الحكومة تقر إجراءات اقتصادية (طاحنة) وعينها على تمويل الحرب
عاين- 2 فبراير 2024
يشكو السودانيون من تفاقم الوضع الاقتصادي متأثرا بارتفاع سعر الصرف مقابل العملة الوطنية ووصول الدولار الأمريكي إلى أكثر من 1010 جنيه في السوق الموازي إلى جانب وضع الحكومة القائمة في البحر الأحمر سلسلة من الرسوم على أسعار الوقود والقمح والأدوية والغاز ورفع سعر الدولار الجمركي.
الشهر الماضي زادت بعض الولايات أسعار الوقود، ورفعت سعر أسطوانة غاز الطهي زنة خمسة كيلوجرامات إلى 23 ألف جنيه ما يعادل 22.5 دولار أمريكيا فيما بلغ سعر وقود البنزين والديزل 30 ألف جنيه في السوق الموازي ما يعادل 28.5 دولار بينما لا يمكن لسائقي السيارات الحصول على الوقود من محطات الخدمة البترولية؛ بسبب الصفوف نتيجة عدم انتظام سلاسل الإمداد من الموانئ.
توسع الحرب يزيد المعاناة
وعقب هجوم قوات الدعم السريع على أجزاء من ولاية الجزيرة بما في ذلك السيطرة على مدينة ودمدني عاصمة الولاية منذ 19 ديسمبر 2023 تراجعت الآمال بشأن زراعة 300 ألف فدان من القمح في الموسم الشتوي الذي كان مقررا له نهاية الشهر الماضي.
كل هذه العوامل أدت إلى زيادة أسعار الغذاء والوقود كما زادت وزارة المالية من مقرها في بورتسودان شرق البلاد التعرفة الجمركية من 650 جنيها إلى 950 جنيها وهي رسوم توضع على حساب الدولار بالنسبة للسلع المستوردة من خارج البلاد.
يقول المواطن زهير المقيم في مدينة كسلا شرق البلاد لـ(عاين): إن “المواد التموينية التي كان يشتريها قبل شهر مثلا بقيمة 250 ألف جنيه لمتطلبات الشهر الخاصة بالمنزل وعائلته اشتراها هذا الشهر بسعر 330 ألف جنيه ما يعادل 328 دولارا أمريكيا وجراء هذه الزيادات قلص المشتريات التموينية للمنزل إلى 60%”.
الاعتماد على الإعانات
تلاحق مصروفات السكن بعد الحرب جراء أسعار الإيجارات الباهظة في الولايات السودانيين في مدن نزوحهم شرق وشمال البلاد، ويدفع زهير 700 ألف جنيه شهريا ما يعادل 685 دولاراً أمريكياً نظير إيجار مسكن صغير في كسلا عقب وصوله من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة بعد سيطرة الدعم السريع عليها منذ 19 ديسمبر 2023.
وتعتمد عائلة زهير على تحويلات مالية من ابنها الذي يعمل في دولة خليجية ومنذ اندلاع الحرب ضاعف التحويلات بحسب والده بنسبة 200% لمقابلة نفقات السكن والمعيشة في مدن النزوح- وفقا لزهير.
وأفرزت الحرب بين الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، والتي تدخل شهرها التاسع واقعا اقتصاديا، ودفع بالملايين إلى هاوية الجوع والحرمان من التعليم والكهرباء والمياه وارتفاع أسعار الغذاء والوقود.
تحرير السلع بالكامل
ويرى الباحث في الاقتصاد السياسي محمد كمال في حديث لـ(عاين)، أن الحكومة القائمة في بورتسودان، والتي تدير نحو سبع ولايات واقعة تحت سيطرة الجيش، وتضم ملايين النازحين أيضا رفعت يدها من توفير الخدمات مثل الصحة والتعليم، ووجهت التمويل إلى الإنفاق العسكري.
