنه يعلم تحفظات البعض على هذا الاتفاق لكن في بلد يعاني من تدهور اقتصادي مستمر ومليء بالصراع السياسي والحروب والهشاشة الأمنية علينا جميعا الالتزام بالحوار كقيمة إنسانية.
وأضاف: “مصلحتنا العليا اليوم هي في إقامة حكومة مدنية كاملة، قادرة على إدارة الدولة وإجراء حوار دستوري شامل لمعالجة جميع القضايا، خاصة القضايا غير المُعالَجة في هذا الاتفاق”.
ودعا حميدتي “شباب الثورة” إلى فتح فرصة لتحويل الطاقات إلى البناء والمشاركة في الحكم، واتخاذ القرار، خاصة على مستوى الحكم المحلي، الذي يمثل أساساً متيناً للنظام الديمقراطي.
وزاد : “رسالتي للنازحين هي لقد عالجنا بالتفصيل كل قضاياكم في اتفاق جوبا للسلام، ولكن الاتفاق لم يجد حظه من الاهتمام والتنفيذ، على الرغم من التزامي الشخصي منذ اليوم الأول من الحكومة الانتقالية السابقة بقضيتكم وقضية السلام على وجه العموم.
وعبر حميدتي عن أمله في معالجة قضايا النازحين والمشاركة في الانتخابات من من أولويات الحكومة القادمة.
وطالب حميدتي بالاعتراف والاعتذار من جميع الأطراف عن عنف وأخطاء الدولة تجاه المجتمعات عبر مختلف الحقب التاريخية. ولفت إلى أن هذا العنف أهدر فرص البناء الوطني وتحقيق السلام والتنمية والوحدة والاستفادة من التنوع. وشدد حميدتي على أهمية إقرار عمليات العدالة والعدالة الانتقالية، لرد المظالم وشفاء الجراح وبناء مجتمع معافى ومتسامح.
ورهن حميدتي نجاح التحول الديمقراطي بانسحاب المؤسسة العسكرية من السياسة، وقال إن “هذا ضروري لإقامة نظام ديمقراطي مستدام.. وهذا يستوجب أيضاً التزام القوى والأحزاب السياسية، بالابتعاد عن استخدام المؤسسة العسكرية للوصول للسلطة، كما حدث عبر التاريخ”.
وأوضح حميدتي، أن التحول الديمقراطي يتطلب بناء جيش قومي، ومهني، ومستقل عن السياسة وإجراء إصلاحات عميقة في المؤسسة العسكرية تؤدي إلى جيش واحد، يعكس تنوع السودان، ويحمي النظام الديمقراطي.