أزمة النقد الأجنبي في انتظار حلول حكومة الثورة 

أزمة النقد الأجنبي في انتظار حلول حكومة الثورة

تقرير: عاين 10 ديسمبر 2019م

يعاني السودان من عدة مشاكل في الإقتصاد تتمثل في ضعف الإنتاج المحلي والصادرات وكثرة الواردات وخلل ميزان المدفوعات وضعف الناتج القومي الإجمالي.  وما تزال أزمات مالية واقتصادية أخرى تراوح مكانها عقب الثورة التي أطاحت بالبشير مثل الأزمات المالية الناتجة عن انهيار قيمة الجنيه السوداني وتضاعف كمية الأوراق النقدية المتداولة في الأسواق وارتفاع معدلات التضخم وبالتالي ارتفاع قيمة النقد الأجنبي في السوق الموازي وتعدد سعر الصرف بين السوق الموازي والسعر الرسمي.  

ويَرى خبراء  اقتصاديون ان قضية تذبذب سعر الصرف وتعدده قيمته بين السوق والحكومة التي تشغل المواطنين والعاملين في التجارة والاستيراد والتصدير، تعود إلى كافة أشكال الضعف الاقتصادي المذكورة أعلاه. ويضيف الخبراء ان غياب الرقابة على تداول العملات الأجنبية ونشاط تهريبها إلى جانب تهريب الصادرات كلها أسباب تفاقم من أزمة النقد الأجنبي في البلاد.  ويشيرون إلى أن أحد الأسباب فوضى الأسواق يرجع إلى وجود كمية كبيرة من الأموال خارج النظام المصرفي، الأمر الذي يعزى إلى عدم تطبيق القانون بشكل فعال وبناء الثقة في النظام المصرفي، وأكدوا أن حل الأزمة يتم على عدة مستويات على المدى المدى المتوسط والبعيد في إطار حلول متكاملة.

أزمة النقد الأجنبي في انتظار حلول حكومة الثورة

فوضى وتذبذب

وتشهد الأسواق تذبذبًا متفاوتًا في قيمة العملات الأجنبية، حيث تتراوح قيمة الدولار الأمريكي ما بين 76 إلى 84 جنيهًا في السوق الموازي بينما تستقر قيمته في التعاملات الرسمية عند 45 للشراء و45.2 جنيهًا للبيع، ويبلغ سعر اليورو 90 جنيهًا في السوق الموازي في الوقت الذي تدونه تعاملات المصارف الرسمية بـ50.32 للبيع و50.07 للشراء، ويسجل الجنيه الإسترليني مقابلاً يصل حتى 107 جنيهًا في الأسواق فيما تبلغ قيمته الـ 58.67 للبيع و 58.38 جنيهًا للشراء في البنوك، ويقابل الريال السعودي في التعاملات الرسمية 12.06 جنيهًا للبيع و12 جنيهًا للشراء في وقتٍ تبلغ قيمته 21 جنيهًا في السوق الموازي. ويُعتبر وجود أكثر من سعر صرف للعملات الأجنبية، أحد المشكلات الأساسية التي تعاني منها أسواق الأوراق المالية، وحسب خبراء، فإن المشكلة ظلت قائمة منذ انفصال الجنوب في العام 2011م، وأصبح السوق الموازي يتحكم في أسواق النقد.

التُجّار الكُبار

وفي جولة لـ(عاين) بين متعاملين في السوق الموازي، أجمعوا على عبارة “التُجار الكبار” الذين قالوا إنهم يتحكمون في أسعار العملات الأجنبية عن طريق إحداث خلل في الطلب والعرض. وقال المتعامل قسم السيد لـ(عاين)، أنهم يتفاجأوون بسعر جديد للصرف في كل يوم، مبينًأ أن أغلب التجار الذين يتواجدون في الطرقات لا يد لهم في ارتفاع سعر العملة الأجنبية، وقال إن هناك تجار يملكون رؤوس أموال كبيرة يستطيعون شراء كل كمية العملة الأجنبية في الأسواق، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على العملة ويزيد سعرها. 

