من يدفع شرق السودان نحو الاقتتال؟
عاين – 1 سبتمبر 2020
على نحو متسارع، بدأ شرق السودان يتجه نحو الاستقطاب القبلي الحاد في ظل الصراعات الاهلية التي تشهدها مدن وبلدات شرق السودان الرئيسية في بورتسودان وكسلا وحلفا الجديدة، وحالة الاستقطاب بين المكونات الاهلية في الاقليم والمتمثلة في اهلية “البجا والبني عامر والنوبة” وتناصبها العداء، وحالة العداء هذه يعود بعضها لتاريخ قديم والبعض الآخر لتاريخ حديث اعقب التغيير السياسي في السودان.
ومنذ إعلان سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في ابريل من العام 2019، طفت إلى السطح الاحداث المتكررة في مدينة بورتسودان بين البني عامر والنوبة من جهة، والبجا من جهة أخرى، لكن هذه الاحداث ظهرت اكثر حدة في مدينة كسلا بعد اعلان الحكومة الانتقالية قائمة ولاة الولايات وتسميتها لوالى لولاية كسلا الذي يواجه معارضة شرسة من قبل مكون البجا، وتأييد من مكون البني عامر.
ويرى مراقبون، ان اياد عديدة تعبث في هذا الملف، وجر شرق السودان نحو الفوضى التي تمكنها من بسط سيطرتها على موارد البحر الأحمر، كميناء بورتسودان الرئيسي وبعض الموانئ الأخرى بجانب مناجم التنقيب عن الذهب.
نشر خطاب الكراهية
يقول الدكتور احمد فقيري الباحث والناشط السياسي لـ(عاين)، ان العامل الاساسي خلف الصراع هو العامل العرقي في ظل دولة متعددة ومتباينة، والتي قادة الى تأجيج الفتن من قبل بعض المكونات العسكرية والمكونات السياسية لتحقيق مصالح شخصية ، والذي ادى لدفع بعض القيادات الأهلية كطرف في الصراع.
ويذهب في ذات الاتجاه المحاضر في جامعة الدلنج والمهتم بقضايا السلام والتعايش السلمي جمال احمد كوكو كنو ان الصراع بين البني عامر والنوبة بدأ منذ التسعينيات، في فترة النظام السابق، لكن خطاب الكراهية لم يخرج إلى العلن، كما حدث أخيرا بين القبيلتين في بورتسودان.
ويذهب الى عدم إمكانية الفصل او التفريق بين المشاكل التي تحدث في دارفور وجبال النوبة والمناطق الأخرى، من احداث بورتسودان، وان واقع شرق السودان به من الهشاشة ما يشكل تهديدا على استقرار المواطنين، بالاضافة للتداخل القبلي الحدودي بين السودان وإريتريا، مضيفاً إلى ذلك التغيير الديمغرافي بين الجارتين قد ألقى بظلال سلبية على الأوضاع في شرق السودان. والتي جعلت من القضية أكثر تعقيداً وصعوبة.
ويضيف كوكو لـ(عاين) أن الاستخدام السالب للادارات الأهلية ودورها في نشر خطاب الكراهية أدى إلى تأجيج الصراعات القبلية ، ويعتقد أن دولة مصر لا ترغب أن يستقر شرق السودان، حتى لا يطالب السودان بعودة الاراضي السودانية المحتلة من الجانب المصري، مشيرا إلي أن هذا المحور يضم كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأطماعهم المتعلقة بالتنقيب عن الذهب في مناطق البحر الأحمر، بالاضافة الى الأطماع الإماراتية في السيطرة على موانئ البحر الأحمر.
تورط الإدارة الأهلية
ويضيف الدكتور جمال كوكو، أن النزاعات القبلية هى أحد أدوات تقويض الفترة الانتقالية، و أن استقرار الدولة ومخاطبة جذور الأزمات جزء من آليات الحلول، كما يصف هذه الفترة بالهشاشة وتحتاج الى عمل كبير من جميع الأطراف، بمخاطبة جذور الازمة الحقيقية، بدلا من المخاطبة السطحية للقضايا الجوهرية، ويتهم حكومة الفترة الانتقالية بالمساهمة في الصراعات القبلية، لعدم امتلاكها رؤية واضحة للحكم وادارة الصراعات وايجاد حلول لها.
