فيضانات السودان.. النيل يقسو على ساكني الضفاف
25 أغسطس 2020
يقف “مصطفى عبد الرحيم” على أنقاض منزله الذي دمره فيضان النيل بمنطقة الباوقة العريقة بولاية نهر النيل والحسرة تملأ ملامحه وهو يرى مرتع صباه و ذكرياته صارت أثرا بعد عين إثر ارتفاع منسوب النيل الذي أدى لفيضان تسبب في تدمير كامل لقريته.
يقول عبد الرحيم لـ(عاين): ان منزله بقرية الدومة هو أحد اثني عشر منزلا دمرتهم الفيضانات تدميرا كاملا وأن ما تبقى من منازل قريته هو كذلك على وشك السقوط ويعاني قاطنيها من أوضاع إنسانية مزرية جراء ذلك وهم حاليا في طور الإجلاء إلى قرية أخرى لم يصبها الفيضان”.
فيضانات تجتاح الباوقة
ويصف عثمان زورق، من لجنة أهالي الباوقة الاوضاع بـ الكارثية ويقول لـ(عاين)،: “اجتاح النيل قرية الدومة بالكامل وقد تجاوز منسوبه ترس الاهالي حينها مسببا دمارا كاملا لهذه القرية و دمارا جزئيا لكثير من القرى الأخرى والتي يبلغ عددها أكثر من 13 قرية تعتبر تحت التهديد المباشر للفيضان”.
ويقدر زروق الأضرار حتى الآن ب65 منزل ما بين كلي وجزئي، كما أعلنت السلطات هناك وفاة سيدة جراء انهيار منزلها بقرية الفريخة. كما أشار زروق لعاين أن الأضرار شملت كذلك الكثير من الأراضي الزراعية التي غمرت بمياه الفيضان. عن أوضاع السكان هناك يقول زروق أن الفيضان سبب كثيرا من الهلع و لكن بتكاتف أهل المنطقة تم دعم المتضررين وإجلاؤهم كما أشار إلى أن والي الولاية زارتهم بالمنطقة وقدمت لهم بعض الدعم الذي وصفه بالجيد مع الحاجة إلى مزيد منه خصوصا الجازولين الذي يستخدم في تشغيل الآليات التي تبنى بها السدود إضافة إلى جولات الخيش التي تستعمل في بناء التروس.
مناطق أخرى تعاني
منطقة النوراب التي تتبع لمحلية القرشي بولاية الجزيرة عانى أهلها كذلك من فيضان النيل حيث تعرضت 70٪ من المنازل لأضرار متفاوتة حسب إفادة النعمة محمد مسؤول اللجنة الشعبية بالمنطقة لعاين. يقول النعمة أن المنطقة يقطنها اكثر من 10 الف نسمة وهي محاصرة بالمياه منذ العيد وقدر تأثرت 400 أسرة بضرر مباشر جراء انهيار منازلهم كما أدت الأمطار الغزيرة والفيضانات لنفوق عدد كبير من الماشية و غمر 3 ألف فدان من الأراضي الزراعية، كما أدى سقوط بعض أعمدة الكهرباء لوفاة شخصين نسبة لعدم قطع التيار الكهربائي من المنطقة ويناشد النعمة السلطات للتدخل العاجل لحوجة المنطقة للخيم وجوالات الخيش إضافة لظهور حالات كثيرة من الأمراض كالملاريا.
منطقة شرق النيل
في الخرطوم عانت منطقة شرق النيل من السيول كعادتها في كل عام، وهذه المرة اجتاحت السيول منطقة ام ضوا بان في عدة قرى كان أكثرها تضررا قريتا النزيلة وابو قرون. يقول ضياء صلاح من مبادرة شرق شباب شرق النيل لعاين أن حجم الأضرار في منطقة النزيلة وحدها فاق تدمر عدد 91 منزلا وأن الاهالي قد تم إجلاؤهم عبر الدفاع المدني إلى منطقة مرتفعة بقرب طريق الاسفلت الرئيسي، يعتبر صلاح أن المنطقة ما زالت تحتاج إلى دعم رغم ما قدم لها من قبل مبادرات المجتمع والهلال الأحمر والسلطات المحلية.
حوجة لسدود
وحول اجتياح السيول لمناطق من العاصمة بصورة متكررة كل عام، يقول مقرر غرفة طوارئ الخريف بولاية الخرطوم، المهندس عبد الرحيم عبد الله، أن السيول تهدد مناطق معلومة لديهم حسب الدراسات الهندسية في وزارة البنى التحتية منها مناطق في امدرمان و بحري خصوصا شرق النيل لأنها منطقة منخفضة بطبيعتها. يقول عبد الله لـ(عاين)، أن السلطات أنشأت في ظرف عامين عدد 12 سد في مناطق بحري وكرري وشرق النيل بسعة تخزين تبلغ 50 ألف مل مكعب، وهي سدود ساهمت بشكل كبير في تقليل تعرض مناطق واسعة للسيول مدللاً على صحة حديثه بأن منطقة مرابيع الشريف التي تعرضت للسيول الشهيرة في العام 2013 لم تجتاحها السيول مجددا بسبب المعالجات الهندسية التي تمت، واشار عبد الله، أن وزارة البنى التحتية ممثلة في هيئة الطرق والجسور الجهة المسؤولة من تشييد هذه السدود لديها خطة جاهزة التمويل لتشييد سدين بمنطقة ام ضوا بان هما سدي القيعة 1 و 2 .
