“هجمات الجراد”.. بعد الحرب، محنة أخرى لمزراعي دارفور

عاين- 13 نوفمبر 2023
بينما تستمر معارك حرب السودان، وتضع الأمن الغذائي لملايين السودانيين على المحك، تضاعف هجمات الجراد والآفات الزراعية محنة المزارعين القلائل الذين تمكنوا من فلاحة أراضيهم بدارفور، وتعرّض محصولاتهم لخطر الفناء.
وألقت حرب الجيش وقوات الدعم السريع المستمرة، بظلال سالبة على إنتاج المحاصيل الأساسية، وعرّضت وسائل كسب عيش الملايين في دارفور للخطر، ما ينتج عنه تفاقم أزمة نقص الغذاء في الإقليم.
وأدى القتال في السودان إلى تراجع الرقعة الزراعية في دارفور هذا العام؛ مما يرفع من سقف توقعات انعدام الأمن الغذائي الحاد في الإقليم الذي يضم ربع سكان السودان، من بينهم مليونا نازح يعتمدون على المساعدات الإنسانية قبل اندلاع حرب 15 أبريل الماضي.
الحرب والجراد
وفقاً لاستطلاعات أجرتها (عاين) حول مؤشرات تأثير الآفات على إنتاج المحاصيل في دارفور توقع عضو تجمع المزارعين بولاية وسط دارفور، عيسى حارن، خروج مناطق الولاية من إنتاج الذرة والدخن وحتى الولايات المجاورة تأثرت بالآفات الزراعية وأخرى تأثرت بالحرب. ونوه بأن “هناك مزارعين لم يتمكنوا من فلاحة مزارعهم، وشُغل الآخرون بالحرب لاسيما عنصر الشباب، وقضت آفة الجراد على مزارعهم التي تمكنوا من فلاحتها”.

تحضيرات (50%).. الفشل يهدد الموسم الزراعي بالنيل الأزرق
صاحب مزرعة للذرة جنوب مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور يقول لـ(عاين)، إنه بالرغم من تمكنه زراعة نحو (150) فداناً من الذرة، إلا أن الجراد قضى عليها بصورة كاملة

وفي ذات السياق يقول “علي حسين”، وهو صاحب مزرعة للذرة جنوب مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور لـ(عاين)، إنه بالرغم من تمكنه زراعة نحو (150) فداناً من الذرة، إلا أن الجراد قضى عليها بصورة كاملة.
ويضيف المزارع علي حسين: أن “في السابق تقوم وزارة الزراعة بعمليات مكافحة الآفات، لكن غياب الخدمات الزراعية جراء الحرب أثر في الإنتاج بشكل عام، لجهة أن عملية المكافحة تحتاج إلى مبيدات ورش باستخدام الطائرات، وهذا لم يحدث هذا العام”. وتابع: “لا توجد أي جهة يمكن التبلغ إليها لمساعدة المزارعين”.
فيما شكا عدد من المزارعين في بلدة “ابوحمرة” الزراعية الواقعة شمال نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور من الانتشار الكبير لآفة الجراد في المنطقة، مشيرين أن الجراد أحدث تلفاً كبيراً في المزارع، وإن المواطنين يقومون حاليًا بعملية مكافحة تقليدية بالمبيدات الحشرية بالجهود الذاتية، لكن الانتشار الواسع للجراد فوق طاقتهم
الخروج عن دائرة الإنتاج
ووفقاً لمدير عام وزارة الزراعة بولاية جنوب دارفور، حامد حماد، أن توقف نشاط المؤسسات الزراعية المعنية بالمكافحة ووقاية النباتات نتيجة الحرب ساعد بشكل واضح في انتشار الآفات الزراعية خلال هذا العام، بجانب عدم تمكن المنظمات الدولية الداعمة للزراعة من الوصول لمساعدة المزارعين كما يحدث العام كله.
وقال المدير العام والخبير الزراعي حماد لـ(عاين): إن “ولاية جنوب دارفور تحديدا خرجت عن دائرة الإنتاج لاسيما محصولي الذرة والدخن، وهي أكبر ولاية إنتاجية، وذلك بسبب الجراد والطيور التي هاجمت المزارع، وقضت على المحاصيل والأعلاف في الوقت ذاته”.
ويضيف المسؤول الحكومي، أن ذلك “سيكون بمثابة مؤشر غير جيد، وينعكس على المخزون الغذائي لسكان الولاية بجانب عدد من ولايات دارفور التي تعتمد على مخزونها الغذائي كالذرة والدخن من إنتاج مزارع جنوب دارفور”.
وفي الوقت نفسه تبدو عملية جلب الذرة والدخن من ولايات شرق السودان إلى دارفور أصبح أمرا في غاية الصعوبة في ظل تعقيدات الحرب وارتفاع تكاليف النقل.
مرحلة الخطر
وترسم توقعات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) للفترة من أكتوبر 2023 إلى فبراير 2024 صورة مقلقة، حيث من المحتمل أن يواجه حوالي (20.3) مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الثالثة أو أعلى من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي)، وهو أعلى رقم مسجل يتزامن مع موسم الحصاد في البلاد.

تقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) انه وفي الفترة من أكتوبر 2023 إلى فبراير 2024 من المحتمل أن يواجه حوالي (20.3) مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وبحسب آخر توقعات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن تكون دارفور الكبرى وكردفان الكبرى وولاية الخرطوم هي المناطق ذات العدد الأكبر من السكان في المرحلة الثالثة من التصنيف (مرحلة الأزمة) والمرحلة الرابعة (مرحلة الطوارئ).
وخلال هذه الفترة، من المتوقع أن يزداد محصول الدخن والذرة الرفيعة زيادة طفيفة، مما سيساعد على تجديد مخزون الأسر، وتحسين صحة الماشية، وتعزيز إنتاج الحليب. ومع ذلك، قد لا يكون هذا التحسن كافياً لتلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة، خاصة في الولايات التي تعتمد إلى حد بعيد على الزراعة بحسب توقعات المنظمة الأممية.
في هذا السياق، يرى مدير عام وزارة الزراعة أن الانتشار المفاجئ والواسع للآفات الزراعية سيكون عاملاً مؤثراً في تفاقم أزمة الغذاء التي ستواجه سكان إقليم دارفور.
توقف الإغاثة
وفي ولاية شمال دارفور، التي استقبلت نحو (250) ألفاً من النازحين الفارين من القتال في الخرطوم ومدينة نيالا، أبلغت مفوضية العون الإنساني أن نقصاً كبيراً في المواد الغذائية يواجه الولاية، في وقت تأثرت الولاية بتداعيات الحرب والآفات الزراعية وشح الأمطار، وتوقف الدعم الذي يقدمه برنامج الأغذية العالمي بسبب الحرب.
وفي هذا الشأن، يقول مفوض العون الإنساني بولاية شمال دارفور، عباس يوسف، إن “هذا سيزيد الضغوط على الموارد الأساسية والمخزون المحلي غذاء في تلك المنطقة”.
في وقت أصبح تدفق المساعدات الإنسانية لولايات دارفور في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، مضيفاً أن الأمر سيزداد تعقيداً حال لم يصل أطراف الصراع إلى حلول وضمانات واضحة بشأن وصول المساعدات والمنظمات الإنسانية للمناطق لمساعدة المتأثرين.
وأضاف المسؤول الحكومي في مقابلة مع (عاين): “جزء كبير من سكان دارفور أصبحوا نازحين، وأن المساحات المزروعة هذا العام لا تتجاوز 30% وفقا للمؤشرات الأولية… والآفات الزراعية قضت على المحاصيل خاصة الذرة والدخن التي بإمكانها أن تجدد قدراً قليلاً من مخزون الأهالي من الغذاء”.

جزيرة توتي.. انتاجها الزراعي انحسر و"غابات الأسمنت" تحاصر أرضها
مسؤول حكومي بدارفور: الآفات الزراعية قضت على المحاصيل خاصة الذرة والدخن التي بإمكانها أن تجدد قدراً قليلاً من مخزون الأهالي من الغذاء

وتوقفت جميع عمليات الإغاثة إلى ولايات دارفور، سواء كان مسحاً إنساني جديد، أو الدعم الإنساني لمخيمات النازحين القائمة قبل اندلاع الحرب الحالية، وهذا بدوره أثر على نحو مباشر خاصة بعد توقف مشاريع المنظمات القائمة بشأن دعم العمليات الزراعية.
وتسببت الأحداث الأمنية في السودان في نهب وتخريب مخزون برنامج الأغذية العالمي في كل ولايات دارفور وكردفان، في وقت لا يمكن إيصال أي مساعدات في الظروف الحالية إن لم تتوفر أي ضمانات لحماية المنظمات.
ناقوس الخطر
من جهته أشار أستاذ الاقتصاد بجامعة نيالا في جنوب دارفور، محمود عبدالحميدـ إلى أن أزمة نقص الغذاء في ولايات دارفور أصبحت واقعاً، وأن تداعيات الحرب انعكست على نحو مباشر على الإنتاج الزراعي لجهة أنها تسببت في تعطيل المصارف وتدمير المؤسسات الحكومية المنوط بها تنظيم ودعم العمليات الزراعية. علاوة على توقف نشاط المنظمات الإنسانية التي كانت تدعم الزراعة ومساعدة المزارعين في التمويل وتوفير البذور والأسمدة والمدخلات الزراعية.
ويقول عبد الحميد لـ(عاين) إن “المؤشرات الحالية تدق ناقوس الخطر، وتشير إلى أزمة جوع بدأت تلوح في الأفق قد تكون أشد وطأة؛ مما تتوقعه الأمم المتحدة وعمال الإغاثة”.
ودعا محمود، المنظمات الدولية والإقليمية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع المزيد من التدهور في حالة الأمن الغذائي وإنقاذ الأرواح وسبل كسب العيش.
وتعرض القطاع الزراعي لصدمة كبيرة لم يتعرض لها من قبل أدت إلى انهيار مؤسسات الدولة المعنية بالزراعة ونهب المعدات والآليات الزراعية وتدمير كامل للبنية التحتية.
ويضيف الخبير الاقتصادي، أن “الحرب وضعت المواطنين في دارفور أمام تحدٍ كبير؛ لأنهم يعتمدون على الزراعة في معاشهم والآن السكان لا يستطيعون فعل أي شيء في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية الراهنة التي تمر بها البلاد، وهم في أشد الحاجة إلى المساعدات الإنسانية”.

تقرير ذو صلة 

https://3ayin.com/the-specter-of-starvation/