“ثمناً للكلمة”.. صحفيات سودانيات يواجهن تهديدات بالملاحقة والقتل

هذا التقرير من انتاج “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)”

عاين- 23 أكتوبر 2024

فدوى خزرجي، صحفية وناشطة حقوقية سودانية، تقول إنها تلقت ذات يوم اتصالاً دولياً؛ سألها المتحدث حينها عن مكان إقامتها، من دون أن ينتظر جواباً منها. لا تزال تهديداته تثير مخاوفها؛ بعد أن تعهد بالوصول إليها، وفق روايتها.

جاء الاتصال بعد أن نشرت خزرجي تحقيقاً استقصائياً يوثق حوادث الاغتصاب التي تتعرض لها الفتيات والنساء في دارفور، كان هذا بعد مرور أربعة أشهر على الحرب التي اندلعت بالسودان، في الـ 15 من نيسان/أبريل 2023.

ورغم التهديد الذي تلقته، واصلت فدوى خزرجي تغطيتها للحرب في السودان؛ فتعرضت لمزيد من التهديدات.

يستعرض التقرير قصص صحفيات سودانيات، تعرضن لتهديدات رقمية -بعضها تحول لانتهاكات على أرض الواقع-  معظمها يأتي رداً على قصص قمن بتغطيتها بهدف إسكاتهن.

في صباح السبت 15 نيسان/أبريل 2023، بدأت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم، بين القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”. وخلال اليوم الأول من الحرب، قُتل ستة وخمسون شخصاً على الأقل، وفقاً للجنة أطباء السودان المركزية، قبل أن تمتد لاحقاً لأقاليم الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان وجنوب كردفان وإقليم دارفور، وكل من ولاية النيل الأزرق والقضارف، والجزيرة وغيرها وفقا لتقارير منشورة.

ومنذ اندلاع الحرب، حرصت فدوى خزرجي على تغطية القصص الإنسانية، وإيصال الحقيقة كما هي؛ الأمر الذي جعلها عرضة لمواجهة مزيد من التهديدات والتنمر أيضاً. قامت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور للخزرجي، مصحوبة بتعليقات مسيئة في الـ 22 من شباط/فبراير 2024، بعد نشرها تقريراً عن تدهور الأوضاع كافة في ولاية جنوب كردفان، التي شهدت حصاراً من القوات المسلحة والدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان.

شملت تغطيتها كتابة تقرير عن رجل دفعه الجوع لمقايضة ابنته، البالغة خمسة عشر عاماً، مقابل حصة من الدقيق.

تؤكد الصحفية السودانية فدوى خزرجي أن ما مرت به ليس جديداً عليها؛ فسبق أن تعرضت لمحاولة اختطاف؛ كما تلقت تهديدات خطيرة حتى قبل اندلاع الحرب، وفق قولها. تضيف خزرجي: “لا يريدون لانتهاكاتهم أن تصل”.

تتشابه تفاصيل ما عاشته فدوى خزرجي مع مآسٍ تعرضت لها الصحفية سمر سليمان. فبعد دخول الهدنة الأولى بين أطراف النزاع في السودان (18 نيسان/أبريل 2023) حيز التنفيذ، غادرت سليمان الخرطوم متجهة إلى ولاية كسلا، التي تبعد أكثر من 480 كيلومتراً عن العاصمة. كتبت من هناك عدة تقارير عن الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة السودانية أثناء الحرب، بالإضافة إلى اشتراكها في تقديم المساعدات الإنسانية للفارين من النزاع، بمراكز الإيواء في الولاية.

تلقت سليمان تهديدات عبر تطبيق ماسنجر، من بينها -وفقا لروايتها- تهديد من وزير سابق، بالإضافة إلى مطالبتها بنشر أخبار عبر صفحتها على فيسبوك، مقابل عرض مادي. وعندما رفضت العرض، تلقت تهديدات بالوصول إليها.

قوائم سوداء

تقول الصحفية سمر سليمان إن التهديدات شكلت مصدر قلق لها ولأسرتها: “كانت عائلتي تخشى خروجي من المنزل، وكنت لا أغادر منزلي إلا برفقة أختي أو صديقتي”.

سرعان ما أصبحت سليمان مستهدفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وصفها البعض بالخلايا النائمة؛ واتهموها بالانتماء لقوات الدعم السريع والعمل سراً لصالحهم.

إضافة إلى ذلك، وُضعت أسماء صحفيين وصحفيات ضمن قوائم وُصفت بـ “الخزي والعار”؛ وهي قوائم سوداء يُتهم فيها ناشطون وصحفيون وسياسيون بالانتماء لقوات الدعم السريع. تقول الصحفية سارة تاج السر إن اسمها ورد ضمن هذه القوائم إلى جانب آخرين. مضيفة أنها واجهت، وعدد من زملائها، انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي بعد مقابلتها مبعوثاً أميركياً، وتحديداً بعد نشر الأخير صورة تجمعه بالصحفيين على صفحته الرسمية.

ووفقاً لتقرير نقابة الصحفيين، ظهرت قوائم مجهولة المصدر، تضم أسماء صحفيين وصحفيات، متهمَين بالعمل لصالح أحد طرفي النزاع. وأشارت النقابة إلى خطورة هذه القوائم، التي تجعل مَن يرد اسمه أو اسمها عرضة للتصفية الجسدية، حال انتهاء القتال.

