حرب السودان تضع الأمن الغذائي للآلاف بإقليم دارفور على المحك 

23 يونيو 2023

 لم يتمكن آلاف المزارعين في اقليم دارفور من الخروج إلى مزارعهم في الوقت الذي يتوجب عليهم فلاحة أراضيهم في هذا التوقيت المتزامن مع بداية هطول الأمطار بسبب تمدد معارك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدد من مدن وبلدات الإقليم، وسط تحذيرات أممية بشأن إنعدام الأمن الغذائي في السودان.

وأدت المعارك وعمليات النهب والحصار الذي تفرضه المليشيات المسلحة على مدن دارفور نتيجة الصراع بين الطرفين إلى توقف العمليات الفلاحية التي من المقرر أن تبدأ بتجهيز الأرض وتوفير التقاوي وتجهيز وصيانة الآليات الزراعية تمهيداً لزراعة البذور خلال الفترة من يونيو وحتى منتصف يوليو من كل عام.

ويعتمد ثلثا سكان دارفور على الزراعة بشقيها الزراعي والحيواني في سبل كسب عيشهم وأمنهم الغذائي. وتنتج ولايات دارفور محصول الذرة والدخن الذي يعتبر مصدر غذاء رئيسي لنحو 70% من السكان وعلف للحيوانات، علاوة على إنتاج 80% من محصول الفول السوداني والسمسم اللذان يمثلان أهم الصادرات الزراعية الداعمة للميزان التجاري للدولة.

تسببت الحرب الدائرة  في تشوهات بالبنية الإنتاجية لقطاع الزراعي لاسيما في مناطق احتدام الصراع. ومن المرجح أن يؤدي القتال إلى تراجع الرقعة الزراعية في دارفور هذا العام وسط رفع توقعات انعدام الأمن الغذائي الحاد في الأقليم الذي يضم نحو مليوني نازح يعتمد أغلبهم على المساعدات الإنسانية قبل اندلاع الصراع الحالي.

بائعة خضار في سوق صغير بدارفور

وتقول منظمة الأغذية والزراعة “فاو”، أن الأزمة الحالية في السودان أدت إلى تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي المتردية أصلًا، إذ من المتوقع أن يزداد الجوع بشكل كبير في جميع أنحاء البلاد مع اقتراب الموسم الأعجف المعتاد الذي يمتد من يونيو إلى سبتمبر.

وذكرت المنظمة الدولية في تقرير حديث لها اطلعت عليه (عاين)، انها تحتاج وعلى وجه السرعة إلى مبلغ 95.4 ملايين دولار أمريكي من أجل بلوغ 15 مليون شخص، من خلال تدخلات متعددة لإنقاذ الأرواح، بما فيها تزويد المزارعين بالبذور والمعدات الزراعية وحماية قطعان المواشي للرعاة.

فيما يقول برنامج الأغذية العالمي، انه يقوم بتوسيع عملياته لدعم 5.9 مليون شخص متأثر بالصراع في جميع أنحاء السودان على مدى الأشهر الستة المقبلة.

تفلتات ونهب  

“حسين سعيد”، أحد المزارعين بدارفور الذين يبدون مخاوفاً من إنعدام الأمن والفوضى الناتجة عن القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.  ويقول حسين لـ(عاين)، إن “مزارعين من مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور خرجوا لتجهيز مزارعهم في الأسبوع الأول من شهر يونيو الجاري لكنهم تعرضوا لنهب الآليات الزراعية والوقود من قبل مسلحين مجهولين، الأمر الذي دفع مزارعين آخرين إلى عدم الخروج”. وأردف: “أي خوض في عمل زراعي في حالياً يعتبر مغامرة يمكن أن تكلف المزارع حياته.”

وبذات القدر يواجه مزارعون في ولاية شرق دارفور، صعوبات في  قدرتهم على استزراع مساحات كافية رغم هدوء الأوضاع الامنية بالولاية، لكن المخاوف تسود حول سوء الاوضاع الامنية في أي لحظة.