كما يوجه فقيري، اصابع الاتهام الى المكون العسكري وفلول نظام الـ30 من يونيو البائد إلى جر لجان المقاومة وشباب الثورة نحو التصعيد لخلق فوضى، وتمثيل فشل حكومي، ما يعطيهم شرعية للانقلاب على السلطة، نظرا للظروف المستحدثة، وكما يري فقد ادى ذلك لجر لجان مقاومة الخرطوم نحو التصعيد الثوري، وهو ما لا يحمد عقباه، ويعتقد أن هذه الخطوة مدروسة ومخططة لها، وطالب ان لا يغفل ايضا اصحاب المصالح الشخصية الانتهازية، اولئك الذين لا تهمهم مصلحة الوطن ولا المواطن، بل يلهثون خلف امتيازاتهم على حساب هذا المواطنين.
ويؤكد فقيري ان شرق السودان بطبيعته يتميز بوجود معظم القبائل السودانية في هذا الاقليم، اذا يمكن ان نطلق عليه انه سودان مصغر، إذا حدث وانتقل هذا الصراع المفتعل الى الولايات الشرقية الأخرى كما يحدث الآن في كسلا، سيقود إلى سيناريو ليس بالغريب ان تكون حرب أهلية في اسوأ الاحوال. اذ يمكننا أن نحصر الاطراف المتنازعة على الولايات الثلاث بالشكل الاتي: البحر الأحمر غالبية مواطنيها من البجا، كسلا اغلبية مواطنيها من قبيلة البني عامر، القضارف غالبية مواطنيها من النوبة، هذا التنوع المريب من صنع نظام الانقاذ الذي جعل السلطة الأعلي هي القبيلة بعد التحكم بادارتها الاهلية، مما يجعل كل القبائل منساقة خلف الناظر او العمدة الذي يتحكم به كالقطيع، و ينبغي على حراس هذه الثورة إنهاء حكم القبيلة، ومحاسبة كل الادارات الاهلية وحلها على مدار 31 عاما، وتحقيق العدالة والاستقرار الذي يقود الى الانتقال الديمقراطي السلس للسلطة الذي يكون على أساس المواطنة الحقة.
محاسبة اللجنة الأمنية
بينما يتهم محمود محمد عضو لجان المقاومة والناشط في مجال السلم الاجتماعي بمدينة بورتسودان، صراحة ايادي خارجية لها مصالح في الشرق، وأخرى داخلية متمثلة في أفراد لهم مصالح شخصية، واطراف اخرى موجودة على رأس السلطة، يقول محمود لـ(عاين) ان هناك غياب للمكونات المتصارعة عن ذاكرة الدولة، وتماطل الحكومة في كل مرة تندلع فيها الأزمة، ما أدى إلى توسيع دائرة الصراع القبلي في المدينة، وكادت أن تشمل مكونات أخرى في المدينة، ويضيف ايضا هناك غياب للوعي بالسلام الاجتماعي، إذا وجد السلام الاجتماعي، ما كان لهذه الأحداث أن تتفاقم، كما يسخر من عدم وجود الدولة في الاصل.
يؤكد محمود أن الحل الامثل للصراع القبلي، يتمثل في محاسبة اللجنة الأمنية أو إقالتها، وكذلك جبر الضرر الذي حدث بين المجموعات المتضررة، ويطالب ايضا باعتصام في كل ولايات شرق السودان بالتنسيق مع لجان المقاومة، يهدف الى محاسبة فورية للجنة الامنية، والايادي صاحبة الدور في تصعيد وتيرة العنف وينصح ان تكون هناك منصة جامعة للتوعية بالسلام الاجتماعي بالولاية، وتعمل على عكس صورة التعايش السلمي بين جميع المكونات القبلية، مشيراً إلى أن لجان المقاومة تسعى إلى المصالحة بين الأطراف المتصارعة والانخراط في عملية سلام اجتماعي، وعلى الدولة أن تقوم بالتحقيق حول دور اللجنة الامنية في هذه الأحداث، ومخاطبة قضايا الأحياء مثل توفير الخدمات وبناء مراكز الشرطة، ومحاسبة كل من يدعون إلى الفتنة الاجتماعية وتأجيج الخطاب الاثني.