ويعزو عبد الله تعرض المنطقة للسيول هذا العام إلى عدم تشييد هذين السدين، وعند سؤاله عن سبب عدم تشييد السدين حتى الآن رغم جهوزية المشروع اوضح عبد الله إلى أن السبب يعود لنزاع حول الأراضي المزمع استخدامها في بناء المشروع.
وحول مشاكل تصريف الأمطار داخل العاصمة خلال فصل الخريف مما يؤدي إلى احتجاز المياه في الشوارع الداخلية والاسفلتية والذي يؤدي إلى تضرر مساكن ومصالح المواطنين إضافة إلى ما له من تأثيرات صحية أشار عبد الله إلى أن المصارف الرئيسة تبلغ حاليا 180 كيلو مترا وهناك خطة لزيادتها لأن التوسع العمراني في العاصمة قد تزايد كما أن وتيرة الأمطار قد تزايدت بصورة كبيرة في السنين الأخيرة ولنك الخطة تواجه مصاعب في التمويل. يذكر أن غرفة طوارئ الخريف تضم في عضويتها كلا من وزارة البنى التحتية و المجلس الأعلى للدفاع المدني و الهيئة العامة للأرصاد الجوية إضافة إلى وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية.
مشكلة تمويل ودراسات
حول الأسباب الهندسية للكوارث الناتجة من فصل الخريف في السودان استنطقت عاين المهندس أحمد حياتي المختص بمجال هندسة المياه والباحث بجامعة الخرطوم، حيث قسّم حياتي في البدء المخاطر التي تواجه أي منطقة خلال الخريف إلى ثلاثة مخاطر وهي خطر مياه الأمطار نفسها وتصريفها وهي ما تعاني منه مدينة الخرطوم وعواصم الولايات و خطر السيول والذي تعاني منه مناطق كبحري إضافة إلى خطر الفيضان القادمة من مجاري الأنهار والذي يهدد كل المناطق المتاخمة للنيل.
يضيف حياتي، أن تصريف مياه الأمطار داخل المدن يعتمد على وجود شبكة مصارف تجمع مياه الأمطار إلى مصرف كبير يصب في النيل بإعتباره المنطقة المنخفضة. مشكلة هذه المصارف أنها تحتاج للمتابعة والنظافة، بالإضافة لأنها يتم الإعتداء عليها بالردم والقفل من بعض الأفراد دون أن يكون لهم علم بخطورة هذه العملية. كما أن هناك مشكلة في تخطيط المدن وتصميم المصارف وتوزيعها، وهناك مشكلة كبرى خاصة عندما تلتقي هذه المصارف مع الطرق الاسفلتية.
أما فيما يخص تصريف مياه السيول يقول حياتي: أنها ليست لها علاقة بمنظومة التصريف داخل المدن، وقد نجد كبريات المدن تغرق تحت مياه السيول. ويتم استيعاب مياه السيول بعد عمل دراسات هندسية لمنطقة تجمع المياه في المناطق المرتفعة والتي قد تكون بعيدة نسبيا عن منطقة العمران، ومن ثم تصميم مصرف يناسب كمية هذه المياه إلى المناطق المنخفضة، والتي يصل إليها السيل في النهاية. معظم مشاكل تصريف مياه السيول ناتجة عن عدم وجود دراسات دقيقة وعدم توفر الأموال للتنفيذ. تظهر هذه المشاكل أيضا خارج المدن عند الطرق السفرية والتي تنهار بصورة دورية نتيجة سوء التقدير لمياه السيول. أما مياه الفيضان تمثل أكبر خطر على المدن وذلك لصعوبة التحكم فيها، وهي تحتاج لحل هندسي واقتصادي عاجل.
يخلص حياتي، إلى أن المشكلة الرئيسة في هذا القطاع هي مشكلة التمويل، وبما أن هذه البرامج ضرورية ومهمة، وعلى الرغم من عقبة التمويل؛ إلا أنه إذا حسبنا الخسائر التي تسببها هذه السيول والفيضانات فإن التكلفة الإنشائية تكون قليلة مقارنة مع الأضرار الجسيمة، وخاصة الأرواح التي لا تقدر بثمن.
أسباب مناخية
للظاهرة أسباب عالمية كما أفاد (عاين) خبير في المناخ والإرصاد الجوي مهندس عمار مختار ، ويقول ان التغير المناخي الذي يعاني منه العالم يجعل من الطقس المتطرف كالامطار الغزيرة أو الجفاف الشديد نمطا سائداً متكرراً عكس ما كان عليه الوضع قبل 30 او 40 عاما حيث كانت الأحداث مثل السيول والامطار الغزيرة أحداثا تاريخية مثل سيول وامطار عام 1988 او عام 1946 التي ضربت السودان.
ويشير مختار إلى أن مناسيب النيل هذا العام وكذلك في عام 2013 فاقت مناسيب تلك الأعوام التاريخية المذكورة وهذا كله دليل على أن الظاهرة صارت بوتيرة متكررة ويعزى ذلك كله بصورة رئيسية إلى التغير المناخي الناتج من استخدام الوقود الاحفوري في الصناعة والذي يزيد انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون والذي يؤدي بدوره لتغيرات مناخية كارثية كالتي تحدث في السودان حاليا.