هل تضاعف كارثة السيول أزمة الغذاء بدارفور؟
3 أكتوبر 2022
لم يتمكن المزارع بدارفور، عيسى آدم عبدالرحمن، من زراعة سوى 60 فداناً بدلاً عن فلاحة نحو 200 فدانا كان ينوى زراعتها بمحاصيل متعددة هذا العام. ويقول عبد الرحمن لـ(عاين)، “مع بداية الموسم الزراعي منعت الأمطار الغزيرة والسيول مئات المزارعين في الإقليم من تجهيز أراضيهم للزراعة”.
تتزايد المخاوف في اقليم دارفور غربي السودان، من تفاقم أزمة غذاء حادة خلال الفترة المقبلة، في أعقاب تضرر آلاف المساحات الزراعية بالامطار الغزيرة وسيول عارمة ألحقت أضرارا كبيرة بآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، أدت إلى تلف محاصيل كانت على موعد مع الحصاد، وتسبب ذلك في خسائر كبيرة للمزارعين.
وتأتي المخاوف عقب تقرير صدر عن مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان (أوتشا) مؤخرا يشير الى أن الفيضانات والسيول التي غمرت الأراضي الزراعية في عدد من مناطق السودان تؤدي إلى تفاقم المستويات المقلقة من انعدام الأمن الغذائي التي يواجهها السودانيين.
وكان برنامج الغذاء العالمي حذر نهاية مايو الماضي من مواجهة (15) مليون سوداني الانعدام الحاد في الأمن الغذائي يأتي في مقدمتها اقليم دارفور الذي يعاني صراعاً مسلحاً حوّل مليون شخص الى نازحين، بجانب الجفاف والزحف الصحراوي شمال الإقليم.
فيما توقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن (18) مليون سوداني يواجهون الجوع الحاد بحلول سبتمبر الماضي بسبب قلة المحاصيل التي أثرت سلبا على توفر الغذاء وفرص كسب العيش.
وتُضنْف الأمطار الغزيرة والسيول من الأسباب الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي في الإقليم بجانب النزوح جراء الصراع المسلح والجفاف المتكرر شمالا، علاوة على حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، في حين يعتمد اقتصاد السودان بشكل كبير على الزراعة التي توظف 43 بالمئة من القوى العاملة في البلاد، بجانب 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحسب تقرير البنك الدولي تقديرات منظمة العمل الدولية لعام 2019.
تراجع المساحات
وبحسب تقرير لجنة طوارئ الخريف في ولاية جنوب دارفور -أكبر الولايات في الإنتاج الزراعي- فإن السكان فقدوا نحو من (4800) رأس من الماشية، وتضررت أكثر من (12100) فدان حوالي (5100 هكتار) من الأراضي الزراعية بسبب الأمطار الغزيرة والسيول، مما يؤدي إلى تفاقم المستويات المقلقة بالفعل من انعدام الأمن الغذائي التي يواجهها الناس في جميع أنحاء البلاد.
“التقديرات الأولية أثبتت تلف نحو (20) بالمئة من جملة (10) الف فدان من مساحة الزراعة المطرية المستهدفة بالولاية”، يقول مدير عام وزارة الزراعة والثروة الحيوانية بولاية جنوب دارفور حماد موسى لـ(عاين).
وتأتي ولاية جنوب دارفور أكثر الولايات تضرراً من الامطار والفيضانات حسب آخر تقديرات صدرت عن مكتب الأمم المتحدة في السودان – الثلاثاء الماضي.
ويحذر المدير التنفيذي لمحلية عد الفرسان محمد آدم اسحق من “مجاعة محتملة تهدد سكان المحلية بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية وارتفاع أسعار الذرة بجانب توقف الحركة بين المحلية وعاصمة الولاية مدينة نيالا بسبب الأمطار والسيول”.
ويقول اسحق لـ(عاين)، إن “السيول تسببت في إتلاف مساحات زراعية كبيرة تقدر بنحو 13 ألف فدان مما فاقم من معاناة المواطنين وأصبحت الفجوة الغذائية بالمحلية واقع”. ويضيف : “الأوضاع لا تزال صعبة رغم دخول موسم الانتاج الجديد”.
ولاية شرق دارفور ثاني أكبر الولايات في الإنتاج الزراعي في الإقليم غمرت أيضا السيول والفيضانات مساحات واسعة خاصة بالمحليات الجنوبية في بحر العرب و ابو جابرة ومحليتي الفردوس وعسلاية غربا. وفقاً لمدير عام وزارة الإنتاج بالولاية سعيد أبكر الذي يقول لـ(عاين)، “إلى جانب تراكم المياه بكميات كبيرة في الوديان والمستنقعات ما أدى لتزايد طير -الزرزور- الذي أصبح مهدد حقيقي للمحاصيل الزراعية خاصة للذرة والدخن.
المخزون الاستراتيجي؟
وبحسب معلومات حصلت عليها (عاين) فأن ولايات دارفور لا تملك أي مخزون استراتيجي، وتشتري كميات محدودة من الذرة من مواردها الذاتية من ولايات أخرى وهذا لم يحدث منذ سنوات بسبب الإضطرابات السياسية والاقتصادية.