ويقول كمال: إن “ما لا يقل عن مليار دولار من عائدات الذهب ورسوم عبور الطائرات والموانئ والرسوم الاتحادية جميعها أنفقت على العتاد العسكري والصرف على المؤسسات السيادية والأطقم الوزارية في بورتسودان”.
“وزارة المالية فشلت في إعداد الموازنة، ووضعت رسوماً على الوقود والقمح والكهرباء والغاز والأدوية على نحو مفاجئ“.
اقتصادي
ويشير كمال، إلى أن الأمر لا يقتصر على ارتفاع الإنفاق العسكري، بل لم تتمكن وزارة المالية من تصميم موازنة مالية لهذا العام، ووضعت الرسوم على الوقود والقمح والكهرباء والغاز والأدوية على نحو مفاجئ دون مجرد مشاورات فنية ناهيك عن تمريرها عبر الموازنة؛ لأن المالية تتطلع إلى جمع ما لا يقل عن 200 مليون دولار من عائدات هذه الرسوم.
وبسبب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 الذي قاده الجنرال عبد الفتاح البرهان جمد البنك الدولي إعفاءات ديون السودان البالغة وهي إعفاءات جزئية تصل إلى 23 مليار دولار من جملة 59 مليار دولار.
تحطيم الأمل
ويقول الباحث الاقتصادي محمد أبشر لـ(عاين): إن “الاقتصاد كان يشهد تدهورا مريعا منذ الانقلاب العسكري وحطم الجنرالات خطط الإنعاش التي وضعتها رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية، عبد الله حمدوك مع المؤسسات الدولية، وأكملت الحرب ما تبقى من آمال بعودة تلك الخطط مجددا”.
ويعتقد أبشر، أن الحديث عن وضع اقتصادي طبيعي بالتزامن مع الحرب في دولة شهدت فسادا إداريا ومشاكل هيكلية في الاقتصاد لسنوات طويلة “مجرد أمنيات” لأن الوقائع تؤكد أن القادم أسوأ فالوضع المالي للدولة لا يسمح لها بشراء الأسلحة لذلك وجهت إيرادات الذهب للإنفاق العسكري وخلال شهرين جرى تصدير 4 أطنان من الذهب وهو المورد الوحيد الذي يضمن الإيرادات المالية، رغم تراجع الإنتاج وتوقف شركات التصدير منذ شهور.
ويقول أبشر، أن “الحكومة القائمة في بورتسودان تستورد السلع الأساسية من القمح والوقود والغاز والأدوية، وهي حررت الأسعار بالكامل، بل وضعت عليها رسوم لسد العجز في الميزانية الحكومية، وتنفق على مؤسسات الدولة والعتاد الحربي.
“خرجت مشاريع زراعية كبيرة عن الموسم الحالي بسبب الحرب، والإنتاج كله الذي كان متوقعا سيعوض عبر الاستيراد الذي سيضاعف من العجز في الميزان التجاري، ويخفض من قيمة الجنيه السوداني”
باحث اقتصادي
ويتوقع أبشر، لجوء السودان إلى زيادة استيراد الغذاء هذا العام ما لم يحصل على إعانات غذائية مباشرة من وكالات الأمم المتحدة بكميات كبيرة تصل إلى نصف مليون طن من الحبوب خاصة القمح.
وأردف: “خرجت مشاريع زراعية كبيرة في الجزيرة وسنار من هذا الموسم بسبب الحرب وكل الإنتاج الذي كان متوقعا سيعوض عبر الاستيراد الذي سيضاعف من العجز في الميزان التجاري، ويخفض من قيمة الجنيه السوداني في نفس الوقت يتعين على الحكومة تمويل المصارف بالنقد الأجنبي لاستيراد أغذية جراء النقص بقيمة لا تقل عن 1.3 مليار دولار بزيادة نحو 300 إلى 400 مليون دولار هذا العام عن العام الماضي”.