“ننام على الرصيف”.. نازحون مشردون في عطبرة بعد اكتظاظ دور الإيواء
عاين- 2 فبراير 2024
بعد رحلة نزوح طويلة بدأت من مدينة نيالا غربي السودان، مرورا بود مدني أواسط البلاد، اتخذت عائلة آمنة عبد الله التي تتعافى من آثار إصابتها بطلق ناري في الرأس، من زاوية قصية على أرضية الميناء البري بمدينة عطبرة مقرا لها، وتحيط بها مياه الصرف الصحي والأوساخ، وسط ضجيج المارة والباعة ومزامير البصات السفرية.
آمنة ليست الوحيدة في الموقع، إذ تشاركها السكن في باحات الميناء البري المكتظ، وفي ظروف أشبه بالتشرد العديد من الأسر التي نزحت من ولاية الجزيرة بعد الأحداث الأخيرة؛ بسبب عدم توزيعهم بدور الإيواء، لجهة امتلاء المراكز في مدينة عطبرة التي تعاني ضغطاً كبيراً مع ازدياد موجة النزوح الأخيرة.
يقول أحد أبناء آمنة لـ(عاين): “لجأنا إلى خمس مدارس، ولم نجد فرصة سكن بها، ومازلنا نبحث منذ ثلاثة أسابيع، وإلى الآن عن مأوى بالمدينة التي نزورها لأول مرة”. ويتابع: ” نعيش ظروفًا صعبة، وتوقف علاج والدتنا”.
قرارات حكومية
ومنتصف ديسمبر العام الماضي، نقلت قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني منذ منتصف أبريل العام الماضي الحرب إلى مدينة ود مدني وقرى ولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم، ما تسبب في تدفقات جديدة لآلاف النازحين الفارين من حرب الخرطوم والذين كانت تحتضنهم الجزيرة.
ومع بداية أحداث الجزيرة، قالت الأمم المتحدة إن 14 ألف شخص فروا من المنطقة، وإن بضعة آلاف وصلوا بالفعل إلى مدن أخرى مشيرة إلى أن الولاية كانت قد استضافت نصف مليون شخص منذ بداية الحرب معظمهم من الخرطوم.
ويواجه النازحون بولاية نهر النيل من قرارات اتخذتها حكومة الولاية نوفمبر العام الماضي بإعلان موعد بداية العام الدراسي وإخلاء المدارس من الوافدين لاستئناف الدراسة، لكن التوجيهات وجدت مناهضة كبيرة.
وطرحت الحكومة خيار ترحيل الوافدين إلى مناطق سكنية في أطراف المدينة، غير أن الغالبية العظمى منهم امتنعوا من مغادرة المراكز والانتقال إليها، بسبب وجودها في بيئة نائية ومنعدمة الخدمات، علاوة على ملكية المنازل بتلك المناطق لمواطنين، وانتهى الصراع بفرض الولاية قرار دمج مدارس سوياً وإخلاء أخرى للدراسة؛ مما سبب اكتظاظًا في المدارس والدور الأخرى.
ومع بدءِ تدفق أعداد جديدة من النازحين القادمين من ود مدني ومناطق الجزيرة، اتخذ عشرات منهم ساحة دخول الحافلات السفرية كمقر لهم، وصنع بعضهم خيم من الأغطية والأقمشة لتقيهم حر الشمس وبرد الشتاء في ظل انعدام الخدمات والتبرعات.
كوثر إسماعيل-17 عاماً- وهي إحدى النازحات في الميناء، تعمل بين الحين والأخرى في بيع الشاي بمعدات ومواد متواضعة، بعد أن دفعت كل ما جنته من العمل في تنظيف المنازل بود مدني في رحلة النزوح إلى عطبرة عبر القضارف وكسلا، فيما يغسل أشقاءها الأصغر منها السيارات حول الميناء البري، في محاولة لتوفير قوت يومهم، ويعودون إلى الاستلقاء على بلاط الميناء، وهي كما تقول لـ(عاين) تحلم بانتهاء الحرب والعودة إلى صفوف الدراسة والجلوس لامتحان الشهادة الثانوية بعد أن أرهقتها ظروف النزوح من الخرطوم وود مدني.
وفقًا لمحمود كمال، زهو أحد متطوعي غرف الطوارئ بالميناء، فإن قرابة 45 أسرة تعيش في باحة الميناء البري، بسبب امتلاء جميع مراكز النزوح في عطبرة ورفض النازحين الانتقال إلى المنافذ التي طرحت من قبل الولاية، مشيرًا إلى عدم وصول جهة حكومية لتفقد أحوال النازحين المتواجدين في الميناء.
ويوضح محمود في مقابلة مع (عاين): أن “الغرفة كانت توفر وجبة عشاء في اليوم، لكن بعد ازدياد أعداد الناس، وملاحظة الظروف الصعبة التي يعايشها الموجودون أصبحت توفر وجبتين في اليوم”، ويضيف: “باقي التبرعات والوجبات تأتي بشكل مستقل من فاعلي خير”.
مسؤولة حكومية: حصر النازحين متوقف حاليا؛ بسبب عدم توفر سكن آمن واكتظاظ دور الإيواء
ممثلة مفوضية العون الإنساني الحكومية في محلية عطبرة، منى عبد الله، تقول لـ(عاين): “أن المفوضية لا تزور النازحين في أماكنهم، وأن مهامها تنحصر في تسجيل الذين يستطيعون الوصول إلى مكتبها”، وتشير إلى أن حصر النازحين متوقف حاليا؛ بسبب عدم توفر سكن آمن واكتظاظ دور الإيواء.
أسرة نهلة محمد بعد أن نصبت خيمة لما يزيد عن أسبوعين أمام مدخل الميناء البري بعد محاولات كثيرة مع المحلية والمفوضية لتسكينهم في مركز إيواء، تمكنت من الدخول لمدرسة الشروق المجاورة للميناء من الناحية الغربية، مشيرين لـ(عاين) بأن وضعهم في المدرسة لا يختلف كثيراً عن الميناء لكونهم لم يعثروا على شاغر، ويقيمون في باحة المدرسة.
أما النازحة عزة الريح تقول لـ(عاين): أنها “تنام تارة في الميناء البري ومرات أخرى في (جملون) فندق قريب من الميناء بسبب اكتظاظ الميناء.