السودان: إنذارات بفيضانات وتصدعات ترابية بالخرطوم
عاين- 25 سبتمبر 2025
تشهد المناطق المتاخمة للنيل في السودان مخاطر متزايدة مع ارتفاع المناسيب التي تهدد عدة ولايات، وأكدت إدارة مياه النيل بلوغ الخرطوم منسوب الفيضان مع اكتمال ملء خزان جبل أولياء. ميدانياً، أفاد سكان جنوب الخرطوم بظهور تصدعات في التروس الترابية، بينما حذّر خبراء من تفاقم الأوضاع بفعل أمطار الهضبة الإثيوبية وتأثيرات سد النهضة.
وزارة الري تحذر من مستوى خطورة مرتفع لاحتمال وقوع فيضانات على طول الشريط النيلي
أصدرت وحدة الإنذار المبكر التابعة للإدارة العامة لشؤون مياه النيل بوزارة الري، تحذيرًا برتقاليًا يشير إلى مستوى خطورة مرتفع لاحتمال وقوع فيضانات على طول الشريط النيلي.
ويشمل التحذير، ولايات الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض، النيل الأزرق، سنار، نهر النيل، والولاية الشمالية، على أن يستمر سريان الإنذار حتى مساء الجمعة.
وأوضحت الوحدة أن التحذير مرتبط بزيادة الوارد المائي من النيل الأزرق، مما قد يؤدي إلى غمر الحقول والمناطق السكنية المنخفضة، وانجراف المحاصيل وتهديد الثروة الحيوانية، فضلًا عن مخاطر صعق كهربائي جراء ملامسة المياه لخطوط الكهرباء.
وفي سياق متصل، أصدرت الإدارة العامة لشؤون مياه النيل بوزارة الزراعة والري، تنويهًا منفصلًا أكدت فيه ارتفاع المناسيب بجميع الأحباس.
وأشار التنويه إلى أن الخرطوم بلغت منسوب الفيضان مع اكتمال ملء خزان جبل أولياء. وحذرت الإدارة سكان ضفاف النيل الأبيض، من منطقة الجبلين حتى الجيلي الكرن، من مخاطر زيادة المناسيب، داعية المواطنين إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأرواح والممتلكات.
زيادة في منسوب النيل
وقال مصدر من جنوب الخرطوم، إن منسوب النيل يشهد هذه الأيام زيادات كبيرة وملموسة، خصوصًا في الشريط النيلي الممتد من خزان جبل أولياء وحتى المقرن.
وأوضح في حديث لـ(عاين)، أن الجهود المبذولة على الأرض تقتصر على مبادرات الأهالي أنفسهم، حيث يقوم السكان بتعلية التروس الترابية بمحاذاة النهر بشكل يدوي، مستخدمين
“الشوالات” لرفع الحواجز، في محاولة لمنع تسرب المياه إلى الأحياء والمنازل القريبة.
وأوضح المصدر، وهو يشير إلى صورة ميدانية، تُظهر بداية تكسير الترس الترابي في منطقة الشقيلاب بجنوب الخرطوم مع مخاوف من دخول المياه إلى الحِلّة.

أن الترس الترابي بدأ يتعرض للتكسير، مشيرًا إلى أن الأمر واضح من المشهد، إذ إن أي صرف إضافي لمياه الأمطار سيدفع المياه للدخول عبر الخور ثم تتجه مباشرة إلى داخل الحلة.
من جهته قال الخبير البيئي، طه بدوي إن ازدياد معدلات الأمطار في الهضبة الإثيوبية وتكرار موجات الفيضانات أصبحا يشكلان معضلة متصاعدة، لافتًا إلى أن قيام سد النهضة أحدث تغييرات جيولوجية ومناخية واضحة في المنطقة.
وأوضح في حديث لـ(عاين)، أن هذه التحولات، كما حدث من قبل عند إنشاء سد ستيت في السودان، ستقود بالضرورة إلى تأثيرات واسعة على المستويين البيئي والمناخي، خاصة في المناطق المتاخمة للسد، وهو ما ينعكس مباشرة على السودان ومصر.
تأثيرات سد النهضة
وأضاف بدوي، أن تأثيرات سد النهضة أصبحت موضع جدل واسع بين مؤيد ومعارض، إلا أن المؤكد أن هناك تأثيرًا قائمًا مهما كان نوعه.
وأشار إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في دراسات الأثر البيئي الخاصة بالسد، والتي كان يفترض أن تشارك فيها كل الجهات المتأثرة، لكن ذلك لم يحدث.
وقال إن المعلومات الخاصة بالسد لم يتم تبادلها مع السودان ومصر، وكانت تحت حجب إثيوبي متعمد حتى لا تطّلع الدولتان عليها.
وأكد بدوي أن هذا الأمر ينعكس الآن بشكل مباشر على سد الروصيرص، الذي يستقبل المياه القادمة من سد النهضة، محذرًا من أن غياب التنسيق والإنذار المبكر مع السودان يضاعف المخاطر.
وأضاف: «إذا كانت هذه المياه تصل من دون إعطاء إنذار مبكر، فهذا يحتم علينا التفكير خارج الصندوق. يجب أن تكون هناك محطات للإنذار المبكر في تلك المناطق، لأن أي تدفقات غير طبيعية قد تؤثر على كل السدود الموجودة في السودان، وأولها سد الروصيرص وسد سنار، ثم بقية السدود الواقعة على النيل الأزرق».
وأشار الخبير البيئي إلى أن معدلات الأمطار ازدادت بشكل واضح جدًا مع تغير المناخ، مبينًا أن هذا العام شهد قصورًا في الإحصائيات والمعلومات التي كانت تعتمد عادة على أجهزة الأرصاد الجوي بسبب ظروف الحرب، وهو ما أثر على دقة البيانات المتاحة.
وأوضح أن هذه البيانات لو توفرت بشكل أفضل لكان من الممكن أن تشكل خط دفاع مبكر في مواجهة الفيضانات.

وشدد بدوي على أن التغير المناخي يترك أثرًا كبيرًا على حياة السكان ومعايشهم وثرواتهم الطبيعية والحيوانية، مؤكدًا أن المجابهة مع الفيضانات ستزداد إذا لم تُوجد معالجات حقيقية. وقال إن الدولة مطالَبة بالتفكير في كيفية التكيف مع هذه المخاطر المتزايدة، ليس في السودان وحده وإنما أيضًا في الجارة مصر.
ودعا الخبير البيئي إلى ضرورة إرساء خطط للتأقلم وحماية المشاريع الزراعية والحيوانية، وإعادة النظر في مواقع التخطيط العمراني والسكني، لافتًا إلى أن بعض القرى والمدن قد تفقد وجودها بالكامل بفعل الظروف الاستثنائية. وأكد على أهمية تجهيز بيوت الخبراء ومراكز البحوث للتعامل مع هذه التحديات بشكل استباقي.
ولفت بدوي إلى إن الأوضاع الحالية غير طبيعية على عدة مستويات، سواء في ما يتعلق بتغير المناخ أو بزيادة الفيضانات وارتفاع معدلات الأمطار، أو حتى بالتحولات في المصالح الإقليمية وما يرتبط بها من تأثيرات على مصر والمناطق المنخفضة الأخرى. وأشار إلى أن العام الجاري شهد أيضًا ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة، وهو ما يستوجب إعادة النظر في المفاهيم البيئية السائدة، ووضع رؤية جديدة لكيفية التعامل مع قضايا التغير المناخي.