وأكد قسم السيد أن تحكم تجار العملة الكبار لا مفر منهم بالنسبة لهم كتجار صغار، وكشف أن جميع التجار أصحاب رؤوس الأموال المحدودة يبيعون ما اشتروه من عملة لأولئك التجار الكبار، موضحًا أنه بتلك الطريقة يعود تحكم التجار الكبار في سعر العملات. واستبعد قسم السيد أن يكون الحل الأمني أداة لتطبيق القانون، وكشف أنه شاهد على الحملة التي شنها جهاز أمن البشير بعد أوامر الطوارئ في فبراير الماضي وتم اعتقاله أثناءها، ونوه إلى أن الاعتقالات لن تتحكم في سعر العملات وإنما تضاعف الطلب على العملة. كما نبه إلى ضرورة ضبط تهريب الدولار خارج السودان وتجفيف الأسواق الداخلية منه، مشيراً إلى التأثير السلبي لتحويل دفع تذاكر الطيران بالعملة الأجنبية، الأمر الذي لفت إلى أنه يزيد القوة الشرائية على الدولار ويرفع أسعاره دون رقابة من الدولة بل بتشجيع منها.

الشركات الاجنبية

أزمة النقد الأجنبي في انتظار حلول حكومة الثورة

وفي السياق ذاته يقول أستاذ الإقتصاد بجامعة أم درمان الأهلية، مصطفى عبد القادر، إن الطلب على العملات الأجنبية يكون في الغالب من الحكومة وكل الشركات الأجنبية العاملة في الأسواق السودانية والتي تحول العملة المحلية إلى عملة أجنبية لحساباتها، وضرب مثالًا بشركات الطيران ووكالات السفر التابعة لها.

ولفت إلى أن شركات الإتصالات (التي أغلبها أجنبية)، تقوم حاليًا بدور البنوك المتمثل في التوسط بين المتعاملين فيما يخص تحويل الأموال واستلامها، وتساءل :” هل يتسلم بنك السودان تلك القيمة من شركات الإتصال؟” ويقول عبد القادر في مقابلة مع (عاين)، إن غياب الرقابة لا يتمثل في عدم وجود قانون وإنما في العجز عن تطبيقه، مستدركًا أن تطبيق القانون لا يتم عن طريق القبضة الأمنية، وأوضح أن الرقابة تتم عبر الدمج بين موائمة القوانين الموجودة لتكون جزءًا من سياسات بنك السودان المركزي. وطالب مصطفى بضرورة ضبط السلع التي تجلب النقد الأجنبي وإيقاف تهريبها وتصديرها بطرق رسمية، وذكر منها الثروة الحيوانية والذهب والصمغ العربي الذي لفت إلى أن تشاد تعتبر المصدّر الأول له في حين أنه لا يوجد بها هشاب!.

أزمات هيكلية

ومن ناحيته أقر مدير إدارة العمليات المصرفية ببنك السودان المركزي محمد عصمت أن السبب الأساسي لأزمة النقد الأجنبي يعود إلى شح موارد النقد الأجنبي لا سيما صادرات البلاد. ويقول عصمت في حديث لـ(عاين) إن الرقابة الإقتصادية ليست كافية لتحقيق سعر الصرف، لافتًا إلى وجود عوامل تتمثل في شح موارد النقد الأجنبي الذي قال إنه يتولد من تضاءل صادرات البلاد التي لا تجلب عائدات لتوفير الإحتياطي النقدي المطلوب للتدخل والاستعانة به عند ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية. ونوه عصمت إلى أزمة عجز الميزان التجاري بسبب تهريب الصادرات المهمة، مثل الذهب والمحاصيل النقدية السمسم والصمغ العربي. 

