“سلاح التجويع”.. أطراف الصراع تعرقل وصول المساعدات لدارفور

عاين- 12 مارس 2024

مع استمرار المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدن سودانية، بات سلاح التجويع عنصرًا مهماً في الحرب، ويسعى كل طرف لقطع إمداد الغذاء عن مناطق سيطرة الطرف الآخر لمزيد من الضغوط، دون مراعاة لشبح المجاعة الذي يهدد حياة ملايين المدنيين المحاصرين في مناطق القتال، خاصة في إقليمي دارفور وكردفان اللذين يخضعان إلى حد بعيد لسيطرة الدعم السريع.

بالتزامن مع قرارات الحكومة السودانية “الأسبوع الماضي” برفض دخول مواد الإغاثة إلى إقليم دارفور عبر الدول المجاورة، شهدت مدن الإقليم ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية خاصة الذرة والدخن التي بلغت نحو (120) ألف جنيه للجوال عوضا عن (70) ألف، مما زاد حالة الهلع ورفع سقف احتمالات المجاعة في الإقليم.

بالإضافة إلى ذلك فرض طرفي القتال، بجانب الحركات المسلحة في شمال دارفور، إجراءات أمنية مشددة على حركة النقل وتقييد ترحيل المواد الغذائية، خاصة من وإلى مدن دارفور وكردفان من ميناء مدينة بورسودان “العاصمة السودانية البديلة”

وتأتي قرارات منع دخول المساعدات الإنسانية، في وقت ترتفع فيه طلبات الاستغاثة، وتتزايد حالات الموت بسبب الجوع، خاصة في مخيمات النازحين القائمة في مدن دارفور قبل اندلاع الحرب الجارية، علاوة على تحذيرات منظمات أممية من وضع غذائي كارثي في المنطقة نتيجة المواجهات

عقاب المدنيين

إزاء ذلك يتهم “محمد أبكر”، عضو لجنة الطوارئ في ولاية شمال دارفور، قوات الدعم السريع التي تتمركز حول مدينة الفاشر بمنع دخول الذرة والدخن إلى المدينة، بحجة محاصرة فرقة الجيش الموجودة في وسط مدينة الفاشر عاصمة الولاية، في وقت يوجَد آلاف المدنيين المحاصرين بجانب عدد من مخيمات نازحي حرب دارفور، ودور الإيواء الجديدة، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات تعاقب المدنيين في المقام الأول عوضا عن العسكريين.

ويقول عضو لجنة الطوارئ في مقابلة مع (عاين): “في الوقت ذاته تمارس الحركات المسلحة الموجودة داخل الولاية إجراءات بيروقراطية تقييد حركة نقل الذرة والدخن خارج مدينة الفاشر -مكان سيطرتها- وتمنع نقله خاصة إلى مدن نيالا، الضعين، زالنجي والجنينة التي تقع ضمن سيطرة الدعم السريع، الأمر الذي تسبب في ارتفاع كبير في أسعار الذرة والدخن في عدة مناطق مؤخرا”.

وبالمقابل اتخذت قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي قرارات مماثلة منعت نقل الذرة والدخن من مناطق الإنتاج في جنوب ووسط وغرب دارفور إلى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي تقع ضمن سيطرة قوات الجيش والحركات المسلحة نتيجة لردة فعل لإجراءات الجيش والحركات المسلحة الأخيرة “وفقاً لعضو لجنة الطوارئ”

وتتطابق اتهامات لجنة طوارئ شمال دارفور مع تبليغ أحد التجار بأسواق مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور (عاين) عن حجز (4) شاحنات محملة بالذرة قادمة من القضارف من قبل ارتكازات عسكرية تتبع لإحدى الحركات المسلحة في ولاية شمال دارفور وتحريكها إلى جهة غير معلومة، بجانب حجز قوات الدعم السريع شاحنة أخرى في طريقها من ولاية وسط دارفور إلى شرق دارفور

ومنذ أكتوبر الماضي تسيطر قوات الدعم السريع على أربع ولايات بصورة كاملة من بين خمس ولايات في إقليم دارفور الذي يطل على أربعة من دول الجوار الأفريقي للسودان، ويبعد أكثر من ألف كيلومتر من العاصمة الخرطوم، علاوة على مناطق واسعة من إقليم كردفان، بينما تسيطر قوات الجيش بجانب القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح على مدينة الفاشر العاصمة التاريخية لإقليم دارفور.