الفشل يتهدد موسم زراعة القمح بمشروع الجزيرة

وتوقع مزارع محصول الفول السوداني، شمال مدينة الضعين عاصمة شرق دارفور، محمد آدم خميس، تراجعا كبيراً في المساحات الزراعية بسبب الأزمة المالية الناتجة عن الحرب لاسيما توقف النظام المصرفى وأزمة السيولة النقدية.

ويضيف خميس خلال مقابلة مع (عاين)، إلى أن ارتفاع أسعار الوقود وندرته الذي يعد أحد العوامل التي تؤدي إلى تخلي المزارعين عن الاستثمار الزراعي لجهة أنه يرفع تكاليف الإنتاج علاوة عدم القدرة المالية لصغار المزارعين في توفير التقاوي والمصروفات نتيجة لاستهلاك مدخراتهم المالية خلال أشهر الحرب بجانب توقف مصادر الدخل للموظفين والتجار.

اقرار حكومي

“القطاع الزراعي يتعرض لازمة لم يتعرض لها من قبل حتى خلال سنوات حرب دارفور. نحن أمام تحدٍ كبير لأن معظم السكان يعتمدون على الزراعة، والمزارعين لا يستطيعون فعل أي شيء في ظل أوضاع البلاد الأمنية والاقتصادية الراهنة”. يقول مدير عام وزارة الزراعة والثروة الحيوانية في ولاية جنوب دارفور حامد حماد لـ(عاين).

ويقر حماد، بتحديات أمنية وتمويلية كبيرة تواجه القطاع الزراعي بدارفور وتفوق إمكانات الحكومات الولائية.

ويشير  المسؤول الحكومي إلى أنه وبالرغم من محاولات المزارعين الدخول في الاستثمار الزراعي خلال العام الحالي، إلا أن ارتفاع أسعار الوقود هزمت كل محاولاتهم. وأشار إلى ارتفاع أسعار الجازولين  لـ(800) ألف جنيه بدلاً عن (220) ألف جنيه خلال الشهر الأول من بداية الحرب الحالية بجانب تحديات توفير النقد لجهة أن معظم المستثمرين أموالهم في البنوك المغلقة.

ويحاول المزارعون في بعض المناطق الآمنة في ولايات جنوب وشرق شمال دارفور استخدام الوسائل التقليدية “الدواب” عوضاً عن آلات الزراعية التي تحتاج للوقود، إلا أن الوسائل التقليدية لاتمكنهم من زراعة مساحات واسعة تحقق إليهم أرباحاً جيدة.

لجوء اضطراري

حجم المشكلات التي تواجه السكان في إقليم دارفور اللازمة لأمنهم الغذائي تضطر الآلاف منهم إلى اللجوء إلى دول الجوار ومن ثم إلى أوروبا بحثاً عن الأمن والغذاء. يرى المحلل الاقتصادي والأستاذ في جامعة نيالا محمود عبد الحميد.

"نازحون للمرة الثانية".. العنف يضطر الآلاف للسكن بمؤسسات حكومة غرب دارفور

ويشير محمود في مقابلة مع (عاين)، إلى أن مؤشرات الحرب والنزوح الحالية تنذر بـ”كارثة” أزمة غذاء حادة بدارفور في القريب العاجل لجهة أن أكبر مناطق الإنتاج في ولايتي غرب ووسط دارفور خرجت من الموسم الزراعي الصيفي بنسبة مئة بالمئة.

وينوه أستاذ الاقتصاد، إلى أن الموسم الحالي هو أهم موسم زراعي في دارفور لتأمين الغذاء خاصة الغلال والزيوت، وأشار إلى أن ولايات جنوب وشمال دارفور تأثرت بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج في بعض المناطق وخروج كبار المستثمرين الزراعيين وان جزء قليل من المحليات يزرعون باستخدام أدوات تقليدية في مساحات محدودة.