ويقترح أستاذ الاقتصاد مصطفي عبدالقادر، السندات كأحد الحلول لأزمة النقد الأجنبي على أن يتم شراؤها من قبل المغتربين والأفراد والمؤسسات ويتم عبرها ضمان رؤوس الأموال وتشغيلها لجني أرباح. وأضاف أن سوق الأوراق المالية بالسودان غير نشط نسبة لعدم وجود الثقة في النظام المصرفي. وتابع :”يكمن الحل في وجود إنتاج مستقر ووجود فائض من النقد الأجنبي ليس عن طريق الاستدانة، ويجب تطبيق نظام رقابة مؤسسي لضبط حركة النقد الأجنبي”.

 وبشأن أزمة الأوراق النقدية في السودان، يوضح عبدالقادر أن الجنيه السوداني فشل في تأدية دور وظائف النقود في الاقتصاد ومنها أن يلعب النقود دور وسيط التبادل بين المتعاملين،  بسبب انهياره لعدم وجود إنتاج محلي وتذبذب حجم الصادرات، وأشار إلى أن تغطية الحوجة في الإنتاج تتم باستيراد السلع الأساسية، مما رأى أنه يساهم في زيادة الطلب على العملة الأجنبية.  ويضيف عبد القادر أن الجنيه فشل كذلك في أن يمثل مخزنًا للقيمة وأن يحفظ قيمة السلع المتداولة في الأسواق بسبب تآكله، مؤكدا أن ذلك دفع المواطنين إلى شراء العقارات وغيرها لحفظ القيمة، كما لجأوا إلى شراء العملة الأجنبية والمضاربة فيها ما يؤدي إلى تحول النقد الأجنبي إلى سلعة.

أزمة النقد الأجنبي في انتظار حلول حكومة الثورة

سياسات جديدة

وفي السياق يقطع مدير إدارة العمليات المصرفية ببنك السودان المركزي محمد عصمت أن حل الأزمة ليس حلًا جزئيًا وإنما متكاملًا يتم عبر حزمة إجراءات في الطريق الصحيح لتجاوز الأزمات المذكورة، ومنها تعزيز الإنتاج وتفعيل أجهزة الرقابة على العملات الأجنبية، وقال إنها يجب أن تكون مصحوبة بسياسات شاملة، وتوقع أن تعالج السياسات الجديدة الاختلالات، موضحًا أنه لضمان فعالية  وتابع: “دون ذلك سيكون دور الرقابة ضعيف ولن نتمكن من التحكم في سعر الصرف”.

ومن جهته يري الخبير الاقتصادي، محمد الناير إنه لابد من حلول عاجلة وقصيرة المدي قبل النظر في الخطط المتوسطة أو طويلة الامد نسبة للتراجع الحاد الذي يعاني منه الاقتصاد السوداني حاليا. ويقترح الناير التفاهم مع المغتربين السودانيين وتحفيزهم على إرسال تحويلاتهم المالية عبر القنوات الرسمية ليستفيد منها الاقتصاد الوطني إلى جانب الاستفادة مما تقدمه الدول الشقيقة والصديقة من مساعدات. ولفت في حديث لـ (عاين) إلى ضرورة إزالة العقبات التي تعترض الصادرات غير البترولية، مثل الذهب الذي كشف أن 80 % من إنتاجه لا تتم الاستفادة منه ويَهرّب ويخزن.   وقطع الناير باستحالة بناء الثقة في النظام المصرفي دون مساواة السعر الرسمي للعملات الأجنبية بأسعار السوق الموازي عبر بناء احتياطي نقدي أجنبي كبير، لتجاوز تحكم السوق الموازي والمضاربة في العملات الأجنبية في سعر الصرف.

ويشير الناير إلى ان الخطط المتوسطة وطويلة الأمد يجب أن تشمل السياسات المحفزة لاستقطاب النقد الأجنبي وبناء احتياطي نقدي متماسك، داعيا إلى جانب الإهتمام بالإنتاج وزيادة معدلاته بغرض زيادة نسبة الصادرات للمساعدة في إحلال ما يكفي من الواردات وتقليل عجز الميزان التجاري في إطار حزمة سياسات الحل.