وصول مهدد بتقاطعات عسكرية

وواجهت قرارات الحكومة في بورتسودان بتقييد دخول المساعدات الإنسانية إلى مدن دارفور عبر الحدود التشادية، ردود فعل محلية ودولية، قبل تتراجع وتوافق على دخول الإغاثة بعد الاتفاق مع الوكالات الأممية مشترطةً وصول الإغاثة إلى مدينة الفاشر أولاً؛ ومن ثم إلى الولايات الأخرى.

إلا أن موافقة الحكومة والسماح بدخول الإغاثة إلى دارفور يواجه مهددات تقاطع السيطرة العسكرية بين الجيش والدعم السريع من جهة، والدعم السريع والحركات المسلحة في شمال دارفور من جهة أخرى.

في ذلك، يرى خبير في مجال العمل الإنساني، بدارفور صالح محمدين، أن وجود ثلاث قوات عسكرية في دارفور يشكل مصدر تهديد رئيسي لعمليات الإغاثة في دارفور لجهة أن الأطراف العسكرية نفسها تأثرت بنقص الغذاء، ولا توجد ضمانات قوية لحماية مواد الإغاثة وعدم استخدامها لأغراض عسكرية أو تجارية في ظل هذه التقاطعات.

ويقول صالح “المستشار السابق في وكالات الأمم المتحدة بدارفور  لـ(عاين):” منذ اندلاع الحرب ظل طرفا الصراع يمارسون عن عمد عرقلة وصول المساعدات للمحتاجين في مناطق القتال، ويتجاهلون صرخات الاستغاثة، ويقوم منسوبوهم بالاعتداء على القوافل الإنسانية، ونهب المستودعات مواد الإغاثة أو توجيه الإغاثة لأغراض عسكرية أو توجهها إلى مناطق سيطرة كل طرف لتحقيق كسب سياسي دون مراعاة المأساة الإنسانية التي يمر بها المدنيون”.

ولفت خبير العمل الإنساني، إلى أن مناطق الصراع في دارفور تعيش أوضاع إنسانية غير مسبوقة لجهة أن الملايين لا يستطيعون الهرب أو مغادرة مناطقهم، وأن أملهم الوحيد وصول مساعدات إنسانية، خاصة أن المناطق المجاورة لدارفور تأثرت هذا العام بالآفات الزراعية، بالإضافة إلى ذلك عدم تمكن معظم المزارعين على مستوى الإقليم من فلاحة أراضيهم نتيجة لحالة الانفلات الأمني المصاحبة للحرب

ويضيف: “الوضع آخذاً في التدهور، وينذر بمجاعة حتمية لا محال، ويتطلب تدخلا عاجلا للمنظمات العمل الإنساني الدولية، وممارسة أقصى درجات الضغط على الطرفين لوقف الحرب”.

وتابع: “في حال استمرار الأوضاع بهذا الشكل سيخلق واقعاً جديداً ربما سيكون أسوأ من واقع الحرب سيموت السودانيون بالمجاعة عوضا عن الرصاص، وأن مؤشرات الموت جوع بدأت تظهر بصورة مخيفة في المخيمات والمدن المحاصرة، وفقاً لنتائج المسح الإنساني في مخيمات شمال وجنوب دارفور”

إزاء ذلك، يشير حاكم ولاية غرب دارفور، تجاني كرشوم، إلى أن الأوضاع الإنسانية بالولاية لا تحتمل تأخير التدخل الإنساني لجهة أن المنطقة حُرمت من المساعدات الإنسانية، بالرغم وجود فرص التدخل الإنساني عبر الحدود مع دولة تشاد المجاورة لدارفور، مشدداً على ضرورة الفصل بين الجوانب العسكرية والإنسانية، وأن حرمان المحتاجين من الغذاء جريمة لا يمكن السكوت عنها.

ويقول الوالي لـ(عاين): إن “استخدام سلاح التجويع في الحرب من قبل الطرفين أصبح أمرا واقعاً، لجهة أن ولايات دارفور الخمس لم تصلها مساعدات إنسانية لنحو (11) شهراً، أو مواد غذائية عبر رحلات تجارية من ميناء بورتسودان، وأن هناك تماطل رغم مناشدات المنظمات الإنسانية بضرورة السماح بفتح ممرات إنسانية عبر دولتي تشاد وجنوب السودان.

ومنذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي يعاني نازحين محاصرين في مدن وبلدات في دارفور بسبب القتال، بجانب مليوني نازح نتيجة الحرب السابقة في دارفور، يعانون نقصاً حاداً في الغذاء جراء توقف حصص الغذاء التي كان يقدمها برنامج الأغذية العالمي في (54) مخيماً منتشرة في الإقليم قبل اندلاع الحرب.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة “الثلاثاء” إن الحكومة السودانية نقلت موافقتها السماح بدخول الإغاثة إلى دارفور من المنطقة الحدودية التشادية في “الطينة” بدولة تشاد إلى مدينة الفاشر” ومن ثم إلى بقية ولايات دارفور، بجانب معبر دولة جنوب السودان

تبادل الاتهامات

وتتبادل أطراف الصراع الاتهامات بشأن تجويع المدنيين ولايسعان إلى معالجة السبب الأساسي وهو وقف الحرب وفتح الممرات الإنسانية وحماية العاملين ومواد الإغاثة

وحمّل قائد الجيش وقوات الدعم السريع “المتمردة” مسؤولية تجويع المواطنين ليس في المناطق المتأثرة بالمعارك، بل في الولايات الآمنة، وذلك من خلال إغلاق الطرق ونهب قوافل المساعدات والشاحنات التي تحمل السلع والمواد التموينية، مما أدى إلى توقف حركة التجارة وتعذر الحصول على الغذاء

وبالمقابل لفت مستشار قائد قوات الدعم السريع مصطفى محمد إبراهيم، إلى أن المنظمات الدولية التي تعمل في الحقل الإنساني ظلت تناشد الحكومة في بورتسودان دون جدوى منذ بداية الحرب بفتح مسارات آمنة لإيصال المساعدات للمحتاجين وضمان حمايتها من الفساد لجهة أن تقارير كشفت تتسرب مواد الإغاثة للأسواق المختلفة في الولايات الآمنة.

وشكك مستشار قائد الدعم السريع في تصريح لـ(عاين) في اشتراط حكومة بورتسودان السماح بدخول الإغاثة مؤخراً من معبر الطينة التشادية إلى مدينة الفاشر لجهة انها مكان وُجود الجيش الوحيد في دارفور، وذلك حتى تتمكن الاستخبارات العسكرية من عرقلة تحريك الإغاثة إلى المدن الأخرى التي تخضع لسيطرة الدعم السريع.

ووفقا لـ إبراهيم- “قامت من قبل بوضع العوائق البيروقراطية وتأخير الحصول على تأشيرات الدخول لموظفي المنظمات، مضيفاً أن قوات الدعم السريع ليس لها مصلحة في تقييد عمل المنظمات، حتى تتسبب في عرقلته”.


الوافدون الجدد إن الخدمات الإنسانية والاجتماعية محدودة في المخيمات وإن اللاجئين يسافرون إلى مناطق حدودية خطرة للعثور على مساحات صغيرة من الأراضي للزراعة”.
الصورة: أزمة مياه الشرب في منطقة ادري التشادية التي لجأ اليها الاف السودانيين بعد معارك الجنينة

فيما يبرر الجيش قرار عدم السماح بدخول الإغاثة باستغلال الطرف الآخر الممر الإنساني عبر دول الجوار غربي البلاد ومطارات المدن التي يسيطر عليها لإدخال الإمداد العسكري ونقل المرتزقة من الخارج، على غرار ممر “شريان الحياة” لنقل الإغاثة الذي أطلقته الأمم المتحدة في ثمانيات القرن الماضي إبان الحرب الأهلية في جنوب السودان.

ويقول قائد عسكري -اشترط عدم ذكر اسمه- لـ(عاين): “إن الدعم السريع يريد استخدام المطارات التي تسيطر عليها في دارفور للإمداد العسكري ونقل المرتزقة من الخارج، وليس استخدامها للمساعدات الإنسانية”. مؤكدا أن الجيش لن يسمح بنقل الإغاثة عبر الحدود من الخارج مهما كلف دون ضمانات، حتى لا تستغل الممرات الإنسانية في الإمداد العسكري للدعم السريع

بالرغم من نفي قوات الدعم السريع في وقت سابق الاتهام بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، إلا أن المنظمات الإنسانية لا تضمن سلامة ووصول مواد الإغاثة للمحتاجين في ظل حالة الانفلات الأمني وعدم قدرة الدعم السريع من سيطرة على المليشيات التي تقاتل بجانبه، على غرار ما حدث من نهب لمستودعات الإغاثة في ولايات “الجزيرة، شمال كردفان ولايات جنوب وشمال دارفور” بالتزامن مع هجماتها للاستيلاء على المدن.