مَن يحمي الصحفيين؟     

خلال العام الأول للحرب، رصدت نقابة الصحفيين في السودان 393 حالة انتهاك ضد صحفيين وصحفيات؛ شملت القتل والاختفاء القسري والاعتقال وإطلاق النار والاحتجاز والاعتداء بالضرب ونهب الممتلكات الشخصية والمنع من السفر، والاعتداء على المنازل، بالإضافة إلى التهديدات.

ووفقاً للنقابة، بلغ عدد التهديدات المباشرة أو التي جاءت عبر اتصال هاتفي أو رسائل نصية ثلاثة وأربعين تهديداً، من بينها خمسة عشر تهديداً على الأقل لصحفيات.

تقول سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل، إن الانتهاك الأول الذي يتعرض له الصحفيون والصحفيات هو إجبارهم على إخفاء هويتهم الصحفية عن طرفي النزاع؛ لأن “الصحفي مجرم في نظر الطرفين”.

وتوضح فضل أن النقابة تقوم بتوثيق ورصد الانتهاكات، وإصدار البيانات وإيصال التقارير إلى جهات حقوقية وعالمية، بالإضافة لدورها في تقديم العون لتلك الحالات؛ مشيرة إلى صعوبة اتخاذ إجراءات قانونية بسبب ظروف الحرب.

في نيسان/أبريل 2024، تقدمت سمر سليمان بشكوى للنيابة المختصة التي سجلت سبعة بلاغات؛ بعد تلقي الصحفية عدة تهديدات، وتعرضها لحملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحركت وحدات الاستخبارات العسكرية بكسلا للقبض عليها من خلال تعميم يحمل صورتها. حينها أظهرت نقابة الصحفيين دعمها للصحفية من خلال بيان أصدرته، وزخت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات تضامنية معها.

 من جهة أخرى، أشارت الصحفية فدوى خزرجي إلى أن النقابة سجلت ما تعرضت له، غير أنها لم تتمكن من تقديم شيء ملموس على الأرض. ولا تلقي خزرجي باللوم على النقابة، فهي “جسم صحفي مكون من صحفيين معرضين للانتهاكات ذاتها، التي يتعرض لها الصحفيون”، وفق تعبيرها.

توقف التغطية

عام 2023، ذكر بحث أجرته منظمة النساء في الصحافة، وموقع ريتش (reach)، وشاركت فيه 403 صحفيات وعاملات في مجال الإعلام؛ أن نحو نصف المشاركات روّجن لعملهن بشكل أقل عبر الإنترنت بسبب التهديدات الرقمية. في حين أن نحو ثلث المشاركات قلن إنّ التهديدات بالإيذاء عبر الإنترنت دفعتهن للتفكير جدياً في الانسحاب من العمل في مجال الإعلام.

تتفق خلاصات البحث مع نتائج دراسة أجرتها منظمة اليونسكو، والمركز الدولي للصحفيين نُشرت عام 2021، عن “الاتجاهات العالمية للعنف المرتكب ضد الصحفيات عبر الإنترنت”، بمشاركة نحو 900 صحفية. وأظهرت الدراسة أن العنف الرقمي يؤثر في عمل الصحفيات وإنتاجيتهن. وأكدت 38 بالمئة، من الصحفيات المستطلعة آراؤهن، أنهن يُقللن من ظهورهن على مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة التهديدات الرقمية. من جهة أخرى، تدفع التهديدات أربعة بالمئة من العينة المُستطلعة إلى ترك عملهن.

ظروف الحرب بطبيعة الحال أوقفت عمل العديد من المؤسسات الإعلامية في السودان، لكن ما تعرضت له بعض الصحفيات من حملات تشويه للسمعة أو تهديدات؛ دفعت بعضهن للتوقف أحياناً عن الكتابة.

التعرض للتهديدات لم يكن جديداً على المصورة الصحفية إنعام أحمداي؛ فتقول إن منزلها تعرض للهجوم من قوات الدعم السريع ست مرات؛ واجهت فيها عنفاً لفظياً ومحاولات إيذاء جسدي، كما طال الأذى إخوتها وأقاربها الذكور أيضاً؛ وذلك بسبب توثيقها بالصور عدة انتهاكات قامت بها أطراف النزاع المسلح في السودان.

وبحسب أحمداي، فإنها ما زالت تتلقى تهديدات عبر اتصالات من أرقام مجهولة، أغلبها تأتي من دول مجاورة؛ فتبادر بحظرها أو تكتفي بعدم الرد عليها.

تمكنت كل من الصحفيتين سمر سليمان وفدوى خزرجي من مغادرة السودان، وتبحثان عن سبل لمواصلة عملهما الصحفي.

في تاريخ الرابع من تموز/يوليو 2024، خضعت إنعام أحمداي للتحقيق بعد خروجها في مهمة صحفية لتغطية أوضاع النازحين من سنار وسنجة. تقول أحمداي إن الاستخبارات العسكرية مسحت كل الصور والتسجيلات التي حصلت عليها، ومن ثَم أُطلق سراحها، ولم تعد للعمل بعدها.