ولاية جنوب دارفور أكبر الولايات المنتجة والمستهلكة للذرة والدخن لم تتحصل على مخزون استراتيجي منذ خمس سنوات
ومنذ خمس سنوات لم تتمكن ولاية جنوب دارفور أكبر الولايات المنتجة والمستهلكة للذرة والدخن من الحصول على مخزون استراتيجي سواء كان من الانتاج المحلي أو من الولايات الأخرى حتى يساعد ذلك في استقرار أسعار الذرة والدخن خاصة خلال موسم الأمطار.
يقول مدير عام وزارة المالية بولاية جنوب دارفورعلي الشيخ لـ(عاين)، إن الكوارث الطبيعية تقلل من فرص الولاية في الحصول على مخزون استراتيجي من الإنتاج المحلي، وتوقع أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية ربما تضعف فرص إيجاد التمويل البنكي للمخزون الاستراتيجي وبالتالي يكون الاعتماد على الطرق التقليدية المحدودة وسياسة السوق الأمر الذي يشكل خطر كبير على الأمن الغذائي للسكان المحليين.
في يوليو الماضي تحصلت ولاية جنوب دارفور على (10) ألف جوال ذرة فقط من مواردها الذاتية لتخفيف نقص الغذاء بهدف المحافظة على استقرار أسعار الذرة بالمحليات التي يصعب الوصول إليها بسبب الأمطار والسيول لكن الكمية كانت متواضعة جدا مقارنة بحاجة الولاية التي تقدر بنحو (500) ألف جوال لتجاوز أزمة نقص الغذاء خلال موسم الخريف ونقص موسم الأمطار وفق تقول وزارة المالية الولائية.
ولأول مرة تفشل الحكومة السودانية في توفير مخزون استراتيجي بعدما كانت تشتري محاصيل الذرة والقمح من المزارعين بسعر مجز لتتمكن من مواجهة الطوارئ. لكنه ووفقا لمصادر حكومية عزت الأمر إلى تراجع إنتاج هذا الموسم، لا سيما محصول القمح بسبب شح التمويل، كما أحجم المزارعين عن البيع للحكومة التي حددت أسعار اعتبرها المزارعون لا تغطي التكاليف العالية للإنتاج.
مؤشرات خطيرة
عدد من المخاطر المؤثرة على الأمن الغذائي ترتبط بانكماش الاقتصاد، وبدأ صندوق النقد الدولي أكثر تشاؤما بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد السوداني هذا العام وخفض توقعاته إلى انكماش بدل الرواج والنمو، وهي أسوأ تقديرات يفصح عنها البنك في أفريقيا في تقريره الصادر بتاريخ السابع من يونيو 2022، مع ارتفاع معدلات التضخم فوق 220%.
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة نيالا محمود عبد العزيز، أن المخاطر المؤثرة على الأمن الغذائي في دارفور ترتبط بانكماش الاقتصاد الذي يعاني منه السودان بشكل عام، خاصة بعد أن بدأ صندوق النقد الدولي أكثر تشاؤماً بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد السوداني هذا العام وخفض توقعاته إلى انكماش بدلا من النمو، مما يفسر بأسوأ تقديرات يفصح عنها البنك في أفريقيا في تقريره الصادر بتاريخ السابع من يونيو 2022.
ويرى الاقتصادي محمود، أن ضعف الطلب يتسبب في ضعف الإنتاج ليكون التأثير المباشر هو تدني الإنتاجية وتراجع المساحات المزروعة، وبالتالي يكون هناك تأثير سالب على الأمن الغذائي.
وفقد السودان نحو (300) مليون دولار كانت مقدمة من مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي لتوسيع قنوات الري، بجانب (68) مليون دولاراً مقدمة من صندوق النقد الدولي لشراء جزء من الأسمدة ووقاية المحاصيل وذلك في سياق تعليق المجتمع الدولي مساعداته للسودان بسبب الأحداث التي قام بها الجيش في 25 أكتوبر من العام الماضي.
خبير اقتصادي: السيول وغزارة الأمطار ستضاعف نقص الغذاء بدارفور
ويتوقع الخبير الزراعي، د. عبدالرحمن آدم، أن تُحدث الأمطار الغزيرة والسيول مضاعفات نقص غذاء في دارفور على المدى القريب خاصة في المناطق الشمالية التي تعتمد بنسبة كبيرة في الغذاء على الولايات الجنوبية التي تأثرت، ويأتي ذلك في ظل تراجع زراعة الدخن والذرة التي تعتبر مصدر غذاء رئيسي لثلثي سكان دارفور والولايات المجاورة علاوة على أزمة نقص الغذاء التي تعيشها دول مجاورة.
أضاف عبد الرحمن المحاضر بكلية الزراعة في جامعة زالنجي خلال حديثه لـ(عاين)، ان فرص حصول دارفور علي الغذاء من دول واقاليم اخرى يكاد شبه مستحيل في ظل ازمة الغذاء التي يعيشها العالم بسبب الحروب والتغيرات المناخية المتوقعة
ودعا الخبير الزراعي حكومات ولايات الاقليم الى ضرورة سياسة الاعتماد على الذات في تأمين الغذاء من خلال تطوير القطاع الزراعي عبر التقانات الزراعية الحديثة ووضع خطة علمية وإرشادية لنقل المزارعين من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الآلية.